محليات

سوريا “الحرّة” تسبق لبنان “المُكبّل” نحو المفاوضات مع إسرائيل!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يبدو الرئيس السوري أحمد الشرع متحرّراً من القيود الداخلية والخارجية في حركته السياسية، خصوصاً بعدما طرد الاحتلال الايراني والميليشيات التابعة له من بلده. لذلك، أدهش المجتمع الدولي بخطواته السريعة نحو بدء مفاوضات علنية مع إسرائيل، في حين يبدو لبنان الرسمي مكبّلاً بسلاسل “حزب الله” ومحوره الايراني، فلا يجرؤ أحد على بدء التفاوض مع إسرائيل، على الرغم من وجود مشكلات حدودية كبيرة بين البلدين.

لا شك في أن مشروع الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب طموح جداً لجهة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بل التوصّل إلى اتفاقيات سلام ضمن إطار “اتفاقيات إبراهام”، لكن من يتأمّل في مشهدية الشرق الأوسط، يدرك أن الأمور ليست بهذه السهولة، وسط ضبابية تحيط بالمفاوضات الأميركية- الايرانية، واحتدام الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، ما يجعل المصير غير واضح حتى الآن.

يتصرّف الشرع بعقلانية وذكاء ملحوظ، وقد استثمر زيارة ترامب إلى السعودية ليُثبت انفتاحه على المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً وأساسياً: رفع العقوبات عن سوريا. ويؤكّد ديبلوماسي غربي سابق مطّلع أن هذا الأمر لم يكن ليحدث لولا موافقة الشرع على شروط ترامب، رجل الأعمال الماهر في عقد الصفقات. وكان الشرع مهيّأ نفسياً للتنازل أمام كل شروطه، مدركاً أن مفتاح “الفرج” السياسي والاقتصادي في سوريا هو رفع العقوبات. لذلك، جاء طلب ترامب الأول استعداد سوريا للانضمام إلى “اتفاقيات إبراهام”، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتصدي للعناصر الارهابية داخل البلاد. إلا أن رفع العقوبات هو عملية فنية معقّدة تستغرق وقتاً وتتم تدريجياً، وهو حتى الآن إعفاء مؤقت لمدة ستة أشهر، ستُراجع بعدها الادارة الأميركية قرارها بتجديد الإعفاء أو إعادة فرض العقوبات.

واللافت أن موافقة الشرع على هذه الشروط أحرجت إسرائيل، التي كانت تواصل قصفها وقضمها للأراضي السورية. فأي مفاوضات للتطبيع أو لمعاهدة سلام بين الدولتين ستؤدي إلى انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة التي ينتشر فيها جيشها داخل سوريا، إضافة إلى وقف الضربات الاسرائيلية على الأراضي السورية.

أدرك الشرع أن مواجهة إسرائيل عسكرياً ستكون خاسرة له، نظراً إلى التفاوت الكبير في القدرات العسكرية. وقد تعلّم كثيراً من الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”حزب الله”، لذلك، على الرغم من العدوان الاسرائيلي المتكرر على بلده، حرص على توجيه رسالة تصالحية الى إسرائيل والمجتمع الدولي، مؤكداً أن سوريا لا تشكّل تهديداً.

منذ تولّيه السلطة، عمل الشرع بنشاط على إقامة علاقات ديبلوماسية مع الدول الاقليمية والغربية، واضعاً هدف تأمين المساعدات والدعم في سلم أولوياته، خصوصاً أن كلفة إعادة إعمار سوريا تُقدّر بين 400 و600 مليار دولار، ما يوضح أن مستقبلها يعتمد على دعم دولي واسع وطويل الأمد. ولعل فطنة الشرع دفعته الى اكتشاف كلمة السرّ: التطبيع مع إسرائيل، وإدراكه أن الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط له ترامب يقوم على “اتفاقيات إبراهام”.

هكذا يمكن فهم التزامات الشرع تجاه الغرب وإسرائيل ضمن سياقها الكامل، باعتبارها نابعة من رغبة سوريا في تقديم صورة مطمئنة للدول الغربية، تؤدي إلى فتح خزائنها لإعادة الإعمار وتأمين الاستقرار والازدهار الاقتصادي.

في المقابل، يؤكّد الديبلوماسي الغربي السابق أن الشرع يواجه مشكلات داخلية عدّة، أبرزها مع الأقليات كالدروز والعلويين والأكراد والمسيحيين، الذين يشتكون من “تجنيس” بعض المتطرّفين الأجانب من معتنقي الفكر الاسلامي الأصولي، الذي لا يزال ولاؤه للنظام الجديد موضع شك. وهناك توجّه، بغطاء أميركي، لاستيعاب هؤلاء في الجيش السوري، شرط أن يتم ذلك بشفافية.

يعلم الجميع أن موقف الشرع المنفتح تجاه إسرائيل لا يعكس بالضرورة تحوّلاً عميقاً في الأيديولوجيا أو السياسة، بل هو استجابة لضرورات المرحلة. فالنظام الجديد لا يستطيع حالياً تحمّل مواجهة مباشرة مع إسرائيل. الأولوية الآن هي إعادة إعمار سوريا، وبناء مؤسسات الدولة، وتأمين الدعم الخارجي.

لكن، هل تضمن هذه الصورة المعتدلة ألا يتحوّل هذا النظام إلى العداء لإسرائيل مستقبلاً؟ يجيب الديبلوماسي الغربي: “حتماً لا شيء يضمن، لكن لن يكون ذلك بسبب السياسة الاسرائيلية، بل بسبب الأيديولوجيات والمعتقدات الاسلامية المتطرفة التي ترتبط بها القيادة الجديدة”. إلا أن التجربة المصرية في إبرام اتفاقية مع إسرائيل تشكّل نموذجاً ناجحاً؛ فعلى الرغم من اغتيال الرئيس أنور السادات، استمرت الاتفاقية حتى اليوم، مع رفض “الإخوان المسلمين” لها. الدولة المصرية العميقة حافظت عليها، وربما هذا ما سيحدث في سوريا، حتى لو تغيّر الشرع في المستقبل.

لا شك في أن إسرائيل لا تعتمد على وعود الشرع وتصريحاته، بل ستحكم على أفعاله. ويعتبر الديبلوماسي أن عبء الإثبات يقع على عاتق الشرع. فعلى الرغم من انفتاحها على المفاوضات مع سوريا، إلا أن إسرائيل ستستمر في تطبيق تكتيكاتها العسكرية الوقائية، للحفاظ على أمن حدودها وفق سياسة الردع، وستواصل تدمير مخزونات الأسلحة والمعدات العسكرية (وربما الأسلحة الكيميائية) التي تُركت بعد سقوط نظام الأسد، لمنع وقوعها في الأيدي الخطأ واستخدامها لاحقاً ضدها.

تعب السوريون، على اختلاف طوائفهم، من الحروب. لذلك لم تظهر أي معارضة تُذكر لسياسة الشرع تجاه إسرائيل واستعداده للتطبيع معها، علماً أن التهديد الايراني لا يزال قائماً، ولو ضعيفاً، عبر إثارة الاضطرابات في سوريا. وربما يفكّر الشرع في أن التعاون مع إسرائيل قد يقطع الطريق على عودة إيران لزعزعة نظامه.

من جهتها، لا تستبعد إسرائيل خيار التطبيع مع النظام الجديد في سوريا، بحسب الديبلوماسي الغربي، لكنها لن تتسرع، إذ تريد التأكد من استمرارية هذا النظام وتعزيز سلطته داخلياً وخارجياً، والأهم أن يعترف بمطالبها في الحفاظ على أمنها وإزالة التهديدات.

من جهة أخرى، فإن ما تطلبه الادارة الأميركية من سوريا مطلوب أيضاً من لبنان، وهو بدء المفاوضات مع إسرائيل بما يفضي إلى تطبيع العلاقات. لكن العائق الأساسي يبقى “حزب الله” والمصالح الايرانية أولاً. فـ”الحزب” لا يُبدي أي تساهل عقائدي تجاه التفاوض مع إسرائيل، لا سيما في ظل استمرار الاحتلال لبعض النقاط الاستراتيجية في الجنوب، واستهداف إسرائيل المستمر لكوادره.

ويشير الديبلوماسي الغربي إلى أن لبنان الرسمي تأثر بهذا الموقف، ولا يزال مكبّلًا بأدبيات “الحزب” وعدائيته تجاه إسرائيل، خصوصاً أن تطبيع العلاقات من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في لبنان اليوم، في ظل استمرار الحرب على غزة، على الرغم من معرفة المسؤولين اللبنانيين بأن التطبيع قد يشكّل مدخلاً لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، ووسيلةً لحمايته من أي هجمات إسرائيلية مستقبلية.

ربما يطمح اللبنانيون، حتى السياديون منهم، إلى العودة إلى اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، الموقّعة في 23 آذار 1949، بوساطة الأمم المتحدة، والتي نصّت على “وقف الأعمال العدائية” وترسيم خط الهدنة.

لكن لا يُعرف إلى أي مدى سيتمكّن الرؤساء الثلاثة في لبنان من الصمود في وجه الضغوط الأميركية لبدء المفاوضات مع إسرائيل، خصوصاً أن المقاربة الأميركية تروّج لفكرة أن التطبيع مع تل أبيب يخدم القضية الفلسطينية، ويعزز التعايش السلمي، ويوفر وعوداً بالازدهار الاقتصادي، فيما يراه محور “الممانعة” جزءاً من خطة أوسع لتفكيك مقاومة الاحتلال.

يحاول رئيس الجمهورية جوزاف عون، تفادي هذه الكأس المُرة، التي قد تؤدي إلى انقسامات داخلية، ويضع شرطاً أساسياً لبدء أي مفاوضات حدودية، وهو انسحاب إسرائيل من النقاط الاستراتيجية في الجنوب، بينما تشترط إسرائيل نزع سلاح “الحزب” بالكامل قبل أي انسحاب. وهنا يجد اللبنانيون أنفسهم أمام معضلة “الدجاجة والبيضة”.

ويروي الديبلوماسي الغربي نكتة للتوضيح: انضم ابن محامٍ إلى مكتب والده كمساعد. وبعد بضعة أشهر، قال لوالده بفخر: “أبي، أتذكر القضية التي طالت 20 عاماً؟ لقد أنهيتها أخيراً!”. قفز الأب من مقعده صارخاً: “ماذا؟ هذه القضية هي التي أبقت شركتنا قائمة طوال تلك السنوات، لولاها، لكنا أفلسنا!”.

ويعلّق الديبلوماسي قائلاً: “حزب الله” هو مكتب المحاماة، والقضية التي عمرها 20 عاماً هي إسرائيل. فـ”الحزب” له مصالحه الخاصة في لبنان، بغض النظر عن إسرائيل. وما يسمّى “المقاومة” يمنحه الذريعة للاستمرار بوضعه الحالي، كدولة داخل الدولة، بجيش خاص يفوق في بعض الجوانب قدرات الجيش اللبناني، ويتسلّط على بقية المكونات، متوعداً بعدم العبث مع الشيعة، مع أن لا أحد من اللبنانيين لديه مشكلة مع الشيعة، بل مع سلاح “الحزب” فقط، وهنا بيت القصيد!

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا