تعليقا على ما حصل في بعبدا.. الموسوي: لم نفاجأ أبدًا بمنطق السفاهة والاستعلاء الأميركي
"ممر داوود".. خفايا المشروع الإسرائيلي الذي يهدد بقلب "موازين المنطقة"
وصف تقرير لوكالة "سبيشال يوراسيا" المتخصصة في الأبحاث الجيوسياسية مشروع "ممر داوود" الإسرائيلي بأنه مبادرة استراتيجية "جريئة" تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المشرق.
وقال إن المشروع يسعى إلى ترسيخ النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وهو ما يحمل تداعيات عميقة على أمن واستقرار غرب آسيا.
وبحسب التقرير، يمتد هذا الممر من هضبة الجولان المحتلة مروراً بالمناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق، لكنه ليس مجرد مسار جغرافي، بل هو أداة جيوسياسية واقتصادية وديموغرافية لتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي.
ورغم أن السلطات الإسرائيلية لم تعلن رسمياً عن المشروع، إلا أن تحركاتها الميدانية تعكس خطوات عملية نحو تحقيق هذه الرؤية.
ويأتي ممر داوود ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع، تكمّل ممر نتساريم في غزة وممر فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر. كما ينطلق من الجولان المحتل، ويمر عبر محافظات جنوب سوريا مثل القنيطرة ودرعا والسويداء، ويتوغل في مناطق استراتيجية كالتنف ودير الزور، وصولاً إلى إقليم كردستان العراق.
الأهداف الاستراتيجية
تتمحور الأهداف الاستراتيجية لمشروع ممر داوود حول أربعة أبعاد متداخلة. فعلى الصعيد الأمني، يسعى المشروع إلى قطع خطوط الإمداد البرية الإيرانية المتجهة إلى حزب الله في لبنان، وهو ما من شأنه تقليص نفوذ طهران في جنوب لبنان وسوريا.
وتؤكد الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على البنية التحتية العسكرية السورية، التي تصاعدت وتيرتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، لا سيما في محافظة السويداء، هذا التوجه الأمني الواضح.
أما على المستوى الاقتصادي، فيهدف المشروع إلى بسط السيطرة على الموارد المائية والزراعية الحيوية في نهري دجلة والفرات.
وتبرز مناطق مثل دير الزور، المعروفة بخصوبة أراضيها وإنتاجها الوفير للقمح، كركيزة أساسية في مساعي تحويل سوريا إلى مركز زراعي وتجاري يخضع للنفوذ الإسرائيلي، في انسجام مع مشاريع إقليمية ضخمة مثل الممر الاقتصادي الهندي–الشرق أوسطي–الأوروبي (IMEC).
وعلى الصعيدين السياسي والديموغرافي، يسعى الممر إلى تفتيت سوريا إلى مناطق حكم ذاتي قائمة على أسس عرقية وطائفية، مع دعم الطوائف الدرزية والمجتمعات الكردية، الأمر الذي يضعف السلطة المركزية في دمشق ويتيح لإسرائيل تنفيذ هندسة ديموغرافية تخدم مصالحها الاستراتيجية طويلة الأمد.
الأمن الإقليمي
يشكل ممر داوود تهديداً مباشراً لوحدة أراضي كلٍّ من سوريا والعراق وإيران، إذ إن السعي لإقامة مناطق حكم ذاتي للطوائف الدرزية والمجتمعات الكردية في سوريا يضعف سلطة الدولة المركزية ويزيد من حدة التوترات الطائفية والعرقية.
هذا السيناريو لا يقتصر أثره على سوريا فحسب، بل يفتح الباب أمام حركات انفصالية مشابهة في العراق وإيران، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، ما ينذر بمخاطر أمنية ممتدة وطويلة الأمد.
إلى جانب ذلك، تمثل السيطرة على الموارد الحيوية أحد الأركان الرئيسية للمشروع. فإسرائيل تخطط لمد خطوط أنابيب من نهري دجلة والفرات لتأمين إمدادات مائية دائمة للمناطق الخاضعة لنفوذها وحلفائها، في حين تُقَلَّص حصة سوريا والأردن من هذه الموارد، ولا سيما في منطقتي حوض اليرموك وسهل حوران.
