بنيامين نتنياهو على أكتافنا
لو تخلينا، لهنيهة، عن ثقافة "هالكم أرزة العاجقين الكون"، وحاولنا العثور على موطئ قدم لنا وسط هذا الزلزال الذي يضرب المنطقة من أدناها الى أقصاها. ذاك التركيز اللامنطقي على الخطر الايراني، والمبرمج عربياً وسرائيلياً، يعكس مدى تبعيتنا العمياء للولايات المتحدة التي قد تبيعنا، في أي لحظة، ان لأحمد الشرع أو لبنيامين نتنياهو، أو للاثنين معاً. متى لم نضع بلدنا في المزاد العلني، ومتى لم نكن الدمى بين أيدي القناصل ؟
للمرة الألف، لسنا لا مع الخط الايديولوجي، ولا مع الخط الاستراتيجي، لآيات الله، ولطالما حذرنا من اللعب الجيوسياسي في لبنان، أو في أي بلد عربي آخر، لأن المنطقة، بكل عروشها، وبكل مصائبها، تدور داخل الحرملك الأميركي. ما حدث خلال الربع الأخير من العام المنصرم أكد ذلك، ليكون الانكفاء الايراني، وخلال ساعات لا خلال أيام، وان كانت الصيحات اياها لا تزال على عشوائيتها.
ايران لم تعد تشكل، في اي حال، الخطر على لبنان. كفانا ضحك على الناس ما دام هناك بيننا من يبيع روحه للشيطان، لكأن ما يفعله دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، لا يتعدى، بالكثير الكثير، ما يفعله الشيطان. سيناريو ترحيل الفلسطينيين من غزة، والضفة، وربما من الجليل ومن داخل الخط الأخضر، يقترب من الحلقة الأخيرة. في مصر، وفي الأردن، الهلع الكبير مما تحمله الأيام المقبلة، وهي ايام الزلزال ..
ولكن هل أن الطريق، لتحقيق ذلك، مفروشة بالورود ؟ لنقرأ ما يكتبه، وما يقوله، المحللون الانكليز الكبار، الأكثر خبرة بالتفاعلات الجيولوجية، والتفاعلات الايديولوجية، وحتى بالتفاعلات التاريخية، في المنطقة. يسخرون من الأميركيين والاسرائيليين، حين يعملون ليس فقط لتغيير مسار الشرق الأوسط، وانما لتغيرر البنية الفلسفية، وحتى البنية اللاهوتية، للشرق الأوسط، بين ليلة وضحاها. هذه مسألة بالغة التعقيد. الديبلوماسي الأميركي آرون ميللر، يسأل "الى أين ماضون في لعبة الوحول ...؟" .
فلاسفة، ومؤرخون، يهود يحذرون من أن تكون غزة، وهي القنبلة التي توجس منها دافيد بن غوريون، قد انفجرت داخل اسرائيل. وهم يتساءلون "الى أين يقودنا دونالد ترامب حين يضخ كل تلك النيران في رأس بنيامين نتنياهو ؟". حتى إنهم في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهي دول لطالما اعتبرت أن وجود اسرائيل في المنطقة يعني وجود الغرب فيها، يتوقفون عند قول سارة نتنياهو اذا ما أسقطت المعارضة زوجها " لقد حزمنا حقائبنا لنرحل، ولتحترق اسرائيل". في الصحف الأوروبية "بقاؤه على كتف دونالد ترامب هو الذي يحرق اسرائيل".
أكثر من ذلك. الانكليزي ديفيد هيرست يحذر من أن زعيم الليكود على وشك أن يحرق الشرق الأوسط، بعدما بدأ يشعر أن الخروج من المأزق الذي يتمثل بمواقف الدول الأوروبية منه، يقتضي شن عملية عسكرية مدوية ضد ايران، وبضوء أخضر أميركي. لكن ما ينشر في تلك الصحف اياها يشير الى أن الايرانيين الذين تمكنوا من معالجة الخروقات الهائلة التي أحدثتها الاستخبارات الاسرائيلية، والأميركية، في بلادهم (تصوروا أن عدد المشتبه فيهم اثناء الحرب 21000 شخص) يشعرون بأن عليهم خوض معركة البقاء واللابقاء. لذا لا بد من مواجهة الجنون الأميركي، والجنون الاسرائيلي، بالجنون الايراني...
ما يستشف من الأوساط الديبلوماسية الأوروبية أن الحرب الايرانية ـ الاسرائيلية اذا ما انفجرت لن تنحصر مفاعيلها على الجانبين، خصوصاً في ظل التراكمات التي تشكلت بعد الانكفاء الجيوسياسي الايراني والتي أظهرت وجود قوس استراتيجي يراهن ليس فقط على تقويض النظام في ايران، بل وعلى تقويض الدولة، دون أن ندري مدى دقة المعلومات التي تشير الى أن الروس والصينيين باتوا يشعرون بأن ثمة أهدافاً بعيدة المدى لضرب ايران، وعلى مستوى الأمن الاستراتيجي لموسكو وبكين، فهل من واقع عسكري مختلف يمكن أن ينشأ في هذه الحال ؟ لقاء آلاسكا بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين قد يؤدي الى بروز وقائع جديدة، وربما وقائع صارخة، على الأرض، لتكون حرب المئة عام ...
ولكن أليس لافتاً أن بعض المعلقين الأتراك بدؤوا يطرحون اسئلة من قبيل "وماذا في رأس نتنياهو حول تركيا؟" التي يلحظ المشروع التوراتي اقتطاع جزء من أراضيها، بل وحتى الحيلولة دون وجود دولة قوية عسكرياً في المنطقة، اذا ما أخذنا بالاعتبار الحجم الديموغرافي لتركيا، وموقعها الجغرافي الفائق الأهمية بالنسبة الى سائر دول المحيط الأوروبي والآسيوي .
جمهوريتنا الضائعة داخل هذه الأوضاع الاقليمية المتشابكة. تصوروا أن البعض اعتبر أن زيارة علي لاريجاني لبيروت كسر للميثاقية التي قضى بها دستور الطائف، كما لو أن الميثاقية التي كانت الصولجان في يد رجل مثل شارل ديغول، لدى اطلاقه الجمهورية الخامسة، لم تكن تتتعلق، وكما كتب موريس دوفرجيه، بروح الأمة لا بأمزجة أساقفة الطوائف، على اختلاف ولاءاتهم في بلادنا.
في احدى مسرحيات كاتب اللامعقول صمويل بيكيت عبارة "رقصة العناكب على الزجاج". ماذا نفعل الآن سوى أن نؤدي رقصة العناكب على الزجاج، لنكون اليوم ـ اليوم بالذات ـ أمام هذه المعادلة "ايران عدوتنا ... اسرائيل حليفتنا". هناك بيننا من أعدّ العدة لكي يحمل بنيامين نتنياهو على كتفيه. انه ... على أكتافنا !!
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|