قانون الانتخابات.. "هبّة باردة وهبّة ساخنة" والاستحقاق في مهبّ الانتظار
في مشهد سياسي مأزوم لا تغيب عنه رياح التجاذب ولا تهدأ فيه العواصف الإقليمية، يبقى قانون الانتخابات النيابية في لبنان أشبه بـ«هبّة باردة وهبّة ساخنة»، يُستحضر حيناً عند الحاجة، ويُركن جانباً حين تتبدّد المصلحة. وبين هذه الهبّات المتناقضة، يبقى الاستحقاق النيابي المقبل معلقاً على خيوط واهنة من التفاهمات الهشّة، وسط شكوك متزايدة حول إمكانية إجرائه في موعده، أو حتى وفق قانون عادل.
لطالما شكّل قانون الانتخابات في لبنان انعكاساً دقيقاً لموازين القوى الطائفية والسياسية، أكثر مما عبّر عن طموحات الناس أو مبادئ التمثيل العادل. فمنذ اعتماد النسبية عام 2018، بقي القانون موضع أخذ وردّ، وسط دعوات لإصلاحه، لا سيما لجهة تقسيم الدوائر، الصوت التفضيلي، ودور المال السياسي والاعلام الانتخابي.
لكنّ كل هذه المطالب اصطدمت بجدار المصلحة السياسية الضيقة. فكل فريق ينظر إلى القانون الانتخابي من منظار ما يضمن له أكبر عدد ممكن من المقاعد، لا من باب تعزيز الشفافية أو إفساح المجال أمام تمثيل حقيقي لقوى التغيير والمجتمع المدني.
فالانتخابات النيابية المقبلة، والمفترض إجراؤها في العام 2026، تبدو حتى اللحظة أقرب إلى استحقاق على الورق منها إلى محطة ديمقراطية فعلية قابلة للتحقق. فالدولة الغارقة في أزمتها الاقتصادية، والعاجزة عن إنجاز إصلاحات أساسية، تواجه تحدّيات جمّة قد تُستخدم كذرائع لتأجيل الانتخابات، إن لم يكن لتطييرها.
فالتمويل اللوجستي غير متوفّر، والهيئة المستقلة المفترضة لإدارة الانتخابات ما زالت غير مفعّلة، ومجلس النواب القائم لا يبدو مستعجلاً لتعديل القانون أو معالجة الثغرات الجوهرية فيه. أكثر من ذلك، تُثار همسات داخلية وخارجية عن إمكانية إجراء انتخابات على أساس قانون جديد يُفصّل على مقاس تفاهمات إقليمية مرتقبة، تُبرم في لحظة تسويات شاملة.
أما على الأرض، لا تبدو القوى السياسية التقليدية قلقة من الاستحقاق النيابي. فهي واثقة من إمساكها بناصية اللعبة، سواء عبر القانون القائم أو أي صيغة معدّلة. أما قوى المعارضة والمجتمع المدني، فتقف أمام معضلتين: غياب الوحدة التنظيمية من جهة، والتضييق القانوني والإعلامي من جهة أخرى.
ففي انتخابات 2022، رغم دخول عدد من النواب التغييريين إلى البرلمان، إلّا أن التجربة أظهرت هشاشة البنية المعارضة، وعجزها عن التأثير الفعلي في مسار التشريع أو القرار السياسي. وهو ما زاد من تفشي الإحباط الشعبي، ورفع منسوب العزوف السياسي، في ظل أزمات معيشية خانقة.
ولذلك ان أي حديثا عن تعديل قانون الانتخابات، لا يُقابل بترحيب شعبي ما لم يكن نابعاً من مسار إصلاحي واضح المعالم، يهدف إلى تعزيز التمثيل النسبي الحقيقي، وتكريس العدالة السياسية والمناطقية، وفتح المجال أمام قوى جديدة تدخل المعترك النيابي.
لكن، في المقابل، كل المؤشرات توحي بأن أي تعديلا محتملا سيُدار بنفس العقلية القديمة: محاصصة طائفية، توازنات هشّة، وتسويات ظرفية. فالهبّة «الساخنة» التي قد تدفع القوى السياسية نحو القانون الانتخابي، لن تأتي بدافع التغيير، بل تحت ضغط الخارج أو لتثبيت مكاسب في الداخل.
وربما أكثر ما يثير القلق أن المواطن اللبناني بات شبه مغيّب عن هذا النقاش. فالنقاشات حول القانون تُدار بين الكواليس، بعيداً عن الرأي العام، ولا تنبع من حوار وطني جامع. وفي ظل غياب الثقة بالمؤسسات، تتضاءل قدرة الناس على التأثير في مسار العملية الانتخابية، ما يزيد من التهميش السياسي والتفكك الاجتماعي.
أمام هذا المشهد السياسي المبعثر فإن الانتخابات النيابية المقبلة ليست فقط محطة ديمقراطية، بل اختبار لمصداقية الدولة تجاه شعبها والعالم. فهل تسير نحو تنظيم انتخابات شفافة وعادلة، تعيد بعضاً من الثقة المفقودة؟ أم أن «الهبّة الباردة» ستغلب مجدّداً، وتطغى على أي أمل بالتغيير؟
حتى اللحظة، لا جواب حاسم. وحده الوقت - وربما التوازن الإقليمي - سيحددان مصير الاستحقاق المنتظر، بينما يبقى المواطن اللبناني رهينة الانتظار، في وطن اعتاد أن يراوح في المكان.
حسين زلغوط -اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|