كما أن السيطرة على مناطق إنتاج القمح في دير الزور والرقة تهدد الأمن الغذائي السوري وتزيد من اعتماد البلاد على الإمدادات الخارجية، ما يعمق الأزمات الإنسانية ويجعل المجتمعات المحلية أكثر هشاشة أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية.
أما على صعيد العلاقات الإقليمية، فقد أدى الدعم الإسرائيلي للأكراد في شمال شرق سوريا إلى تصعيد التوتر مع أنقرة، التي ترى في أي مسعى لتعزيز استقلال الأكراد تهديداً وجودياً لأمنها القومي.
كما أن الممر يعرقل طرق التجارة الحيوية التي تربط تركيا بدول الخليج، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على أنقرة.
وقد وجّه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اتهامات مباشرة لإسرائيل بالسعي إلى تفتيت سوريا، محذراً من احتمال تدخل عسكري تركي لحماية المصالح الوطنية.
ورغم أنه لم يذكر الممر بالاسم، فإن المشروع بات يمثل نقطة خلاف متصاعدة بين أنقرة وتل أبيب، مع مؤشرات على إمكانية تحوله إلى مواجهة مباشرة إذا ما استمرت التوترات في التصاعد.
وعلى مستوى الصراع الإقليمي، يسهم الممر في إضعاف القدرات اللوجستية والعسكرية لحزب الله عبر قطع الإمدادات البرية الإيرانية المتجهة إلى لبنان، وهو ما يعزز من موقع إسرائيل العسكري في الجنوب اللبناني ويرفع احتمالات اندلاع مواجهات جديدة.
تحديات التنفيذ
رغم طموحاته الكبيرة، يواجه مشروع ممر داوود سلسلة من العقبات المعقدة التي تعرقل تنفيذه بالصورة التي تخطط لها إسرائيل.
على الصعيد الإقليمي، تصطدم تل أبيب بموقف معارض حاد من إيران وتركيا وروسيا، حيث تستخدم هذه الدول أدوات مختلفة لمواجهة المشروع، بدءاً من الدعم العسكري لوكلائها المحليين، وصولاً إلى الضغط الدبلوماسي المكثف في المحافل الدولية.
ولا يقتصر الأمر على القوى الإقليمية فحسب، إذ تعيق المقاومة المحلية في مناطق مثل السويداء ودرعا التقدم الإسرائيلي، حيث يرفض السكان المحليون أي تدخل يهدد نسيجهم الاجتماعي أو يعبث بهويتهم الوطنية.
أما من الناحية المالية والعسكرية، فإن المشروع يتطلب استثمارات هائلة وقدرات لوجستية وعسكرية ضخمة في وقت تعاني فيه القوات الإسرائيلية من تشتيت كبير للموارد بفعل انخراطها في جبهات متعددة، من اليمن إلى غزة مروراً بالضفة الغربية وجنوب سوريا.
هذا التوزع الميداني يضعف قدرة تل أبيب على تخصيص ما يكفي من الإمكانات لمتابعة تنفيذ المشروع بوتيرة ثابتة.
وتبقى التعقيدات العرقية والطائفية من أبرز التحديات التي تعيق تنفيذ الممر. فالمجتمع السوري يتميز بتنوعه الديموغرافي المعقد، لا سيما في مناطق مثل السويداء ودير الزور، ما يجعل من الصعب على إسرائيل ضمان دعم محلي مستدام.
آفاق مستقبلية
يشكل مشروع ممر داوود مغامرة محفوفة بالمخاطر في بيئة جيوسياسية شديدة التعقيد. فمن خلال السعي إلى السيطرة على الموارد الحيوية، وتفتيت الدول الإقليمية، يهدد المشروع بإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
ورغم الدعم الأمريكي، تواجه الخطة مقاومة شرسة ومعضلات سياسية واقتصادية وعسكرية تجعل من تحقيقها أمراً مشكوكاً فيه.
ويرى العديد من المحللين أن غياب الاعتراف الرسمي وخطط التنفيذ التفصيلية يعزز الاعتقاد بأن المشروع قد يكون مجرد رؤية غير واقعية لإسرائيل الكبرى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|