تعليق لاذع من السيد بعد سجن ساركوزي: الفاسد هنا بدل أن ينضب يُعطي دروسًا بالوطنية
سقوط التفاوض ووفاة الأرنب اللبناني
فجأة ودون مقدمات قفز لبنان الرسمي من محاولات إقناع الوسطاء الأميركيين بإنتهاج خيارات أقل حسماً في مسألة حصرية السلاح إلى طرح تطبيق البند «رقم 13» والأخير في إتّفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذي ينص على ما يلي: «تطلب كل من إسرائيل ولبنان من الولايات المتحدة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تسهيل المفاوضات غير المباشرة بينهما بهدف حل النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 1701».
إن التمعن في قراءة البند المذكور تؤكد أن طلب تسهيل التفاوض من قِبل لبنان أو إسرائيل غير ملزم للطرف الآخر. من جهة أخرى فإن إدراج طلب التفاوض كبند أخير في الإتّفاق له دلالاته المنطقية، إذ يأتي بعد إنجاز كل من لبنان وإسرائيل إلتزاماتهما المتعلقة بوقف الأعمال القتالية وإنسحاب الجيش الإسرائيلي وانتشار الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، وبعد تفكيك البنى التحتية العسكرية ومصادرة السلاح. كل ذلك لم ينجز حتى الآن، فالإعتداءات الإسرائيلية لا زالت مستمرة والتعثر اللبناني على المستويين الميداني والسياسي في تحقيق حصرية السلاح لم يعد خافياً على أحد.
فما الذي حدا بلبنان للقفز فوق مندرجات إتّفاق وقف إطلاق النار برمّتها؟ وكيف ولدت مطالبة لبنان بالتفاوض غير المباشر والتي بدا أنها تمتعت بحظوة الرئيس نبيه بري وقبول مسبق من حزب الله بالرغم من المناورات المصطنعة التي استبقت زيارة بري إلى بعبدا وتحذير حزب الله من الذهاب إلى مفاوضات مباشرة؟
لقد تعامل لبنان بتجاهل تام لإتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل حيّز التنفيذ في التاسع من الشهر الحالي، فمجلس الوزراء لم يُدع لعقد جلسة تخصص لدراسة تداعيات الإتفاق على لبنان. حالة الإمعان في إنكار لكل ما يجري في المنطقة يتلمس اللبنانيون أعراضها كل يوم من خلال التعامل المرتبك مع حصرية السلاح بشكل خاص، ومع الإتفاق بين لبنان وإسرائيل برمّته بشكل عام. لقد أحدث اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة صدمة غير منتظرة لكل المراهنين في لبنان والمنطقة على استمرار زمن المساجلة بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى، وقد يكون في تشكيل قوة عسكرية إقليمية عظيمها من الدول العربية دون مشاركة إيران لمتابعة المرحلة الثانية من الإتفاق ما يكفي من الدلائل على أنّ المنطقة قد دخلت مساراً جديداً لا عودة عنه.
لقد أتى طرح التفاوض غير المباشر مع إسرائيل بعد استنفاد كل الأوراق لتغيير بوصلة المجتمعين العربي والدولي حيال تطبيق حصرية السلاح، ومنها التحذير الدائم لرئيس الجمهورية جوزاف عون من الحرب الأهلية أو تهديدات أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بقدرة حزب الله على قلب المعادلات. وقد يكون في التحقيق الذي أوردته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية حول دور قائد فيلق القدس «إسماعيل قاآني» في إعادة تشكيل البنية العسكرية لحزب الله، وحول استراتيجية طهران الجديدة التي تهدف إلى الحفاظ على دور حزب الله كقوة ردع مع تجنب مواجهة مباشرة جديدة مع إسرائيل، أكثر من رسالة باتّجاه واشنطن وتل أبيب وأكثر من محاولة للخروج من المأزق.
لقد بدا واضحاً أن العرض اللبناني للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل غير واقعي، وهو ليس سوى أحد الأرانب التي يتم إخراجها في لحظات حرجة لشراء الوقت، فبديهيات الاستراتيجية الأميركية الجديدة تقضي بإقفال صندوق البريد مع طهران، كما كان موقف المبعوث الأميركي إلى سوريا «توم باراك» واضحاً في توصيف نظرة الإدارة الأميركية للحكومة اللبنانية ولموقفها من حصرية السلاح. لقد اعتبر «باراك» في مقال نشره على منصة «إكس» أنّ اتّفاق وقف التصعيد الموقّع في نوفمبر 2024، برعاية إدارة الرئيس السابق جو بايدن، قد فشل في تحقيق أهدافه بسبب غياب آلية تنفيذ فعالة واستمرار التمويل الإيراني لحزب الله»، وأنّ لبنان ما زال رهينة لهيمنة حزب الله، الذي يعطل السيادة الوطنية، ويثير القلق الإسرائيلي. وختم باراك مقاله بالتحذير من أنه «إذا فشلت بيروت في التحرك، فإن الذراع العسكرية لحزب الله ستواجه حتماً مواجهة كبرى مع إسرائيل».
على وقع تصريحات باراك التي تصدرت وسائل الإعلام ، حاولت لقاءات القصر الجمهوري بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيس نبيه بري، وبين رئيس الجمهورية وحزب الله تغيير المشهد القاتم عبر تسويق عرض التفاوض اللبناني، فيما كانت إسرائيل تمعن في اعتداءاتها حيث بلغت المسيّرات أجواء وسط العاصمة بيروت وأجواء القصر الرئاسي في دلالة أكيدة أن تل أبيب ومن خلفها واشنطن لا تريدان تلقي الرسالة اللبنانية.
ومع إنقضاء ساعات قليلة على اجتماعات القصر أعلن الرئيس بري لصحيفة الشرق الأوسط سقوط مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل ووفاة الأرنب اللبناني الذي أُخرج للحياة في اللحظة الخطأ.
العميد الركن خالد حماده - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|