رئيس الكتائب لـ بري: "لا يحق لأيّ أحد بالوقوف أمام الإرادة الشعبية
تحوّلات ترامب تصدم الأوروبيين: واشنطن نحو تخلٍّ كامل عن كييف
في لقاء وُصف بأنه "كارثي"، انهار الاجتماع بين الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الجمعة الماضي، بعدما ضغط الأول بقوّة على الثاني لقبول شروط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لإنهاء الحرب، بما في ذلك التنازل الكامل عن إقليم دونباس.
اللقاء، الذي كشفت مصادر متعدّدة أنه تخلّله صراخ وشتائم كثيرة ورمي للخرائط، جاء بعد يوم واحد فقط من مكالمة طويلة بين ترامب وبوتين، يبدو أنها رسّخت تحوّلاً جذريّاً في الموقف الأميركي. وبينما غادر زيلينسكي واشنطن خالي الوفاض، بعد فشله في الحصول على صواريخ "توماهوك"، يسابق الحلفاء الأوروبيون الزمن لإيجاد خطّة إنقاذ مالية يائسة بقيمة 140 مليار يورو، في محاولة لتحصين كييف ضدّ ما يبدو أنه تسوية تُطبخ أميركيّاً - روسيّاً على حساب أوكرانيا.
وكان زيلينسكي وفريقه وصلا إلى واشنطن على أمل الاستفادة ممّا اعتقدا أنه إحباطٌ متزايدٌ لدى ترامب من رفض بوتين إنهاء الحرب، إذ كان هدفهما المرحليّ صريحاً: حيازة صواريخ "توماهوك" كروز بعيدة المدى، طالما سعت إليها كييف لتغيير موازين القوى، لكنهما وُوجها برئيس أميركي مختلف تماماً. فبعد المكالمة الهاتفية التي استمرّت نحو ساعتين ونصف ساعة مع بوتين، الخميس، بدا أن ترامب قد تبنّى بالكامل وجهة نظر الكرملين.
ووفقاً لمصادر أوروبية وأميركية مطّلعة على الاجتماع، فقد رمى ترامب بخرائط الجبهة الأوكرانية جانباً، وأصرّ على أن زيلينسكي "يخسر الحرب"، وحذّره بعبارات صريحة: "إذا أراد بوتين ذلك، فسوف يدمّرك". لكنّ الأمر لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل إن الرئيس الأميركي طالب نظيره الأوكراني، بالاستسلام والتنازل عن إقليم دونباس بالكامل لمصلحة روسيا، مردّداً نقاط الحوار التي قدّمها له بوتين في اليوم السابق.
هذا الانهيار في الدعم الأميركي، الذي تحوّل من بيع الأسلحة إلى الضغط من أجل الاستسلام، وضع أوكرانيا في أحلك مواقفها منذ بدء الغزو الروسي، وأسقط الحلفاء الأوروبيين في حال من الذعر الدبلوماسي والمالي. وبحسب خبراء، فإن اجتماع الجمعة كان تكراراً، وإنْ أكثر حدةً، للقاء متوتّر سابق جمع الفريقين، في شباط الماضي، حين وبّخ ترامب ونائبه، جيه دي فانس، زيلينسكي علناً بسبب ما وصفاه بـ"قلّة امتنانه" للولايات المتحدة.
لكن هذه المرّة، كان الموقف مدعوماً بخطط ملموسة؛ فالمكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين أسفرت عن اتفاق لعقد قمّة ثانية قريبة بينهما في بودابست، أكّد الكرملين، أمس، أن العمل التحضيري لها بدأ، مشيراً إلى أن هنغاريا، بقيادة فيكتور أوربان، تمثّل مكاناً مثاليّاً لاستضافتها، نظراً إلى علاقات هذا الأخير الدافئة مع كلا الزعيمَين الروسي والأميركي.
ولعلّ هذا المسار الدبلوماسي الجديد هو بالضبط ما كانت تخشاه كييف؛ فبعد قمّة ألاسكا الفاشلة التي جمعت بوتين إلى ترامب، في آب الماضي، ولم تسفر سوى عن تكرار روسيا مطالبها، يبدو أن الرئيس الأميركي اقتنع هذه المرّة بأن نظيره "يريد عقد صفقة". والعرض الذي نقله ترامب، وصاغه بوتين، يقضي بأن تتخلّى أوكرانيا عن الأجزاء المتبقّية تحت سيطرتها في دونيتسك ولوغانسك، في مقابل انسحاب روسي شكلي من مناطق صغيرة في خيرسون وزابوريجيا. وهو عرضٌ وصفه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني، أولكسندر ميريجكو، بأنه "غير مقبول على الإطلاق للمجتمع الأوكراني".
وكشف ترامب، في تصريحات إلى الصحافيين، أول من أمس، عن رؤيته لـ"الحلّ" بوضوحٍ صادم، حين قال: "دعها كما هي الآن... توقّفوا عند خطّ المعركة. عودوا إلى دياركم، توقّفوا عن القتال، توقّفوا عن قتل الناس".
وفي مواجهة هذه الضغوط، والتخلّي الأميركي شبه الكامل عن الدعم المالي لكييف، يجد الحلفاء الأوروبيون أنفسهم في مأزق وجودي يصارعون فيه لإيجاد طريقة لتمويل المجهود الحربي الأوكراني بمفردهم. ولعلّ التصوّر الأكثر جرأةً وتعقيداً في بروكسل، يتلخّص في "قرض تعويضات" ضخم بقيمة 140 مليار يورو (حوالى 163 مليار دولار) لنظام كييف. على أن هذه الخطّة، التي ستكون محور منقاشات قادة التكتُّل، هذا الأسبوع، اكتسبت زخماً كبيراً بعدما ألقى المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، بثقله خلفها (مشترطاً استخدام الأموال لشراء الأسلحة فقط).
لكنّ ثمّة مَن يقول، إن خطّة الأوروبيين لا تعدو كونها "ألعاباً بهلوانية مالية" مليئة بالتناقضات، ذلك أن ما رشح عنها، إلى الآن، يشير إلى أن إجراءاتها لا تمسّ الأصول السيادية الروسية المجمّدة نفسها، بل سيجبر الاتحاد الأوروبي، مؤسسة "يوروكلير" المالية البلجيكية، التي تحتفظ بمعظم تلك الأصول، على إقراضه الأموال النقدية التي تراكمت لديها من جرّاء الاستثمارات الروسية المجمّدة، على أن يقوم الاتحاد بعدها بإقراض هذا المبلغ الضخم لكييف، ويُسدَّد القرض فقط في حال دفعت روسيا تعويضات حرب مستقبلية.
وهكذا، إذا لم تدفع روسيا تعويضات، فإن الاتحاد الأوروبي سيغفر قرض أوكرانيا، لكنه سيظلّ ملزماً بسداد ديونه لـ"يوروكلير"، أي بعبارةٍ أخرى، فإن دافعي الضرائب الأوروبيين، وليس موسكو، هم من يتحمّلون المخاطرة النهائية.
مع ذلك، تبدو هذه الخطّة اليائسة الطريقة الوحيدة لتحجز أوروبا مقعداً لها على طاولة المفاوضات المستقبلية التي يتوافق ترامب وبوتين على حرمانها منها. وكشف التحوّل الأحدث في موقف واشنطن، عن صدع عميق وخطير في الرؤية الاستراتيجية بين جانبَي الأطلسي.
ففي مقابلة لافتة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، حذّر الجنرال الألماني البارز، اللفتنانت جنرال ألكسندر سولفرانك، من أن الديمقراطية وحكم القانون في جميع أنحاء أوروبا معرّضان لخطر شديد، ما لم يتمّ إيقاف روسيا في أوكرانيا، قائلاً إن "السبب الوحيد ليتوقّف بوتين هو أن يتم إيقافه". وأضاف أنه إذا انتصرت روسيا، فإن "القوّة ستكون فوق الحقّ والقانون"، مشدّداً على ضرورة "دعم أوكرانيا بكلّ ما تحتاج إليه"، بغضّ النظر عن الموقف الأميركي.
بالنسبة إلى زيلينسكي، لم يكن اجتماع واشنطن (الجمعة) فاشلاً في نتائجه فحسب، بل مثّل أيضاً خطأً استراتيجيّاً فادحاً في توقيته. فبعد مكالمة ترامب المطوّلة مع بوتين، كان الأجدر بالوفد الأوكراني التخلّي عن طلب "التوماهوك"، الذي يستحيل تحقيقه قبل قمّة بودابست، والتركيز على طلبات أقلّ إثارةً للجدل، مثل صواريخ الدفاع الجويّ "باتريوت" لصدّ الهجمات الروسية، أو تأمين تمويل أميركي لواردات الغاز الطبيعي المسال (LNG) لمساعدة البلاد على تجاوز شتاء يُتوقّع أن يكون "كارثة طاقة". وفي محاولته تدارك الأمر، أعلن زيلينسكي، أمس، استعداده لحضور قمّة بودابست إذا تمّت دعوته إليها، في حين لا يبدو مرجّحاً أن يكون عرضه موضع اهتمام من أحد: لا القادة المشاركين، ولا مضيفهم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|