بطولة لبنان لكرة السلة: الرياضي يكتسح البترون مسجّلا فوزه الثاني
"حقيبة الموت" في سنّ الفيل... لبنان يدفع ثمن "عنف الجماعة المغتربة"؟
لا يمرّ أسبوع في لبنان، إلا وتتناسل الأخبار عن جريمة جديدة: قتل، سرقة، اعتداء، أو حادثة غامضة، تفتح باب التساؤلات على مصراعيه. لكن ما يلفت الانتباه في الأعوام الأخيرة، أن نسبة ملحوظة من هذه الجرائم تُرتكب بأيدي وافدين أجانب، يعيشون على الأراضي اللبنانية.
هؤلاء الذين جاؤوا إلى لبنان بحثًا عن لقمة عيشٍ شريفة، وجدوا أنفسهم في قلب معادلة معقّدة، حيث تتحوّل الغربة أحيانا إلى خنقٍ نفسي، والعوز إلى غضبٍ مكتوم.
ومن هذا المنطلق، لبنان ليس بلدا مغلقا، بل من أكثر بلدان الشرق الأوسط انفتاحا وتنوّعا. هو بلدٌ يتّسع للثقافات واللهجات والوجوه، حتى صار محطة للعبور والإقامة في آن واحد. منذ عقود، شكّل لبنان وجهةً محبّبة للعاملات والعاملين الأجانب، خصوصا من الجنسيات الإفريقية والإثيوبية، الذين ما زالوا يفضّلونه رغم كلّ الانهيارات الاقتصادية التي عصفت به. والمفارقة أن كثيرين منهم يرفضون مغادرة لبنان، رغم تدنّي الأجور إلى أدنى مستوياتها، ويقولون: "لبنان بلد مختلف... نحب هذا المكان، لا نريد أن نغادره".
البلد المحبوب ساحة للثأر!
لكن هذا الانفتاح الذي جعل لبنان ملاذا للغرباء، فتح الباب أيضا أمام ظواهر اجتماعية وأمنية معقّدة، إذ يتكرّر على أراضيه نوعٌ خاص من الجرائم: جرائم يرتكبها الأجانب ضدّ بعضهم البعض. في المقابل، ومن حيث الشكل هي جرائم فردية، لكن في العمق هي مؤشرات على تآكلٍ اجتماعي خفيّ داخل جماعاتٍ مغتربة، وجدت في لبنان وطنًا مؤقتًا، لكنها حملت معها توتّراتها وصراعاتها الشخصية.
لذلك، من هنا يبدأ التحقيق... من حقيبة سوداء في سنّ الفيل، خرجت منها قصة أكبر من جريمة، ومن بين طياتها انبثق سؤال عن مجتمعٍ يعيش فوق بركان اجتماعي متعدّد اللغات والوجوه.
صخب الموت اجتاح المدينة الهادئة
ومتابعة لهذه الحادثة المؤلمة، كانت الساعات الأولى من فجر الخميس غارقة في الصمت، الذي يخيم على طريق النهر في سنّ الفيل، قبل أن يقطعه صراخ متسوّلين كانا يفتّشان في حاوية قمامة. وسط الركام، لمحا حقيبة سوداء ظنّاها "رزقة اليوم"، لكنّها كانت صندوق موت يحمل في داخله جثة امرأة أثيوبية، مطعونة بعدة طعنات وملفوفة بأكياس بلاستيكية.
خلال دقائق، تحوّلت الطريق الجانبية إلى مسرح مكتظ: سيارات الشرطة، الشريط الأصفر، ووجوه مذهولة تحدّق في حقيبةٍ خرج منها العنف بأبشع صوره.
وفي هذا السياق، تكشف التحقيقات الأولية أن الجريمة ليست عرضية، بل قتل متعمّد سبقه خلاف حاد بين الضحية ومواطنتها الأثيوبية، التي كانت تقيم معها في شقة بمنطقة البسطة. وقد تمكنت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي بعد ساعات من المتابعة، من تحديد هوية المشتبه بها وتوقيفها، مؤكدة أن الجثة ليست مقطعة كما تردّد على مواقع التواصل، بل تعرّضت لطعنات قاتلة بآلة حادة.
ساحة مفتوحة لجرائم الوافدين!
بالاستناد الى ما تقدم، تؤكد مصادر امنية لـ "الديار" أن هذه الجريمة رغم فظاعتها، ليست الأولى من نوعها على الأراضي اللبنانية. ففي السنوات الأخيرة، ومع الانهيار الاقتصادي الذي ضرب لبنان، ارتفعت معدلات الجرائم التي يقترفها أجانب من جنسيات مختلفة، بين سرقات واعتداءات وجرائم قتل، وباتت تشكّل نسبة كبيرة من الملفات الأمنية في البلاد". وتضيف: "لبنان الذي يحتضن أكثر من 250 ألف عاملة أجنبية، معظمهنّ من إثيوبيا، وجد نفسه أمام معادلة معقّدة: عمالة وافدة جاءت طلبا للرزق، لكنها تحوّلت في بعض الحالات إلى بؤر توترٍ اجتماعي وأمني. فبين الضغوط الاقتصادية والعزلة والاحتكاك اليومي ضمن بيئة غريبة، تتفجّر نزاعات تتحوّل أحيانا إلى مآسٍ دامية كهذه".
ظاهرة الجماعة المغتربة "مخيفة"!
ولا مناص من القول ان من وجهة نظر علم الاجتماع، تُصنَّف هذه الجرائم ضمن ما يُعرف بـ "عنف الجماعة المغتربة"، أي عندما تنفجر الصراعات داخل فئة تعيش خارج وطنها، في ظروفٍ من الضغط النفسي والاقتصادي، الاغتراب الطويل، ضيق السكن، الخوف، والحرمان من الاستقرار النفسي ، كلها عوامل تخلق توتّرا داخليا يتحوّل أحيانا إلى عنفٍ بين أبناء الجنسية الواحدة.
وفي هذا الإطار، يقول أحد أساتذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية لـ "الديار": "حين يعيش الأفراد في بيئةٍ مغلقة ومكتظة، بعيدا عن عائلاتهم، يصبح الخلاف البسيط شرارةً تكشف كل المكبوتات. لذلك نرى أن كثيرا من جرائم العمال الأجانب تقع بين بعضهم البعض، لا ضد المجتمع المضيف".
لماذا لا يرحلن؟
وبناء على ما ذكر، كانت "الديار" سألت في تحقيقاتٍ ميدانية سابقة عددا من العاملات الأثيوبيات بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى في لبنان: لماذا لم يغادرن بعد انهيار العملة وتدنّي الأجور؟ كانت الإجابات متشابهة وصادقة: "نحب هذا البلد... لا نستطيع تركه، لا طريق عودة، ولا بيت ينتظرنا هناك".
مما لا شك فيه ان الكلمات تختصر مأساة آلاف النساء اللواتي جئن طلبا للعيش بكرامة، فوجدن أنفسهنّ عالقات بين الحاجة والاغتراب والخوف. لكنها تلخص أيضا جانبا من المعضلة اللبنانية التي تتفاقم بصمت: بلد يعيش فوق بركان اجتماعي مكتوم، تختلط فيه الأزمات الاقتصادية بالضغوط النفسية والهشاشة الأمنية، لتتحول أحيانا إلى جرائم تهزّ الضمير والوجدان.
تعددت السناريوهات والجريمة واحدة!
في جميع الأحوال، لا تزال التحقيقات جارية بإشراف القضاء المختص، في ظل مجموعة من الأسئلة المعلّقة: كيف يمكن لامرأتين جمعت بينهما الغربة والحاجة، أن تتحولا إلى قاتلةٍ وضحية؟ وأي بيئةٍ تلك التي تسمح بأن تُرمى جثةٌ في حقيبةٍ بين النفايات؟
قد تُغلق القضية قانونيا قريبا، لكن حقيبة سنّ الفيل ستبقى مفتوحة في الذاكرة، تذكّرنا أن الدم لا يُهرق وحده، بل يختلط دائما بوجعٍ اجتماعيّ أعمق.
مشكلات نفسية بالجملة ولبنان "المخلّص"!
من جانبها، تعود لتوضح المصادر الأمنية نفسها لـ "الديار"، ان تكرار الجرائم التي يرتكبها بعض الأجانب على الأراضي اللبنانية، خصوصا ضدّ بعضهم البعض، ليس مجرد صدفة، بل نتيجة تراكم عوامل اجتماعية ونفسية: ضغط الحياة اليومية، عزلة طويلة، إحساس بالاغتراب، والتداخل بين الحاجة المادية والرغبة في البقاء في بلدٍ يُحبّه المقيمون. لذا، هذه الجرائم ليست دليلاً على عداوة تجاه المجتمع اللبناني، بل انعكاسٌ لحياة مزدوجة يعيشها الوافد: بين الانتماء الجزئي للبنان، وبين التشبث بالروابط العائلية والمالية في الوطن الأم".
وتشير المصادر إلى أن "زيادة عدد المقيمين الأجانب في ظل أزمة اقتصادية خانقة، تعزز احتمالية وقوع مثل هذه الجرائم، ما يجعل الحاجة إلى رقابة ومتابعة أفضل، بالإضافة إلى برامج دعم اجتماعي ونفسي، وضرورة قصوى لتجنّب تصاعد الظواهر الفردية إلى اتجاهات اجتماعية أوسع".
وتختتم المصادر قائلة: "في النهاية، يظل لبنان بلد الانفتاح والاحتضان، لكن قصص مثل حقيبة سنّ الفيل تذكّر بأن الغربة والحاجة والاغتراب النفسي، قد تتحوّل إلى عنفٍ على أرضٍ يحبّها الجميع".
ندى عبد الرزاق- الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|