انتخابات 2026 من دون سلاح؟

تبلّغ أكثر من مسؤول لبنانيّ في الآونة الأخيرة نصائح دبلوماسيّة من ممثّلي دول معنيّين مباشرة بالأزمة اللبنانيّة، ضرورة أن يُشكّل تاريخ أيّار 2026 موعداً ثابتاً ليس فقط لإجراء الانتخابات النيابيّة، بل أن تُجرى هذه الانتخابات، للمرّة الأولى منذ عقود، في ظلّ عدم وجود السلاح جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبيّة.

لم تتضمّن خطّة الجيش المُقَرّة في الحكومة أيّ جدول زمنيّ يحصر تطبيق مراحلها بمهل زمنيّة إلزاميّة. أكثر من ذلك، سمع زوّار رئيس الجمهوريّة جوزف عون، والعديد من الوفود الأجنبية، آخرها وفد الاتّحاد الأوروبي، كلاماً صريحاً من عون بأنّ الحديث عن مهلة زمنيّة تنتهي نهاية العام لإعلان جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح تماماً ليس منطقيّاً، لعدّة أسباب أهمّها أنّ الاحتلال الإسرائيليّ واعتداءاته المستمرّة تمنعان تحقيق هذا الهدف، ولأنّ الطبيعة الجغرافيّة صعبة، وقدرة الوصول إلى كامل المواقع والأنفاق تتحكّم بها معطيات عدّة. وشدّد عون على أنّ التركيز الكامل اليوم هو على منطقة جنوب الليطاني، وكلّ جهود “الميكانيزم” تصبّ في هذا الاتّجاه.

جزمت المتحدّثة باسم قوّات الأمم المتّحدة في لبنان كانديس أرييل أنّ “وجود جنود إسرائيليّين داخل الأراضي اللبنانية يحدّ من قدرة الجيش اللبناني على الانتشار الكامل في جميع مناطق الجنوب والقيام بمهمّاته على نحو تامّ”، مشيرة إلى أنّه “منذ وقف الأعمال العدائيّة، اكتشفت قوّات حفظ السلام أكثر من 340 مخزناً للأسلحة والذخائر في جنوب لبنان، وقد تمّ إبلاغ الجيش اللبناني عنها للتعامل معها وفق الأصول”.

من جهتها أعلنت القيادة المركزيّة الأميركيّة CENTCOM أنّ “الجيش اللبناني نجح في إزالة ما يقرب من 10,000 صاروخ، وقرابة 400 صاروخ متوسّط المدى، وأكثر من 205,000 قطعة ذخائر غير منفجرة”.

متى تبدأ المرحلة الثّانية؟

خطّة الجيش المؤلّفة من خمس مراحل يصعب التكهّن بتاريخ بدء مرحلتها الثانية، التي يفترض أن تطال شمال الليطاني. هذا مع العلم أنّ وزير الخارجيّة يوسف رجّي، ممثّلاً “القوّات اللبنانيّة”، حاول “القوطبة” على الحكومة ورئيس الجمهوريّة من خلال تأكيده لوكالة الصحافة الفرنسيّة أنّ “المرحلة الأولى ينبغي أن تطبّق بحلول نهاية تشرين الثاني 2025 لينتهي حصر السلاح نهائيّاً: لا مخازن، ولا سلاح، ولا تنقّل للسلاح ولا مقاتلين، ولا مظاهر مسلّحة، في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني”.

وفق مصادر الثنائيّ الشيعيّ، “الضغط الدوليّ لسحب السلاح قبل حلول موعد الانتخابات النيابيّة لن يؤدّي إلى أيّ مكان. تعاون “الحزب” على مساحة جنوب الليطاني حصل بموجب اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة الذي ينتهكه العدوّ الإسرائيليّ كلّ يوم. وحالة الاحتلال القائمة والاغتيالات المستمرّة تجعلان من تسليم السلاح بالكامل استسلاماً غير وارد من جانب المقاومة”.

كسب معركتين

في المقابل، يتخوّف خصوم “الحزب” من كسب فريق الممانعة في المرحلة المقبلة معركتين أساسيّتين:

-الأولى إلغاء حقّ المغتربين بالتصويت لنوّاب البرلمان الـ128 من الخارج، في تجاوز لنموذجَي انتخابات 2018 و2022. وهذا ما سيشكّل تحرّراً كبيراً من رصيد أصوات الاغتراب المؤيّدة للقوى المناهضة لـ”الحزب”. هذا مع العلم أنّ العديد من القوى المعارضة باتت تُسلّم باحتمال حصول هذا الأمر، وبدأت منذ الآن تنظيم أوسع عمليّة “نقل” للّبنانيّين من دول الاغتراب إلى لبنان.

-الثانية: إبقاء ورقة السلاح بيد “الحزب” الذي سيؤدّي إلى تحشيد أكبر لدى قواعد الثنائي الشيعيّ. حتّى إنّ إقامة مراكز “ميغاسنتر” في المحافظات قد يرفع نسبة التصويت الشيعيّ وليس العكس، كردّ فعل على استمرار إسرائيل في منع إعادة إعمار أيّ حجر في الجنوب، ومنع أهله من العودة إلى قراهم.

دخل حديثاً على الخطّ ملفّ التفاوض مع إسرائيل. حتّى الآن ليست هناك مرجعيّة سياسيّة أو دبلوماسيّة قادرة على تحديد تاريخ عملانيّ لبدء هذا التفاوض، في ظلّ إصرار أميركيّ على أن يكون مباشراً من دون وسيط، ورفض لبنانيّ رسميّ “مبدئيّ” لهذا الأمر، خصوصاً أنّ الرئيس عون حين تحدّث عن هذا الموضوع أشار إلى أنّ “شكل التفاوض يُحدَّد في حينه”، وردّة فعل “الحزب” والرئيس نبيه برّي أتت استيعابيّة وغير صداميّة.

هنا تقول المعلومات إنّ واشنطن قدّمت ضمانات بأن تسهّل انطلاقة هذا التفاوض عبر محاولة لجم إسرائيل ووقف اعتداءاتها، لكن شرط أن يجلس الطرفان وجهاً لوجه.

بالتالي انتخابات نيابيّة مع تفاوض لا تُشبه انتخابات نيابيّة من دون تفاوض، لا سيّما أنّ “الحزب” يُدرك أنّ كلفة موافقته على قرار وقف إطلاق النار، وتداعياته عليه وعلى بيئته، كانت عالية جدّاً. فيما الرضوخ للتفاوض، والإسرائيلي لا يزال يُحكِم سيطرته برّاً وبحراً وجوّاً، لن تكون كلفته السياسيّة أقلّ.

ملاك عقيل - اساس ميديا