الصحافة

فلسطينيّو لبنان: غزة تقتلنا مرّتين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا




 

مشاهد الموت في قطاع غزة، تترك أبناء المخيّمات في لبنان فريسة القهر، يعتصرهم الحزن ويكبّلهم اللجوء، فيشعرون أنّ حصار غزة يمتدّ إلى أرواحهم وصمتهم وعجزهم، طالما أنهم يعيشون قناعة راسخة بأنهم شعب واحد في الداخل والخارج.

في سوق الخضار داخل مخيّم عين الحلوة، يقف اللاجئ أحمد كنعان أمام محلّه يحدّق في صناديق البندورة الحمراء المتراصّة، يستذكر دماء الشهداء، ثم يمسح دمعته سريعًا بكفّه قبل أن يراه أحد. يلتفت يمنة ويسرة، كأنه يبحث عن تبرير لدمعة خانته، أو عن وجه واحد لا يحمل الحزن.

وبصوت خافت، كأنما يخشى أن ينكسر أكثر، يقول لـ"نداء الوطن": "غزة تقتلنا مرتين، مرّة حين يموت أطفالها من الجوع، ومرّة حين نعجز عن فعل شيء لنصرتهم، فنبكي بصمت، ونموت حسرة بصمت".

في المخيّم الذي يُعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، وحيث الجدران مائلة من الهمّ، يعيش أبناؤه الحياة على هامش الانتظار، باتت أخبار غزة تشبه أخبار العائلة الغائبة التي لم تصلها رسالة منذ زمن. مشاهد القصف، ركام البيوت، ودموع الأمّهات المنهكات، تدخل كلّ بيت هنا دون استئذان، وتترك غصّة لا تزول.

يقول أحمد سرية، وهو شابّ نشأ بين أزقة المخيّم وعاش عمره على وعد العودة: "نشعر أنّ الموت في غزة يتسرّب إلينا من تحت الأبواب، من شاشات التلفزة، من صمت العالم. كلّ لقطة نشاهدها على الأخبار، تسرق منا جزءًا من أرواحنا".
ويضيف بأسى: "لا نملك سوى الدعاء، وتلك اللافتات التي نرفعها في المسيرات ووقفات الاحتجاج، لكننا نعلم أنّ أطفال غزة لا يأكلون من اللافتات، وأنّ الدعاء لا يكفي حين تنام الأمهات وأكبادهن خاوية".

داخل سوق الخُضَر، يبدو كلّ شيء هادئًا وكأنه حزين، يراقب بل ينتظر التوصّل إلى إعلان وقف إطلاق النار، بعدما تهرّبت إسرائيل أكثر من مرة وتحت ذرائع مختلفة، يحدّق محمد أصلان في صورة معلّقة على الجدار لطفلة غزّاوية تلفظ أنفاسها الأخيرة بين الركام، ويقول: "غزة تموت جوعًا ونحن نحترق معها، لكن من بعيد، من على أرصفة اللجوء. حتى حزننا أصبح مقيّدًا، عاجزًا، يُمنع من العبور إلى هناك".

إغاثة ورسالة

على مرّ الأسابيع الماضية، نظّم نشطاء فلسطينيون في المخيم ومنطقة سيروب المجاورة حملة إغاثية تحت عنوان "سهم صمود من مخيم عين الحلوة إلى غزة"، بهدف جمع تبرّعات مالية لتأمين "اللقمة" العاجلة لأبناء غزة المنكوبين.

الحملة شملت جميع أحياء المخيّم دون تمييز، وبمشاركة فصائل فلسطينية، ما أضفى على الحملة طابعًا وحدويًا وأكسبها صدًى كبيرًا بلغ ذروته مع الإعلان عنها من على منابر خطب الجمعة، ويقول أحد الناشطين فيها، إبراهيم الحاج: "إن الحملة ليست مجرد عنوان إغاثي على أهميته في هذا التوقيت، مع اشتداد الحصار والموت جوعًا، وإنما تعبير عن الترابط العميق بين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وأهلهم في غزة".
ويضيف: "إن فكرة الحملة انطلقت من قناعة راسخة بأنهم، وإن حُرموا من المساهمة المباشرة في المقاومة، فإن بإمكانهم دعم صمود غزة ماديًا ومعنويًا". ويضيف: "نحن جزء من هذه المعركة، والتبرع المالي هو أقلّ ما يمكن أن نقدمه".

في المخيّمات، لا فرق كبيرًا، سوى أنّ الحصار هناك مرئي، وهنا متخفٍ خلف سياسة الإهمال. أبناء المخيّمات لا ينسون أنّ غزة هي نبض فلسطين، وأنّ كل طلقة تُطلق عليها تصيبهم في الصميم. فاللاجئ الذي وُلد في عين الحلوة أو البداوي أو شاتيلا، يرى في غزة صورة الوطن الذي صمد، ويحمل عنادها كأنها آخر ما تبقّى من كرامة اللجوء. غزة تقتلهم مرتين: مرّة حين تصرخ تحت الحصار ولا مجيب، ومرّة حين تصمت المخيّمات خجلًا من عجزها.

محمد دهشة
نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا