الصحافة

لماذا التلزيم إلى سوريا غير مطروح؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عندما لزمّت الولايات المتحدة الأميركية الرئيس السوري حافظ الأسد إدارة الملف اللبناني بعد انتهاء الحرب، كان الهدف من هذا التلزيم مزدوجًا: إدارة المرحلة الانتقالية من الحرب إلى ما بعدها في ظل الانطباع الذي أعطاه الأسد للأميركي بأن البلد لن يركب من دون وصايته أو رعايته، وضبط الساحة اللبنانية بغية الحدّ من تأثيرها على ما يُرسم للمنطقة، بدءًا من مؤتمر مدريد للسلام، إذ لا يجب أن يبقى منصة لاستهداف المسار السلميّ في المنطقة.

وما يهمّ واشنطن عمليًّا أن يبقى لبنان ساحة مضبوطة ومنضبطة في الداخل وعلى الحدود، أي أن يكون مستقرًّا ولو محكومًا من "حزب الله"، وهذا ما كان عليه الوضع بين عامي 2006 و 2023، فهي تتعامل مع الوقائع وتهمها النتائج، وطالما أن "الحزب" الذي تصنِّفه بالإرهابي يرسِّم الحدود البحرية مع إسرائيل ويُبقي الصراع معها تحت السيطرة، فلا تهتم لنزع سلاحه سوى في المواقف والتصاريح، ولولا "حرب الإسناد" التي قلبت إسرائيل فيها الموازين والأوضاع رأسًا على عقب، لما كانت واشنطن في وارد قلب هذه الأوضاع وتغييرها.

والمقصود قوله إن لبنان لم يكن ملزّمًا لأحد بعد خروج جيش الأسد في العام 2005، إنما تعاملت واشنطن مع التوازنات التي نشأت بعد هذا الخروج، وهمها الأساسي كان الحفاظ على الاستقرار بمعزل عمن يؤمِّن هذا الاستقرار، ولا شك أنها تفضِّل أن يكون عن طريق الدولة، ولكن لا مشكلة لديها إذا تأمّن عن طريق "حزب الله" مثلًا، لأن الأساس هو النتيجة المتمثلة بالاستقرار في الداخل وعلى الحدود، وهذا ما كان يؤمنه "الحزب" لواشنطن وتل أبيب، ولولا "حرب الطوفان" لكان الستاتيكو السابق ما زال على ما عليه.

وقد اعتبرت واشنطن انه بين حرب تموز 2006 وتشرين 2023 كانت الأمور مضبوطة على الحدود وفي الداخل، وأنه باستثناء أحداث أيار 2008 بقي الصراع السياسي تحت السقف، ولم تكترث لحكومات جاءت بشكل انقلابي وعلى يد "الحزب"، وكان يمكن أن يستمر هذا الوضع لسنوات لو لم يأتِ التغيير من إسرائيل ردًّا على "حرب الإسناد".

والوضع الحالي، بالمنظور الأميركي، يشبه مرحلة ما بعد 2005 وليس مرحلة بعد العام 1990، ولكن مع اختلاف التوازنات إن الداخلية التي مالت لمصلحة الفريق الذي يريد قيام دولة فعلية، أو على الحدود التي أصبحت ممسوكة من قبل إسرائيل، التي لم تعد بحاجة لا لسوريا الأسد ولا لتوازن الردع مع "حزب الله"، وبالتالي لا حاجة إلى وصاية أو إدارة خارجية جديدة للبنان، لأن أمن إسرائيل، الذي يهمّ أميركا، انتزعته تل أبيب بنفسها، و"الحزب" خسر وظيفته وقدراته، ولأن أمن الداخل تعتبره مضبوطًا وأفضل من المرحلة السابقة بسبب تراجع دور "الحزب".

وهذا الوضع في حال لم يحسم يمكن أن يستمر لسنوات، واللاعب الأقوى فيه هو إسرائيل، فيما اللاعب الأقوى في لبنان قبل "حرب الإسناد" كانت إيران، واللاعب الأقوى قبل العام 2005 كان نظام الأسد، ومصدر قوة إسرائيل هو "حزب الله" الذي مدّها بحجة الدخول إلى لبنان، ويرفض التخلي عن مشروعه المسلّح الذي يعطيها الذريعة لإبقاء لبنان تحت سيطرتها العسكرية، خصوصًا من خلال استنادها إلى توقيعه وتوقيع لبنان اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على تفكيك بنيته العسكرية.

وآخر من يحقّ له الكلام عن وصاية إسرائيلية هو "حزب الله"، لأنه المسبِّب لهذه الوصاية، إن وجدت، وتمسكه بسلاحه يخدم إسرائيل كون هذا السلاح لم يعد يشكل خطرًا عليها بعدما تمكنّت منه وتغلبّت عليه وأسقطته في الميدان، إنما يشكل خطرًا على اللبنانيين بسبب الحرب المستمرة فوق رؤوسهم، كما يشكل خطرًا على لبنان بحرمانه من قيام دولة حقيقية.

وقد يكون التلزيم المقصود أميركيا ليس على طريقة نظام الأسد بإدارة تفاصيل الحياة السياسية في لبنان، إنما التلزيم العسكري والأمني الذي تتولاه إسرائيل أساسًا استنادًا إلى اتفاقية وقف إطلاق النار، وبالتالي في حال لم يبادر لبنان إلى احتكار السلاح بالقوة تنفيذًا للدستور، فإن إسرائيل تحظى بالغطاء الأميركي الكامل للقيام بما تريد، والسيد توم برّاك كان شديد الوضوح في زيارته الأخيرة بتخيير لبنان الرسمي بين تفكيك بنية "الحزب" العسكرية في لبنان كله تمهيدًا لتعويم لبنان اقتصاديًّا، وبين أن إسرائيل لديها الضوء الأخضر للقيام بما تريد ولن تتدخّل معها واشنطن.

فالتخويف من تلزيم لبنان جاء في إطار حثّ الدولة على المبادرة، ولكن لا حاجة للتلزيم طالما أن التنظيمات غير الشرعية لم تعد تشكل تهديدًا لإسرائيل، وطالما أن أوضاع لبنان الداخلية مضبوطة ولا تشكل خطرًا على جيرانه، وبالتالي المشكلة الفعلية ليست في خطر تلزيم لبنان لدولة أخرى، إنما الخطورة في غياب القرار السياسي اللبناني الذي يُبقي لبنان ملزّمًا للفوضى.

شارل جبور -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا