الصحافة

هل سيقاتل "الحزب"؟ أين وكيف ومَن ومتى؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إذا كان «حزب الله» يرفض التخلّي عن سلاحه فلأنّ هذا السلاح يدخل ضمن استراتيجيته السياسية والأمنية والدينية. لا يوجد «حزب الله» من دون سلاح ولا يمكن الفصل بينه وبين سلاحه. كأنّهما ولدا معًا ويزولان معًا. لذلك تبدو كل التبريرات الأخرى مجرّد كلام لا يقدّم ولا يؤخّر في المسألة العقائدية. ولكن في الواقع المعيوش وبحكم التجربة، لا «الحزب» حمى السلاح ولا السلاح حمى «الحزب». كأنّه يستمرّ بلعب هذا الدور بانتظار حرب جديدة يخوضها لحماية سلاحه وقطع اليد التي ستمتدّ إليه. ولكن أين ومَن وكيف ومتى سيقاتل «حزب الله»؟

بعد أحداث السويداء في سوريا بين النظام السوري الجديد في المرحلة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، وبين الدروز، روّج «حزب الله» والمدافعون عنه وعن سلاحه بأنّه لا يمكن التخلّي عن هذا السلاح نتيجة ما يحصل في سوريا، وخوفًا من «الدواعش» الذين قد يأتون منها. وروّجوا أيضًا لفكرة تدافع عن عدم تخلّي الدروز عن سلاحهم لأنّ هذا السلاح يحميهم. وقدّموا مرافعات حول ما تعرّض له علويو الساحل السوري من اعتداءات من قوات السلطة الجديدة في سوريا ومن قوى أمنية وعسكرية وعشائرية تابعة لها. ولكن الواقع مختلف تمامًا. لم يحمِ السلاح الدرزي منطقة السويداء بل حماها التدخّل الدولي، وتحديدًا الأميركي الذي جاء مكمّلًا للتدخّل الإسرائيلي العسكري ولإيجاد حل للمسألة الدرزية من ضمن حل المسألة الأمنية بين سوريا وإسرائيل التي يمكن أن تتمدد لتشمل لبنان. ولو تُرِك الدروز بقيادة شيخ العقل حكمت الهجري لوحدهم، لكانت قوات السلطة السورية أنهت وجودهم العسكري والسياسي، وألحقت السويداء بالسلطة المركزية، وتركت قوات البدو والعشائر ينتقمون منهم، ولكانت حرمتهم من أي حقوق سياسية وحتى دينية، بعد التجربة السيئة التي مرّوا بها في قراهم في إدلب التي كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.

بين الشيعة والدروز
ما ينطبق على دروز السويداء في هذا المجال ينطبق على «حزب الله» في لبنان. اعتبر الحزب أنّ سلاحه يحميه ويحمي لبنان ويشكل توازن رعب مع إسرائيل وقوة ردع، ويمهّد لاجتياحها ولتحرير فلسطين، ولعودة الإمام المهدي. ولكن أثبتت الوقائع أنّ العكس هو الذي حصل. دمّرت إسرائيل معظم قوة «الحزب» العسكرية وفتكت به، واغتالت أمينه العام السيد حسن نصرالله والأمين العام الذي خلفه السيد هاشم صفي الدين، وصفّت عددًا كبيرًا من قياداته العسكرية والأمنية، ودمّرت معظم البلدات المحاذية للحدود معها ومنعت العودة إليها، وكسرت ظهره وسيطرت نفسيًا وأمنيًا عليه وعلى بيئته بحيث صار ينصاع لأي تهديد بإخلاء منطقة محدّدة. وأكثر من ذلك لا تزال إسرائيل تحتلّ نقاطًا محدّدة داخل لبنان بعد عملياتها العسكرية منذ بدأ «الحزب» حرب الإسناد، ولا تزال تغتال عددًا من عناصره وتقصف عددًا من مواقعه ومخازنه وهو عاجز عن الردّ. ولكن على رغم كل ذلك لا يزال يستقوي على السلطة اللبنانية الجديدة، ولا يزال يعاكس إرادة معظم اللبنانيين، ويتمرجل على الدولة ويتمسّك بسلاحه بانتظار الساعة التي يحدّدها هو حتى يعود لاستعماله في حرب جديدة.

وُلِد الحزب ليقاتل؟
إذا لم تكن هناك حرب جديدة يستعدّ لها «الحزب» فما هي حاجته إلى هذا السلاح الذي شكّل خطرًا عليه وعلى لبنان؟ كأنّه ولد ليقاتل وينتقل من حرب إلى أخرى في سلسلة معارك لا تنتهي، وفي خدمة حرب واحدة يخطط لها كهدف نهائي يدخل ضمن صلب عقيدته الدينية وتبعيته لنظام ولاية الفقيه في إيران، وكونه فصيلًا من فصائل «فيلق القدس» حاملًا مهمة تصدير الثورة الإسلامية في إيران إلى الدول المجاورة لها.

تمسُّك الحزب بسلاحه ليس مقتصرًا على قراره وحده. مراقبة الواقع على الأرض وفي السياسة تُظهر كأنّ هناك اعتبارات كثيرة تدفعه إلى التمسك بهذا السلاح. كأنّ إسرائيل هي التي تتولّى هذه المهمة ومعها واشنطن، على عكس مطالبتهما المستمرّة بنزع هذا السلاح. ماذا يخفي هذا الأمر؟ ربما يمكن استدراج «الحزب» وزجّه في حروب جديدة لم يتحسّب لها.

يقول المدافعون عن وجهة نظر «الحزب» إنه إن سلّم سلاحه، لا توجد أي ضمانة تردع إسرائيل عن السعي لتوسيع احتلالها. ولكن ربما العكس هو الصحيح. إذا لم يسلّم سلاحه يعطي الذريعة لإسرائيل لتوسيع احتلالها.

توم برّاك يلاحقه
صحيح أن السفير توم برّاك، موفد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لبنان وسوريا، تابع مهمته في لبنان في ثلاث زيارات، وأنّه غادر من دون موعد جديد في ظلّ الحديث عن مهل أعطتها واشنطن للبنان لوضع جدول زمني لنزع سلاح «الحزب»، إلا أنّه لم يغِب عن السلاح بفعل توالي تغريداته التي تحمل تهديدات مباشرة إلى السلطة اللبنانية الجديدة لحثّها على تحويل أقوالها بخصوص حصرية السلاح إلى أفعال. بعد تغريدته التي أطلقها بعد مغادرته لبنان في 24 تموز وأعلن فيها أن «حزب الله» تنظيم إرهابي والتعامل معه يكون على هذا الأساس، أعلن في 28 تموز أن «مصداقية الحكومة اللبنانية باتت على المحك، في ظلّ استمرار امتلاك «حزب الله» السلاح خارج إطار الدولة. وهذه المصداقية ترتكز على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والممارسات. المسؤولون اللبنانيون كرروا مرارًا أنّه من الضروري أن يكون للدولة وحدها حقّ احتكار السلاح. ما دام «حزب الله» يحتفظ بسلاحه، فلن تكفي الأقوال. على الحكومة و»حزب الله» أن يلتزما بالكامل ويتصرفا فورًا، حتى لا يُحكم على الشعب اللبناني بالبقاء في حالة الجمود المتعثر».

اعتبر براك أن احتكار الدولة السلاح هو أمر أساسي وحتمي ودعا الدولة و»الحزب» معًا إلى التحرك في هذا الاتجاه «فورًا». لم يعط براك أي ضمانات. على العكس أتى بإنذارات. وكلمة «فورًا» تعني أن لا مهل أيضًا. وفي الواقع كيف يمكن للبنان أن يطلب ضمانات اليوم بعد النتائج الكارثية التي أوصلته إليها حروب «حزب الله»؟ وكيف للحزب أن يطلب من الدولة أن تحصل له على هذه الضمانات؟ قد تكون هذه من قناعات السلطة الجديدة. ولكن هذه السلطة تسأل «الحزب» مثلا لماذا لم يُصِرّ على طلب هذه الضمانات قبل أن يوافق مستسلمًا على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024؟ إذا كان عاجزًا وقتها عن فرض شروطه في ظلّ الحرب المفتوحة، فكيف يمكن اليوم الحصول على ضمانات من إسرائيل التي خرجت من حروبها منتصرة وباتت في موقع من يفرض التنازلات من دون شروط؟ مسألة الضمانات لا يجب أن تكون من مسؤولية السلطة التي عليها أن تتصرّف كسلطة ممسكة بالقرار وليس كسلطة تستجدي هذا القرار.

مهما فعل خاسر
«حزب الله» اليوم أمام معضلة لا يمكنه الخروج منها. وهو يواجه الخسارة التي يمكن أن تؤدي إلى هزيمة جديدة يتعرّض لها. إذا قاتل خسر. وإذا لم يقاتل خسر. وإذا انتظر خسر. قد لا تأتي الساعة التي يمكنه أن يقوم معها من تحت الأنقاض حتى يستعيد عسكريته.

في تخلّي السلطة عن دورها تصير مع «الحزب» في مركب واحد. ينجوان معًا أو يغرقان معًا. تحاول أن تنقذ غريقًا يتمسك بها فتغرق معه. لا إمكانية اليوم لتعديل اتفاق وقف النار والقرار 1701 ولا مفرّ من تنفيذ قرار نزع سلاح «الحزب». ولكن «الحزب» لا يزال يستفيد من تعقيدات الموقف، ويحسب أن لا صدام مع الجيش والسلطة، ولا نزع للسلاح بالقوة، ولا حرب مع إسرائيل، ولا اجتياح إسرائيلي كبير وشامل. ولذلك يتعاطى مع المشكلة وكأن دور سلاحه لم ينتهِ. وهو لا يتخلّى عنه وقراره في إيران. وإذا كان لن يتمّ نزعه بالقوة أو بالإقتناع والإقناع، فأين سيقاتل؟ ومتى وكيف وضد مَن؟

يحتفظ «الحزب» بسلاحه من أجل توظيفه في حرب جديدة لا يمكنه تجنّبها والإفلات منها وتؤدّي به إلى هزيمة جديدة. تلافي هذا المصير يكون بالخضوع لمنطق الدولة اللبنانية. خير لـ «الحزب» أن يتنازل أمام الحكم في لبنان وأمام الجيش من أن يضطرّ إلى التنازل أمام إسرائيل. كأنّه يكرّر تجربة العماد ميشال عون في حرب التحرير عندما أعلن أن العالم يستطيع أن يسحقه ولا يستطيع أن يحصل على توقيعه. وعندما أعلن أيضًا أنّه يفضّل أن يخسر أمام حافظ الأسد وليس أمام سمير جعجع. وأنه من الأفضل له أن يربح النظام السوري الحرب وأن لا تربح «القوات اللبنانية».

نجم الهاشم - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا