"كذبة" زياد الرحباني
لم ينجُ حدثٌ صادم ومؤلم، مثل وفاة الفنان زياد الرحباني المفاجئة، من حالة الـ Show Off اللبنانيّة التي ساهمت في ازدهارها مواقع التواصل الاجتماعي، في زمنٍ باتت فيه غالبيّة "الإعلاميّين" من حاملي الهواتف لا الأقلام.
لو لم تكن مراسم التعازي بزياد الرحباني منقولة على هواء المحطات التلفزيونيّة، لكنّا شهدنا غياب نصف عدد المعزّين على الأقلّ، أو ربما بقي العدد مماثلاً ولكن كان حلّ محبّو زياد الصادقون مكان بعض الباحثين عن صورةٍ ولقطةٍ و"ترند".
لسنا نعمّم، بالتأكيد، ولكنّ الكثيرين ممّن تحدّثوا الى "الإعلاميّين" أمام كنيسة السيّدة في المحيدثة لم يسمعوا مسرحيّةً كاملة لزياد ولم يتابعوا مقابلةً طويلة، باستثناء ما يُعرض لهم على "انستغرام" و"تيك توك"، ولا يعرفون الكثير عن موهبته الموسيقيّة ولا حضروا حفلةً له. على الرغم من ذلك، استفاض هؤلاء بالحديث عن "الخسارة التي لا تعوّض"، ولم ينافسهم في قلّة المعرفة (والحياء) إلا بعض من كان يطرح عليهم الأسئلة.
حتى أنّ كثيرين من "حزانى السوشال ميديا" استخدموا، للمشاركة في الـ "ترند"، عبارات منسوبة لزياد ولكنّه ليس قائلها، ما يشكّل دليلاً على سطحيّة معرفة هؤلاء بفنّه وأفكاره.
ولسنا نعمّم، أيضاً، ولكن بعض الفنّانين الذين قدّموا واجب العزاء سبق للرحباني الشفّاف والواضح أن انتقدهم علناً، وهو، بالتأكيد، لم يكن يعرف معظمهم ولا سمع أغنيةً واحدة لهم.
وما هو أسوأ من "استعراض" البعض في العزاء، ما كُتب في صحفٍ ومواقع إلكترونيّة وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. حاول البعض حصر زياد في موقفٍ سياسي، وهو لم يكن يوماً أسير موقفٍ معلّب.
انتقد زياد الرحباني الجميع، حتى الحزب الشيوعي الذي كان مناصراً له. في أرشيفه ما قيل، سلباً، عن ميشال عون وأمين الجميّل وسمير جعجع ووليد جنبلاط وكثيرين غيرهم. ومن يصنّفونه في خانة المؤيّد لحزب الله، عليهم أن يعودوا الى واحدة من آخر مقابلاته، إذ قال فيها: "ما بقا فيكن تغمّضوا عيونكن عن إنّو في غيركن بالجنوب… ما عاد فيك تدافع عن الحزب متواصل، إنو التحرير شغلة بس في شي إسمو صور، مثلاً عملنا حفلة بصور سنة ٢٠٠٩، Beach Party برمضان، كانوا عم بيدقوا على الإفطار ويشربوا ويعملوا كل اللي بدك ياه وعلى الصبح نروح ناكل فول… يعني شو بتشكي صور كنموذج للجنوب يعني؟ لأنّو صدّقني بس يجي الحلّ حزب الله رح يصير بدّو رضا أهل الجنوب لأن ما عندو مشروع، ما عندو نظريّة". هل تابع ابراهيم الأمين وجماعته في صحيفة "الأخبار" هذه المقابلة؟
أفكار زياد الرحباني كانت ملكه، وهو يملك كامل الحريّة فيها، ما دام لم يحمل سلاحاً يوماً ولا قتل على الهويّة ولا لجأ الى العنف. كان إنساناً مختلفاً، في كلامه ولباسه وأسلوب عيشه وطريقة تعبيره. وكان استثنائيّاً في موهبته المبكرة، موسيقى ومسرحاً. وكان قادراً، وهذه نادرة، على الجمع بين الجنسيّة اللبنانيّة وبين عدم استخدام قناعٍ للوجه أو قفازاتٍ لليدين. كان واضحاً، بلسانٍ واحد، ولا تعنيه أحكام الناس.
بعض ما جرى في اليومين الماضيَين لم يكن يشبه زياد بشيء. هذه السطور تحيّة الى المعزّين بصدق. وهي تحيّة، أيضاً، الى من أحبّ زياد وتأثّر به، فبكى في بيته، بين جدرانٍ أربعة، وساهم في إبقاء زياد حقيقةً خالدة، لا تحويله الى كذبة تنتهي مع انتهاء التعازي وغياب الكاميرات.
داني حداد - mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|