الصحافة

رسالةٌ أميركيّة بين السطور... و"قطبة مخفيّة" في كلام برّاك

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

في زيارة حملت رسائل صريحة وأخرى مستترة، وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا والسفير لدى تركيا توماس برّاك إلى بيروت، ليضع في جعبته أجوبة لبنان على الورقة الأميركية في ما خص ملف سلاح حزب الله والعلاقة اللبنانية مع كلّ من إسرائيل وسوريا. الزيارة، التي جاءت في توقيت سياسي وأمني بالغ الحساسية، أثارت تساؤلات في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية حول خلفياتها الحقيقية، وأبعاد التصريح الذي أدلى به برّاك بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً العبارة المتعلقة بـ«حزب االله».

السفير الأميركي الذي التقى الرؤساء الثلاثة كان مستمعا، وفي الوقت ذاته كرّر رؤية واشنطن الرامية إلى التهدئة بين لبنان وإسرائيل، مقابل تفكيك تدريجي للبنية العسكرية لحزب االله، أو على الأقل، تجميد فعاليته ضمن تسوية أوسع تشمل الجبهة السورية والملف الحدودي.
الطرح الأميركي، وفق ما رشح، لم يقتصر على المطالبة بتقليص نفوذ الحزب العسكري، بل جاء مرفقاً بإغراءات اقتصادية ومساعدات محتملة، مشروطة بانضباط السلاح ضمن «الدولة الشرعية» ووقف التهريب على المعابر. إلّا أنّ الإشارات المبطّنة في كلام برّاك أوحت بأكثر من ذلك.
في مؤتمره الصحافي، أثنى برّاك على تجاوب الحكومة اللبنانية، قائلاً إن الرد على الطرح الأميركي كان «مذهلاً وفي وقت قياسي»، لكنه سرعان ما وصف حزب الله بـ«الحزب السياسي»، وهذا بالطبع لم يكن مجاملة، بل هو محاولة ذكية لخلق تمايز داخل المؤسسة اللبنانية، وربما لإشعال خلاف داخلي بين من يريد مواجهة الحزب عسكرياً أو دبلوماسياً، ومن يرى أنه شريك أساسي في البنية السياسية.

وفي جانب آخر أثار تصريه جدلاً واسعاً، وطرح علامات استفهام حول نيات واشنطن الفعلية: هل تسعى إلى تقليم أظافر الحزب عسكرياً مع الإبقاء عليه كطرف سياسي شرعي؟ أم أن ما عُرض في بيروت هو جزء من تفاهمات دولية أكبر تتجاوز الداخل اللبناني وتطال العلاقة مع طهران وسواها؟

رأت مصادر مطّلعة على مضمون الاجتماعات أنّ مواقف برّاك تعني عملياً فتح الباب أمام اندماج الحزب الكامل في الحياة السياسية اللبنانية، مقابل التخلّي التدريجي عن الدور المسلح. وهذا طرح كانت باريس قد لمّحت إليه سابقاً، إلّا أن التصعيد الميداني الإسرائيلي في الجنوب عشية وصوله، عكس أجواء وكأن واشنطن أرادت الضغط على لبنان لتعديل بعض مواقفه، ولا سيما أن واشنطن بدت في الآونة الأخيرة وكأنها تعتمد أسلوب «العصا والجزرة» لإعادة ضبط التوازن في لبنان، مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. لكن الأهم أن هناك تحوّلاً في الخطاب الأميركي: من المطالبة بنزع السلاح الفوري، إلى تقديم عرض واقعي يستند إلى الشراكة السياسية.

على المقلب الآخر، قرأ بعض السياسيين من اصحاب النيات الحسنة في كلام برّاك اعترافاً أميركياً ضمنياً بقوة الحزب ووزنه الشعبي والسياسي، مع محاولة احتوائه بدل مواجهته. ما يعني أن واشنطن لا تسعى بالضرورة إلى إلغاء الحزب، بل إلى إدخاله في «قواعد اللعبة»، وفقاً لمنطق الدولة لا المقاومة.
ويعتبر هؤلاء انه في ظل الانقسام الداخلي حول سلاح «حزب االله»، فإن الطرح الأميركي يلقى قبولاً نسبياً لدى بعض القوى السياسية التي ترى في نزع السلاح بشكل تدريجي، ضمن صفقة دولية متكاملة، مخرجاً يحفظ التوازن الداخلي، ويحمي البلاد من حرب جديدة تلوح في الأفق.
بغض النظر عن موقف هذا الفريق أو ذاك من اللبنانيين كان من اللافت أن السفير برّاك أشار إلى أنه لم يُنهِ قراءة الرد اللبناني بكامله، ومع ذلك أعلن «رضاه الكبير» و«الامتنان».
هذا التناقض الظاهري يعكس حقيقة واضحة ان الملف اللبناني لم يعد يُدار فقط من واشنطن، بل بالتنسيق شبه الكامل مع تل أبيب.

وباتت تُطرح في الكواليس، تساؤلات عما إذا كانت واشنطن تتجه فعلاً إلى سحب يدها من الوساطة، وترك الأمر للبنانيين كي يصطدموا ببعضهم البعض.
ما بعد زيارة برّاك هناك سيناريوهات مفتوحة، أولها مهلة جديدة مشروطة: تعطي واشنطن بيروت فترة محددة لإظهار تقدّم ملموس في ضبط القرار العسكري والسياسي.
ثانياً: مواجهة دبلوماسية ناعمة: قد تتخذ واشنطن خطوات تصعيدية، مثل تقليص المساعدات أو توجيه اتهامات علنية ضد شخصيات لبنانية، كأداة ضغط على الدولة.
ثالثا: تدويل الأزمة اللبنانية: في حال فشل الدولة في التقدم، قد يُطرح لبنان على طاولة التدويل الأمني - السياسي، مع فرض آليات رقابة أممية أو أوروبية على الموانئ والحدود.

من الواضح أن برّاك رمى الكرة في ملعب الدولة، لكنها كرة ملتهبة، وإذا لم تُحسن السلطة اللبنانية التعامل معها بحكمة ودقّة، فإن مرحلة ما بعد برّاك قد تكون مواجهة غير معلنة، تبدأ من الداخل وتتمدّد إلى علاقات لبنان الإقليمية والدولية.
وسواء كان تصريحه زلّة مقصودة أو رسالة مبطّنة، فإن فحواه يؤشر إلى تحوّل في المقاربة الأميركية تجاه حزب االله، من منطق المواجهة إلى منطق الاحتواء السياسي المشروط. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل قرأت قيادة الحزب هذا الطرح كفرصة أم كتهديد؟

ويبقى أن الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كانت «القطبة المخفية» في كلام المسؤول الأميركي مقدمة لتسوية كبرى، أم مجرد محاولة أميركية لربح الوقت قبل اشتعال الجبهة ما بين لبنان وإسرائيل مجدداً.

حسين زلغوط
اللواء

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا