التهويل بالحرب الشاملة واقعي... أم ضغوط فارغة؟
اختصر وزير المال في كيان الاحتلال بتسلئيل سموتريتش الاستراتيجية "الاسرائيلية" تجاه الساحة اللبنانية، وقال بوقاحة منقطعة النظير، أن "الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من النقاط الخمس، وان القرى التي دمّرها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لن يُعاد بناؤها"... كما رجح أن "يكون سلاح حزب الله قد دمّر فعلياً"، مؤكدا "ان سكان الشمال لن يروا حزب الله على الأسوار بعد الآن"... اذا حول ماذا يدور التفاوض مع الاميركيين؟ ولماذا التهويل بحرب جديدة، اذا كانت الاوضاع بهذه الاريحية بالنسبة "للاسرائيليين"؟
ما ورد على لسان وزير اليمين المتطرف، يشكل انعكاسا "للرسالة" التي نقلها الموفد الأميركي توم براك الى بيروت، "فإسرائيل" لن تلتزم بوقف اطلاق النار، وهي غير معنية بتقديم اي مؤشرات حسن نية، وواشنطن لن تمنح لبنان اي ضمانات، وتستمر في الضغط السياسي والاعلامي لفرض اجندة قبول لبنان الشروط "الأسرائيلية" في فترة وجيزة لا تتعدى أسابيع، بحسب اكثر المتحمسين المتشائمين من خصوم حزب الله، وايام معدودة وفق المتفائلين منهم، وذلك في تناغم واضح جدا لجهة الإصرارعلى حصرية السلاح بيد الدولة وحدها، والمطالبة بجدول زمني لم تتضمنه الورقة الأميركية على نحو صريح.
وتأتي تصريحات سموتريتش لتصب "مياه باردة" على "الرؤوس الحامية" في "معراب" "والمختارة"، ومعهم رئيس الحكومة نواف سلام، الذين يستعجلون عرض ملف السلاح على جلسة الحكومة يوم الثلاثاء المقبل، ويروجون لمعلومات غير مسندة لاي وقائع جدية، بان هذه الخطوة ستمنح واشنطن "ورقة" ضغط على "اسرائيل" للبدء بخطوات في المقابل، قد تكون الانسحاب من بعض النقاط، او وقف اطلاق النار لمدة زمنية محددة كفترة اختبار، ثم تستكمل لاحقا في حال نجاح المرحلة الأولى انسحابها من النقاط الخمس، اثر البدء بتفكيك ترسانة الحزب، وبعده يتم الافراج عن اموال اعادة الاعمار وتم ترسيم الحدود...
كل ما ورد اوهام، تقول اوساط سياسية مقربة من "الثنائي"، وهي لا اساس لها من الصحة، لان حكومة الاحتلال لا تجد نفسها جزءا من عملية التفاوض التي تقوم بها واشنطن، وهي لا تجد انها مضطرة الى خوض اي عملية تفاوض، والمطلوب فقط القبول بشروط الاستسلام، وبعد ذلك قد تحتاج "اسرائيل" الى ضمانات امنية اكبر، وقد تضطر الى توسيع المنطقة العازلة على الحدود الشمالية، وقد لا تكون القرى المدمرة التي تحدث عنها وزير المال "الاسرائيلي" كافية لطمأنة مستوطني الشمال، وعندئذ قد يكون توسيع المنطقة العازلة امرا لا مفر منه. فما الذي ستقوم به الدولة اللبنانية حينذاك؟ هل تملك اجوبة؟ واذا كان لا يزال السلاح يهدد الامن "الاسرائيلي"، ولا بد من تسوية، فلماذا التخلي عنه دون الحصول على اثمان؟
في المقابل، لن يتنازل حزب الله عن "خارطة الطريق" الوطنية التي تقضي اولا انسحاب "اسرائيل" والزامها بوقف النار، واطلاق الاسرى، قبل البحث في الاستراتيجية الوطنية. واذا كانت واشنطن تعرف جيدا ان الحزب لن يرضخ للضغوط، اذا كان المعروض على "الطاولة" مجرد استسلام، فان كل الكلام عن طرح حصرية السلاح على مجلس الوزراء، دون التطرق الى مسألة نزعه بالقوة، تبقى مجرد خطوة رمزية لن تقدم او تؤخر، خصوصا ان البيان الوزراي سبق وتضمن هذا العنوان، ولا اعتراض لدى اي من مكوناتها على فحوى هذا البيان. وكل ما يتجاوز ذلك وصولا الى وضع جدول زمني، او حديث عن نزع بالقوة، سيؤدي حتما الى تفجير الحكومة، ودفع البلاد الى حرب اهلية تشكل وصفة انتحار جماعي، لن يتجرأ على الاقدام عليها احد.
اذا، ما الذي لدى لبنان ليخسره اذا رفض الامتثال للاملاءات الخارجية؟ لا شيء، تقول تلك الاوساط، فـ "الجزرة" التي سبق وتحدث عنها براك، مجرد "وهم" لا صلة لها بالواقع، ولا يوجد على "الطاولة" اي مكسب جدي، او مكافاة للدولة اللبنانية اذا رضيت بان تكون مجرد حرس حدود لدى "اسرائيل". وكل "الثرثرة" من قبل حلفاء واشنطن في لبنان، مجرد كلمات مدفوعة الثمن ولا يمكن ترجمتها الى وقائع، لان الاستراتيجية "الاسرائيلية" التي يقودها اليمين المتطرف، وتؤيدها واشنطن على نحو غير مسبوق، لن تسمح بازدهار الدول المحيطة بها، ولبنان الضعيف المنقسم على نفسه سياسيا، وربما المقسم جغرافيا في وقت لاحق، او الملحق بالنفوذ السوري، هو النموذج الذي يجري العمل عليه، وهو يحتاج الى رؤية وطنية موحدة، لا تتمحور فقط حول موضوع تسليم السلاح، انما كيفية الحفاظ على الكيان اللبناني في مواجهة "العواصف" التي تضرب المنطقة، ويكون ملف السلاح وكيفية الاستفادة منه جزءا من حوار وطني، بعيدا عن الرهانات الخارجية والحسابات الضيقة لبعض المغامرين الذين سيدفعون الثمن عاجلا او آجلا.
في الخلاصة، اذا كان مجلس الوزراء سيدرج على جدول اعماله الثلاثاء موضوع استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري، في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، فمن المتوقع ان يمر هذا البند دون ازمة كبيرة، لانه سيكون دون "انياب" بغياب الجدول الزمني، وسيكون مجرد اعادة تذكير بالتزامات الدولة اللبنانية، وهو سيسمح "بشراء" المزيد من "الوقت"، واي خروج عن هذا المسار سيدفع البلاد الى ازمة داخلية كبيرة. اما التهويل بالحرب فلا جديد يذكر، لان هذه "الاسطوانة" باتت مشروخة وغير مجدية، فما "كتب قد كتب" في ظل الوضوح التام في مواقف كل الاطراف، وفي مقدمتهم حزب الله الذي يستعد لأسوأ الاحتمالات، علما ان المؤشرات الواقعية لا تشير الى ذهاب "اسرائيل" الى حرب شاملة كما حصل قبل اشهر، اقله الآن، في ظل تزاحم الملفات والاولويات في غزة وسوريا وايران. فحرب مماثلة ستدفع حزب الله للرد بما تيسر لديه من اسلحة، وثمة غموض كبير حيال ما يملك في جَعبته! بينما تتمادى "اسرائيل" في اعتداءاتها دون ان تدفع اي ثمن. فما الذي سيدفعها الى القيام بمواجهة مفتوحة لن تكون نتيجتها مضمونة، لجهة التخلص من سلاح المقاومة؟ ولهذا فان السيناريو المرجح حصول تصعيد في الاعتداءات، لزيادة الضغوط دون تجاوز حدود الحرب المفتوحة... الا اذا حصل حدث من خارج التوقعات يقلب "الطاولة" على الجميع؟!
ابراهيم ناصر الدين - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|