جدران اليونيفيل تسقط أمام إسرائيل: من يحميها لتحمي لبنان؟
في جنوب لبنان، حيث يتقاطع الأمن بالسياسة والسيادة بالمعادلات الإقليمية، تقف قوة "اليونيفيل" (قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان) شاهدة على هشاشة الدور الدولي أمام السطوة الإسرائيلية. فمنذ تأسيسها في العام 1978، وتوسيع مهامها بعد عدوان تموز 2006 بموجب القرار 1701، لم تستطع هذه القوة أن تتجاوز كونها حائطاً معنوياً هشاً في وجه خروقات متكررة، تُمارسها إسرائيل بوقاحة وبتواطؤ ضمني من النظام الدولي نفسه الذي فوّض هذه القوة حماية الاستقرار في الجنوب اللبناني. ولكن، رغم أن مهام "اليونيفيل" تنص بوضوح على حق الدفاع عن النفس واستخدام القوة "حينما تقتضي الضرورة"، إلا أن الواقع الميداني يظهر أن الجنود الدوليين غير قادرين حتى على حماية انفسهم من الاستهداف الإسرائيلي المتكرر. من مجزرة قانا عام 1996، حيث سقط أكثر من مئة مدني لبناني في مقر لليونيفيل، إلى حرب تموز 2006 التي لم تحمِ فيها هذه القوة مقراتها ولا المدنيين المحيطين بها، وصولاً إلى الحرب الاخيرة وما تخللها من اعتداءات مباشرة واستهداف لمقار هذه القوة الدولية وحتى الاعتداءات الأخيرة في اليومين الماضيين، كان الرد الدولي "المزلزل" يتمثل ببيانات "قلق" ومواقف تدعو للتهدئة، وتحث الاسرائيليين على عدم تعرض حياة الجنود للخطر!.
كيف يمكن لقوة تدّعي المساهمة في حماية لبنان أن تعجز عن حماية عناصرها؟ وكيف يمكن لمكوّن عسكري دولي أن يكتفي بالمراقبة الصامتة، وهو يملك التفويض القانوني لاستخدام القوة، لكن تنقصه الإرادة السياسية أو القرار الفعلي للتحرك؟ حتى المبعوث الأميركي توم براك، وجّه صفعة مباشرة لهذه القوة، حين قال بوضوح إن "اليونيفيل" لم تؤدِّ دوراً فعلياً في جنوب لبنان منذ أكثر من 25 عاماً، مضيفاً أن اللبنانيين دفعوا مبالغ طائلة لبقائها من دون فائدة ملموسة، داعياً إلى تحويل هذه الأموال الى دعم الجيش اللبناني. ورغم منطقية هذا الطرح من الناحية النظرية، إلا أن الواقع يكشف مفارقة عميقة: فالدول نفسها التي تطالب بدعم الجيش، تمنع عنه حصوله على أسلحة نوعية، لا سيما في مجال الدفاع الجوي. فكيف يُطلب من الجيش أن يحلّ محل قوة دولية، بينما يُمنع من امتلاك أدوات الدفاع الأساسية لحماية الأجواء والسيادة الوطنية؟ الا اذا كان المطلوب منه لعب الدور نفسه، اي تحمّل الاعتداءات والاكتفاء بالرد عبر الاعراب عن القلق والدعوة الى التهدئة... ومن يراقب تموضع "اليونيفيل" على الأرض، يُدرك أنها باتت أقرب إلى "قوة مراقبة" منها إلى قوة فصل، وأكثر قرباً لكونها منظمة غير حكومية من ان تكون كتيبة عسكرية قادرة على التدخل. وجودها "شرفي" لا أكثر، وربما هذا ما جعلها تتحول إلى مجرد شاهد أخرس على الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، من الخروقات الجوية إلى الغارات الحدودية.
ولكن، لماذا يصرّ لبنان كل عام على التمديد لهذه القوة؟ الجواب واضح وهو انه في غياب الجيش على الحدود، لا يمكن انهاء مهام "اليونيفيل" لان البديل سيكون اما تولّي اسرائيل التواجد مكان هذه القوات، او اعتبار المناطق التي تتواجد فيها بمثابة "ارض غير مأهولة"، ناهيك عن القيمة المعنوية التي لا يمكن إنكارها. فهذه القوة تجسد، ولو رمزياً، التزام المجتمع الدولي بالوجود في منطقة مشتعلة، وتحمل توقيع مجلس الأمن وراية الأمم المتحدة، وتجمع جنوداً من عشرات الدول. هذا الحضور الأممي قد يشكل عامل ردع نفسي، أو على الأقل حاجزاً دبلوماسياً أمام انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة، ولو انها لا تنسحب على الوضع العسكري.
إن الإشكالية الأساسية في وجود "اليونيفيل" بعد التمديد لها لعام واحد اخير، لا تتعلق بعدم شرعية وجودها، بل بعدم جدواه. فهي غير قادرة على منع الاعتداءات، ولا على معاقبة المعتدين، ولا حتى على حماية نفسها. وبغياب الرغبة الدولية في تفعيل مهامها أو الضغط على إسرائيل للالتزام بالقرارات الأممية، تظل هذه القوة مجرّد ستار رمزي يخفي خلفه عجزاً دولياً فاضحاً، ومفارقة فاقعة: جيش لبناني ممنوع من التسليح، وقوة دولية ممنوعة من الفعل.
ليست المشكلة في وجود "اليونيفيل"، بل في المعايير العتمدة التي تجعلها تقف خلف جدران نخرتها اسرائيل، وتخلّي الدول عن حماية جنودها قبل حماية لبنان، لنتحول الى مقولة: قوة "الينويفيل" في تعدّدها وليس في قوتها.
طوني خوري -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|