قانون "إسترداد الودائع" على النار... تقليص الفجوة إلى 50 مليار يعيد التوازن المالي

ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
تحثّ الولايات المتحدة الأميركية المسؤولين اللبنانيين على إقرار قانون إسترداد الودائع قريبا، وهذا ما ناقشه المبعوث الاميركي توم براك في زيارته الأخيرة، مع المسؤولين اللبنانيين (وزير المال وحاكم مصرف لبنان)، خصوصا أن المجلس النيابي يتهيأ لإقرار قانون إصلاح المصارف. الهدف ليس فقط مساعدة لبنان على الخروج من أزمته المالية، بل لأن الضغط الأميركي على حزب الله لا يقتصر على تسليم سلاحه فقط، بل على خنقه ماليا من خلال سد كل الثغرات التي تمكّنه من تمويل نشاطاته. لأنه لا يمكن تطويق الحزب ماليا من دون عودة الإنتظام للقطاع المصرفي، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون إيجاد حل لملف الودائع.
في المبدأ وبغض النظر عن أهداف الولايات المتحدة من الدفع لإقرار القوانين المالية في لبنان، فإن قضية إعادة الودائع لأصحابها هي قضية محقة ومن الضروري إيجاد حل لها، بعد 6 سنوات من المماطلة والتسويف من قبل السلطة السياسية والمصرفية. ويبدو أن حكومة الرئيس نواف سلام ستنكّب في الفترة المقبلة، بالتعاون مع مصرف لبنان، على وضع مشروع قانون لإسترداد الودائع، تمهيدا لتقديمه إلى مجلس النواب لدرسه وإقراره. وليس من المبالغة القول أن هذا الملف غيّر وجه لبنان لما له من مفاعيل، سياسية وقانونية وإجتماعية ومصرفية وإنتخابية ظهر أثرها على كل تكوينات الشعب اللبناني، ولذلك يمكن فهم وتفسير كثرة الطروحات حوله منذ بداية الأزمة، ناهيك عن تعدد التسميات للقوانين التي صدرت أو ستصدر لمعالجته، (قانون الفجوة المالية/قانون إسترداد الودائع/ قانون إعادة التوازن المالي)....
قانونين في المجلس و إقتراح!
للتذكير هناك قانونين في مجلس النواب لمعالجة هذا الملف، الأول تقدمت به نقابة المحامين في بيروت عام 2023، من خلال إعدادها إقتراح قانون قدمه أحد النواب التغييريين، يتضمن مقاربة جديدة لضمان الودائع بشكل تتفاوت درجات الحماية بشأنها وفق وضعيتها وقيمتها وهوية صاحبها والهدف منها. وبحسب الخبراء يُسجل لإقتراح النقابة تميّزه في أمور عدّة، أبرزُها تجريد فئاتٍ من المُودعين من إمكانيّة المطالبة بودائعِهم بالنظر إلى عدم مشروعيّتها، أو أيضا تحميل فئات أخْرى جزءاً من المسؤولية، بالنظر إلى إيداع أموالهم في المصارف اللبنانية للاستفادة من فوائد باهظة، رغم معرفتهم أو افتراض معرفتهم بالمخاطر التي يرشح عنها هذا الخيار.
أما مشروع القانون الثاني الموجود في مجلس النواب، فأعده نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سعادة الشامي في العام 2024، بإسم "مشروع قانون لإعادة التوازن المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي"، وسُجلت إعتراضات عليه خصوصا من جمعية المصارف .كما تقدّم رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس في العام 2023 بمسوّدة مشروع قانون يرمي، بحسب قوله، إلى حماية الودائع المصرفية وإعادتها إلى أصحابها. لكن بحسب الخبراء القانونيين فإن "موادّ المشروع الـ 26، تحمّل الخزينة العامة، أي مجموع المواطنين اللبنانيين مسؤولية ردّ الودائع إلى أصحابها، وأن المصارف من بين أصحاب الودائع هؤلاء!".الجدير ذكره أيضا أن جمعية المصارف قدمت أكثر من خطة لموضوع الودائع، ومنها أن تعترف الحكومة بجزء من مسؤوليتها عن هذه الخسائر .
ضاهر:خطة المركزي لإعادة الودائع ليست سيئة وقريبة مما إقترحته نقابة المحامين
في مقابل هذا المسار الشائك لقوانين تتعلق برد الودائع، ثمة من يقول إن أي مشروع لرد الودائع لا يأتي على تحميل المصرفيين المسؤولية بأموالهم الخاصة، ولا يكشف ويشطب أموال الفساد والتهرب الضريبي والتبييض المختبئة في الودائع ولا يفرض رد الأموال المهربة، هو مشروع للإفلات من العقاب، وأي إفلات من العقاب يؤسس لأزمة جديدة. قد تكون هذه المقاربة صحيحة ولكن تحويلها الى واقع يتطلب مساراً قانونياً شائكاً يحفّز على البحث عن كيفية ترجمته على أرض الحقيقة، في ظل عدم التوازن الذي يعيشه القضاء اللبناني نتيجة هيمنة السلطة السياسية-المصرفية عليه (المسؤولة الأولى والأخيرة عن تبخر 72 ملياراً من الودائع).
يشرح الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر ل"ليبانون ديبايت" أنه "في ال2022، طلب صندوق النقد من لبنان 3 قوانين إصلاحية أساسية، هي قانون الموازنة العامة، تعديل قانون السرية المصرفية، قانون إصلاح وضع المصارف وإسترداد الودائع (الذي تم تجزئته من قبل الحكومة الحالية إلى قانونين)، وإهتمام الصندوق والولايات المتحدة بقانون إسترداد الودائع (الفجوة المالية)، سببه أن الحكومة اللبنانية ولجنة المال والموازنة ربطتا تنفيذ قانون إصلاح المصارف بإقرار قانون إسترداد الودائع"، موضحا أن "ما يهم المجتمع الدولي (ولا سيما الصندوق ومجموعة العمل المالي (FATF) والولايات المتحدة)، إعادة القطاع المصرفي إلى مساره السليم للحد من إقتصاد الكاش والإقتصاد غير الشرعي، بهدف محاربة عمليات تمويل الارهاب وتبييض الأموال، وضبط العمليات المالية المشبوهة وهذا الأمر لا يمكن أن يتم، إلا عن طريق قطاع مصرفي سليم وهذا ما لا يمكن الوصول له إلا عبر إقرار هذين القانونين".
يضيف:"حاليا تعمل حكومة الرئيس سلام بالتنسيق مع مصرف لبنان، على إعداد قانون الفجوة المالية أو الإنتظام المالي وإسترداد الودائع، علما أنه سبق لنقابة المحامين أن وضعت منذ أكثر من عامين إقتراح قانون إعادة إصلاح المصارف، ويتضمن آلية إسترداد الودائع من دون الفصل بينهما ومن دون أرقام لأننا لم نكن نملكها، لكننا وضعنا الوسائل التي يمكن للمودعين من خلالها إستعادة أموالهم، ولسوء الحظ أن هذا القانون الذي تم تقديمه عن طريق عدد من النواب، لم يتم درسه في المجلس، وكنقابة محامين قمنا أخيراً بتقديم ملاحظات على قانون إصلاح المصارف الحالي وتم إرسالها إلى لجنة المال النيابية".
يلفت ضاهر أنه "في التصريح الأخير لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، أشار إلى أن هناك خطة لإعادة الودائع بالتنسيق مع الحكومة ويبدو أنها تقوم أولاً على تقليص حجم الودائع، عبر الفرز بين ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، و بالتالي الودائع المتأتية من أعمال غير مشروعة لن يشملها قانون إسترداد الودائع ، بالاضافة إلى إلغاء الفوائد العالية التي كانت تعطى على الودائع وتخفيضها وفق المتعارف عليه عالميا"، مشيرا إلى أن "هناك عمليات وتدابير ستُتبع وستسمح للحاكم تخفيض الفجوة المالية من 85 مليار دولار إلى أقل من 50 مليار، وهذا ما سيعيد التوازن مع أصول التي يملكها مصرف لبنان ( والذهب والاحتياطي الالزامي وحقوق وأصول مصرف لبنان من أراضي وأسهم في شركات مثل شركة طيران الشرق الأوسط ومصرف إنترا...)، وسيسمح ذلك له بإصدار سندات وأدوات مالية مخصوصة (Perpetual Bonds) لضمان حقوق المودعين الكبار، كما وتحويل الودائع إلى أسهم في مصارف".
يرى ضاهر أن "هذه الآلية ستتم بالإتفاق مع المصارف القابلة للإنقاذ والإصلاح (ستستمر بعد تطبيق قانون إصلاح المصارف)، والتي ستتعهد بإعادة الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار للمودعين الصغار ضمن فترة زمنية محددة (نسبتهم 84.5 بالمئة من مجموع المودعين).في حين أنه سيكون للودائع التي تتراوح بين 100 ألف والمليون دولار تدابير أخرى لإعادتها، وسيكون مبدأ إعادة الودائع وفقا لأولوية التسديد، بمعنى أنه كل المودعين لهم الحق بإستعادة أموالهم، ولكن هناك حالات تحتاج التسديد أسرع"، معتبرا أن "هذه الخطة ليست سيئة وليست بعيدة كثيرا عن الخطة التي وضعتها نقابة المحامين في حينه، والتي تنص على أن الأولوية هي في وضع تراتبية للمسؤوليات وفق القوانين المرعية وأفضل المعايير الدولية، أي المسؤولية الأولى يجب أن يتحملها إداريي المصرف من المدراء التنفيذيين، وأعضاء مجلس الإدارة في المصارف على ذمتهم الخاصة في حال تبين اي مسؤولية أو تقصير في مهامهم ويتبعهم مساهمو المصرف بحدود مساهماتهم، وبعدها يتم التمييز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة من أجل تحديد المودعين الجديرين بالحماية، وعندها يمكن تطبيق القوانين الحالية مثل قانون الإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال والقوانين المالية لتحديد ما هو حجم الودائع التي يجب حمايتها كما وتلك الواجب إستردادها".
مميزات قانون نقابة المحامين
يؤكد ضاهر أن "ما طرحته نقابة المحامين أيضا، هو إعادة النظر بكل التحويلات التي حصلت من بعد 17 تشرين الأول 2019، لأن هناك تحويلات حصلت بغير وجه حق من خلال إستعمال النفوذ السياسي والمصرفي، وهذه الأموال يمكن إستعمالها لتسديد الودائع . وهناك نوع من التحويلات ينطبق عليه وصف التحويل التمييزي، لأنه حصل لصالح مودعين دون باقي المودعين، وركزنا كنقابة على مبدأ المساواة بين المودعين طبقاً لأحكام الدستور وهذا ما يسمح بإسترداد أموال خرجت من لبنان بعد 17 تشرين مما يسمح برد جزء لا يستهان به من الودائع"، لافتا إلى أن النقابة "إقترحت تطبيق قوانين المعاهدات التي وقّع عليها لبنان على من مارس أعمالا مالية غير مشروعة، مثل معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد( الانكات) التي إنضم إليها لبنان في العام 2008 بموجب القانون 33، كما والقانون 55 /2016 ( قانون تبادل معلومات مالية لغايات ضريبية ويسمح للبنان بأن يتبادل معلومات مع ما يقارب ال 170 دولة داخلين في المنتدى العالمي للشفافية)، مما يسمح بالحصول على معلومات عن المقيمين في لبنان الذين لديهم حسابات ومصالح في الخارج والتأكد من مشروعيتها وإسترداد جزء من الأموال"، ويشير إلى أنه "جرى العمل والتنسيق مع بعض نواب التغيير لتخصيص بعض الضرائب لمصلحة المودعين من خلال إقتراحات قوانين مقدمة للمجلس تتعلق بالضريبة المفروضة على المستفيدين من صيرفة بنسبة 17 بالمئة ( المادة 93 من قانون الموازنة رقم 324/2024)، بأن يتم تحويلها إلى صندوق خاص لإعادة أموال المودعين بدلا من إعادتها الى الخزينة، لأنه صيرفة كانت على حساب أموال المودعين، وإقترحنا أيضا أن توضع كل الاموال التي ستحصل بموجب القانون رقم 240/ 2021 ( التدقيق الجنائي بعمليات الدعم )، وإقتراح قانون بفرض ضريبة على القروض التي تم تسديدها بأقل من قيمتهها وتخصص لاعادة تسديد الودائع".
ويختم: "قانون الفجوة سيُحدد إذا كان يجب تكوين صندوق سيادي جديد لإعادة تسديد الودائع، علما أنه جرى الإقتراح بأن يكون هذا الصندوق هو الصندوق المخصص لإسترداد الأموال المتأتية من أعمال الفساد وتبييض الأموال، أي الذي لحظته المادة 17 من القانون 214 /2021 ،أي قانون إسترداد الأموال المتأتية من أعمال الفساد وتبييض الاموال. وقد شكل وزير العدل لجنة أنا عضو فيها مع 3قضاة مميزين، لوضع المرسوم التطبيقي الذي سيؤدي إلى تكوين الصندوق وتحديد آلية عمله، وقد أنجزت اللجنة العمل بالتنسيق والتعاون مع وزارة المالية، وبات جاهزا لإصدار مرسوم لتكوين هذا الصندوق".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|