دبور استقبل السفير التونسي والقائم بأعمال سفارة سوريا في زيارة وداعية
السويداء وإدراك طبيعة الوحش
تكاد تصبح الصدامات الأهلية جزءًا من المشهد المعتاد في سورية. ومع كل صدام تتعقد مهمة بناء سورية مستقرة وعادلة، وترتفع حواجز شاهقة بين مكونات هذا البلد المثقل أصلًا بالويلات.
لكن ليس من المستغرب أن يتعرض السوريون لهذه الأزمات الأليمة. فالعقود الطويلة من الطغيان الأسدي ذي الصبغة الطائفية الحادة، كفيلة بأن لا تترك وراءها إلا بلدًا مأزومًا. والزلزال الذي أحدثه السقوط غير المتوقع للنظام البائد في موازين القوى الأهلية والإقليمية لا بد أن تكون له ارتجاجات قوية، وربما كارثية.
مسؤولية نظام الأسد وتركته الثقيلة لا تعفيان بالطبع فاعلي اليوم، وفي مقدمهم النظام الجديد، من المسؤولية عما يجري. لكن تحميلهم المسؤولية لا يعني على الإطلاق أن الخيارات المتاحة أمامهم سهلة. فإدارة التوازنات الأهلية، كما نعرف جيدًا من تجارب لبنان، ليست بالأمر اليسير، حتى في حالات الاستقرار، فكيف بها في زمن التغييرات الكبرى كما هي الحال في سورية اليوم، حيث تتحسّس الجماعات رقابها ومصائرها.
من هذا المنطلق، من الخطأ الاعتقاد أن ما يجري في السويداء اليوم هو مواجهة بين سلطة أصولية متطرفة لها نزوع إلى استعمال العنف المفرط، وبين أقلية تطالب بدولة مدنية تعددية. فالسمة الأبرز لهذه المواجهة ليست أيديولوجية، بل أهلية طائفية. والدليل على ذلك لا يكمن فقط في الهوية الطائفية للمتقاتلين، بل يظهر أكثر في العلاقة بين الانتماء الطائفي، من جهة، وطبيعة الرواية التي يتم تبنيها حول أسباب وسياقات المواجهات في السويداء، من جهة أخرى.
فالسنّة السوريون بشكل عام، وإن ليس بالمطلق، يميلون إلى تصديق سردية تضع اللوم أساسًا على بعض قيادات دروز السويداء وتتهمهم بالغدر والوحشية والأجندات المشبوهة. أما الدروز في معظمهم فيميلون إلى تصديق الرواية المضادة، وهي أنهم تعرضوا لاعتداءات وحشية على يد نظام الشرع واتباعه، وأن كل ما قاموا هم به هو الدفاع عن أنفسهم وكراماتهم. وكلما سالت الدماء توسعت الهوة بين هذه الروايات الأهلية المتضاربة وتعمّق الشرخ بين الجماعات التي تتبناها، وبالتالي ضاقت مساحة العيش المشترك.
قد يرى البعض أن حجم الطائفة السنية وتنوعها الاقتصادي والاجتماعي والمناطقي يحولان دون تشكلها كجماعة أهلية سياسية في مواجهة الجماعات الأخرى. ربما صح هذا الأمر في سورية ما قبل الحقبة الأسدية. أما بعدما عانى السنة ما عانوه في ظل ذلك النظام البائد، خصوصًا بعدما قرروا الثورة عليه، فقد تحولوا إلى طائفة بالمعنى السياسي. وهم سيبقون كذلك على الأقل حتى يطمئنوا إلى أن خلاصهم الذي تحقق بسقوط الأسد لن يتبدد، وأنهم لن يعودوا إلى جحيم يشبه ذلك الذي لم يصدقوا بعد أنهم قد خرجوا منه. لذا كان القصف الإسرائيلي لوزارة الدفاع في دمشق لحظة ذعر سنية حقيقية.
في المقابل تخشى الجماعات الأهلية الأخرى أن تحولها الغلبة السنية الأمنية والاقتصادية والعددية إلى "ذميين"، بالمعنى السياسي عل الأقل، حتى في ظل انتخابات ديمقراطية. لذا تصبو هذه الجماعات إلى قدر من اللامركزية أو الفيدرالية يحميها من الهيمنة السنية. وفي حال تعذر ذلك، قد يتمنى بعض هذه الأقليات انهيار هذا المركز على أصحابه.
إدراك الطبيعة الأهلية للنزاع القائم في سورية، لا ينطوي على دعوة للانضمام إلى تلك الاصطفافات، طائفية كانت أم إثنية، ولا يعني عدم المطالبة بقوة وبصوت عالٍ بنظام مدني ديمقراطي فيه فصل حقيقي بين السلطات كما تُحترم الحقوق الفردية والسياسية للمواطنين. لكنه يعني إدراكًا لطبيعة الوحش الذي يواجهه السوريون اليوم، إن أردنا ترويضه قدر المستطاع.
بشار حيدر -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|