خيارات مرّة: هل ينزلق لبنان إلى حرب أهلية أم مواجهة إسرائيلية؟
... كوابيس كثيرة تحوم غداً الجمعة، فوق رأس الحكومة اللبنانية في جلستها المقررة بعد الظهر في القصر الجمهوري في بعبدا، والمخصصة لإقرار خطة وضعها الجيش بناء لقرار مجلس الوزراء في الخامس من الشهر الماضي، وتتناول «حصر السلاح» في إطار مهلة زمنية تنتهي بحلول نهاية السنة الحالية.
ورغم المساعي الماراتونية، التي استمرت حتى ساعات المساء، بمؤازرة دبلوماسية فرنسية ومصرية، للحد من الاحتقان الكبير في الطريق إلى «جلسة السلاح» والسعي إلى ضبط إيقاعها على النحو الذي يمكن أن يحد من المضاعفات المحتملة، فإن بيروت بدت «على أعصابها» مع لعلعة «الصوت العالي» في مقاربة سيناريوهاتها.
ولم تؤد استجابة رئيس الحكومة نواف سلام، بناء لإلحاح «الثنائي الشيعي» – أي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، لعدم اقتصار جدول أعمال الجلسة على خطة حصر السلاح، بإضافة ثلاثة بنود معيشية أخرى لضمان مشاركة الوزراء الشيعة، إلى مخرج يضمن إمرار الجلسة بسلام، بدليل تعاظم الحملة على الحكومة ورئيسها والتلويح بالأسوأ في حال جرى إقرار خطة الجيش بمهل زمنية.
يشاركون وينسحبون
وعلمت «الراي» أن وزراء «الثنائي الشيعي» في الحكومة سيشاركون في الجلسة بحال استهلت بمناقشة البنود التي أضيفت والتي لا علاقة لها بحصر السلاح وسيغادرون الجلسة في اللحظة التي تبدأ الحكومة مناقشة خطة الجيش، أما إذا بوشرت بمناقشة الخطة فلن يشاركوا، وهو الموقف الذي ينسجم مع مطالبة «الثنائي» بالعودة عن قرار «حصر السلاح» واعتباره كأنه لم يكن.
وتجلت مظاهر التصعيد، التي تضع لبنان اليوم أمام ساعات عصيبة في الوقائع الآتية:
- تلميحات إلى إمكان تدحرج معاندة «حزب الله» تسليم سلاحه إلى حد دفع وزراء «الثنائي الشيعي» إلى مقاطعة الحكومة بهدف شلّ قدرتها على الحكم وربما الضغط لإسقاطها بتحريك الشارع وما شابه، وهو السيناريو الذي سبق ان اعتمد مع واحدة من حكومات الرئيس فؤاد السنيورة.
- البيان «العالي السقف» الذي أصدرته كتلة «حزب الله» النيابية التي دعت الحكومة إلى مراجعة حساباتها و«التوقف عن تقديم هدايا مجانية للعدو، والتراجع عن قرارها غير الميثاقي وغير الوطني في موضوع سلاح المقاومة، والامتناع عن الخطط المنوي تمريرها (...) والاحتكام إلى منطق الحوار والتفاهم لإيجاد مخرج للمأزق الذي أوقعت نفسها فيه نتيجة انصياعها للإملاءات الخارجية».
ورغم هذه النبرة العالية من التصعيد، فإن رئيس الجمهورية جوزاف عون، والرئيس سلام ضمناً أقله انعقاد الجلسة بنصاب سياسي – طائفي كامل عبر إضافة بنود إلى جدول الأعمال، من دون أي تراجع عن مناقشة خطة الجيش وإقرارها، وهو الذي أكد عليه رئيس الحكومة في الساعات الماضية بتأكيده على «أهمية بسط الدولة سلطته على كامل أراضيها وتطبيق اتفاق الطائف في ما خص حصر السلاح».
واللافت أن الحكومة ورئيسها حظيا بدعم قوي من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، إذ أعلن في ذكرى المولد النبوي «ان مطلب حصر السلاح بيد الدولة هو مطلب أصلي وأصيل. وقد نختلف على هذا الأمر أو ذلك صغيراً كان أم كبيراً، لكن لا يجوز ان نختلف على استعادة الدولة من الفساد والسلاح. لا دولة فيها جيشان (...) وما عاد ممكناً ان يسيطر تحالف السلاح والفساد على الدولة اللبنانية».
... أحلاهما مر
وسط هذا الانقسام تنعقد جلسة الحكومة المحاصرة بخيارات يبدو أحلاها مر. فـ«حزب الله» الذي سبق ان لوح بـ«الحرب الأهلية»، راسماً خطاً أحمر حول سلاحه لن يتردد في المواجهة في حال أقرت خطة الجيش بمهل زمنية. وإسرائيل التي «تشحذ سكاكينها» تجد فرصه للانقضاض على لبنان من جديد بذريعة نزع سلاح «حزب الله»، وهو الأمر الذي يخشى معه ان ينزلق لبنان إلى واحدة من «حربين»، إما أهلية وإما إسرائيلية.
هذا المأزق يضع الحكومة أمام واحد من أصعب الخيارات: كيف توفّق بين حاجتها إلى ترسيخ السيادة عبر حصر السلاح في يد الجيش، وبين الخشية من انفجار داخلي قد يعيد البلاد إلى مشاهد الحرب الأهليّة؟ وكيف توازن بين منع انهيار الجبهة الداخلية، وبين تجنّب إعطاء إسرائيل حجّة جاهزة لتوسيع عملياتها العسكرية؟
في ظل هذا الواقع، يبرز سؤالان متلازمان: هل تستطيع الحكومة أن تبتكر مخارج وسطية تعفيها من دفع كلفة أيّ من الحربين، الأهليّة أو مع إسرائيل؟ وأيّ من هذين السيناريوهين أكثر قابلية للتحقق في اللحظة الراهنة، في ضوء توازنات الداخل ومعادلات الإقليم؟
الحرب الأهلية... ذريعة
في محاولة لقراءة الاحتمالات سألت «الراي» الباحث والمحلل السياسي الدكتور سامي نادر عن مقاربته لما يجري، فقال «ان من الخطورة بمكان الاستمرار في التهويل بالحرب الأهلية كذريعة لتعطيل تنفيذ الدستور، فهذا النهج لا يمنع الانفجار بل يدفع نحو حرب محتّمة من نوع آخر، هي الحرب الإسرائيلية على لبنان».
وفي تقدير نادر أنه «تحت ذريعة تجنب الوقوع بحرب أهلية يكون لبنان حتماً في طريقه الى حرب إسرائيلية حتمية تشن عليه من هنا تقف الحكومة اليوم أمام لحظة حقيقية ومسؤولية تاريخية تتطلب موقفاً. حاسماً، يستدعي تحميل جميع الأطراف مسؤولياتها الوطنية».
ويضيف «أن تنفيذ القانون ليس أبداً حرباً أهلية ومن يمتنع عن الامتثال للقانون والدستور وقرارات الحكومة عليه أن يتحمّل مسؤولياته».
ويرى «انه أمام تحد مصيري كهذا على رئيسي الجمهورية والحكومة، كما على الحكومة مصارحة الشعب اللبناني بالحقيقة بطريقة حاسمة وعدم التراجع أمام الترهيب أو الابتزاز السياسي، بل اللجوء إلى طلب الدعم الدولي إذا لزم الأمر لتنفيذ قراراتها. اليوم من يتمرد على الشرعية ويرفض الامتثال لقرارات الدولة يضع نفسه خارج الشرعية والدستور والميثاق الوطني. وتطبيق القانون والدستور لا يُعد حرباً أهلية، بل واجباً سيادياً.
ويُحذر من «أن أي تراجع من قبل الحكومة يعني أنها تعطي الذريعة لكل مكون في لبنان أن يحمل السلاح. والى جانب مسؤوليتها في تطبيق الدستور ثمة مسؤوليات تتحملها تجاه الأخطار الإقليمية الداهمة، فإن لم تتمكن من بسط سيادتها على كامل أراضيها فهي تمنح إسرائيل ذريعة للتدخل عسكرياً بحجة نزع تهديد حزب الله بالقوة وتالياً وتحت ذريعة الهروب من حرب أهلية ستدخل في حرب حقيقية أو بالإحرى ستتلقى نيران إسرائيل وترزح تحت عبء حرب ستنتهي بلا شك بشروط إسرائيلية».
وقال «إذا لم تستطع الدولة اللبنانية تطبيق الورقة الأميركية المعدلة بشروط لبنانية فهي ذاهبة حتماً نحو تسوية بشروط إسرائيلية تشمل منطقة أمنية عازلة خالية من السكان على طول الحدود ما سيرتب أثماناً باهظة يدفعها أولاً سكان الجنوب».
غراهام... السيئ
أما الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حارث سليمان فقال لـ«الراي»، انه «لا يرى أن الحكومة أمام مأزق المفاضلة بين حرب أهلية وحرب إسرائيلية» فهي قد أقرت حصرية السلاح وكان الحديث يتمحور حول الآليات العملية لتنفيذ هذا القرار، معتبراً ان «القرار السياسي اتخذ وخطة الجيش هي خطة تقنية لتنفيذ القرار». وقال: «كان من المنتظر وفق الورقة الأميركية مبادرة من إسرائيل والتزام منها بالانسحاب في شكل تدريجي لكنها لم تقدم شيئاً، الإميركيون بداية أثنوا على الجهود التي قامت بها الحكومة اللبنانية لكن ما قاله ليندسي غراهام في زيارته الأخيرة كان أمراً سيئاً جداً وهدد بالخطة ب التي تقوم على نزع السلاح بالقوة في حال فشلت الجهود السلمية وتبنى تالياً موقف نتنياهو القائل بأن إسرائيل يمكن أن تبدأ بالانسحاب من النقاط الخمس بمجرد نزع سلاح حزب الله. وبدا واضحاً من كلامه أنه يفرض على لبنان العمل من جانبه فقط دون السعي لتطبيق ما التزمت به إسرائيل. فالحكومة اللبنانية لا يمكنها الكلام عن حصر سلاح«حزب الله» دون الحديث عن الاحتلال الإسرائيلي فالمشكلتان متشابكتان ولا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى. لكن للأسف ان الأميركيين لم يقبلوا بربط الشرطين. يريدون للبنان أن ينزع سلاح «حزب الله» وأن يبقى الاحتلال الإسرائيلي لأرضه.
كأنه تواطؤ إيراني - إسرائيلي
وأضاف «من جهته، حزب الله وبعد أن كان مأزوماً سابقاً، ارتاح بعد الرد الإسرائيلي السلبي، فلو استجابت إسرائيل وانسحبت لكان عليه أن يطبق قرار الحكومة اللبنانية لكن تعنت تل ابيب أبقى له على ذريعة عدم تسليم سلاحه»، لافتاً إلى ان «إسرائيل لا تنتظر جلسة الحكومة اليوم حتى تقوم بحرب، واعتداءاتها ليست مرتبطة لا بقرار الحكومة ولا بخطة الجيش».
واشار إلى انه «للأسف يتأكد اليوم وجود تقاطع مصالح على دوام لاستخدام لبنان كساحة من الإيراني والإسرائيلي. فالإيراني أعلن أكثر من مرة أن حزب الله خط أحمر ووسيلة ضرورية للمقاومة ضد إسرائيل أما الدور الأميركي فمتطابق الى حد كبير مع تطلعات إسرائيل وقد تم العمل على تلغيم ورقة الموفد الأميركي توماس برّاك والانقلاب عليها وعلى المسار الدبلوماسي، وهو ما تبين من خلال كلام غراهام. ففيما تسعى الدولة اللبنانية لبناء نفسها والقيام بما هو مطلوب منها ثمة سعي في المقابل لعرقلة مسارها». وتوقع «حركة دبلوماسية مستجدة مع عودة موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان للبنان والتي قد تساهم في تحريك الوضع المأزوم».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|