الشرع سبق عون والسعودية سبقت تركيا!
السعودية تسرع الخطى نحو سوريا لاستعادة ركن أساسي في العالم السني، وايران تستعيد الخطى نحو بيروت لضخ الروح في ركن أساسي في العالم الشيعي.
قد يكون في هذا الانطباع بعض المبالغة لكنه لا ينفي الوقائع التي تؤكد أن السعودية لم تكن في زمن بشار الأسد كما هي اليوم في زمن أحمد الشرع، وأن ايران لم تكن في زمن حسن نصر الله في الأمس كما هي اليوم في زمن نعيم قاسم، اذ ان ما أصاب محور الممانعة بعد “السابع من أكتوبر” نقل الشرق الأوسط من مكان الى آخر، وفتح الأبواب على قرارات وخيارات كانت حتى الأمس القريب من المستحيلات وربما من المحرمات.
وليست زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الى دمشق بعد أيام على رفع العقوبات الأميركية والغربية عن سوريا بضغط من الرياض، وزيارة وزير الخارجية الايرانية عباس عراقجي الى بيروت في عز مفاوضات صعبة مع واشنطن وتوتر متصاعد مع تل أبيب والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الا انعكاساً لهذا السباق الاقليمي نحو حجز مقاعد متقدمة وصلبة في خريطة الشرق الأوسط المرتقب وحسم الصراعات المذهبية والعرقية المزمنة لمصلحة هذا أو ذاك.
وليس سراً في هذا المجال أن السعودية تمكنت، ضمن رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من الانتقال من دولة نفطية غنية الى لاعب استراتيجي أساسي قادر على تغيير مسارات أو صنع مسارات في الكثير من الملفات الاقليمية والدولية المعقدة والساخنة، والى قوة اسلامية سنية قادرة على قطع طريق الانتشار الشيعي الايراني في مكان والتوسع السني التركي في مكان آخر، والى قوة عربية قادرة على انتزاع تنازلات من تل أبيب في مقابل سلام دائم مع العرب.
وليس سراً أيضاً أن الرياض التي ذاقت من الحوثيين ما ذاقت، ونالت من “حزب الله” ما نالت وعانت من المنافسة التركية ما عانت، لن تهدر واحدة من أندر الفرص التي تشهدها المنطقة منذ بدء الصراع العربي- الاسرائيلي في العام ١٩٤٨، أي فرصة القيادة العربية التي تملك أو توفر تأشيرات الحل والربط في الكثير من القضايا الجوهرية، وتحديداً قضية الدولة الفلسطينية المستقلة، ومسألة التطبيع مع الدولة العبرية.
فالسعودية لم تنسَ وقوف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع ايران في حربها مع العراق، ولا وقوف نجله المخلوع بشار الأسد الى جانب الايرانيين خلال الحرب مع الحوثيين في اليمن، والى جانب حسن نصر الله عندما كان يشتم ملوكها ويفتح قنوات السلاح والكبتاغون الى أراضيها، اضافة الى شراكته معها في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتحويل لبنان وسوريا معاً من محطة عربية صديقة الى محطة شبه فارسية معادية أو الى كمين يجعل كل خليجي هدفاً معرضاً لكثير من الألغام والمخاطر.
ولا يعني هذا الانفتاح السياسي والاقتصادي والطائفي على سوريا الجديدة، أن السعودية تمارس سياسة الثأر والاقتصاص، بل سياسة الامساك بفرصة طال انتظارها ألا وهي سحب سوريا من حضن الامام خامنئي، وسحب “حزب الله” منها، اضافة الى تخيير الشرع بين أمرين: اما “عثمنة” بلاده بدل تعريبها، والمخاطرة بصراع على أراضيه بين اسرائيل و”الاخوان المسلمين” الذين يقودهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، واما الرهان على الرياض التي تملك مفاتيح العودة العربية والغربية الى دمشق، ومفتاح الاستقرار بينها وبين جيرانها في لبنان والأردن خصوصاً والعراق عموماً، اضافة الى مفتاح التطبيع مع اسرائيل الرابضة في جنوب البلاد على بعد عشرين كيلومتراً من دمشق.
ونقل عن مصادر ديبلوماسية عربية أن على الشرع تحديد خياراته سريعاً، فاما يكون عربياً ويحصل على المال من أجل الاعمار، واما يكون تركياً ويحصل على السلاح من دولة قد تجرّه الى صراعات تمتد من مناطق الأكراد، وتمر في اسرائيل ولا تنتهي في أوروبا وحلف الأطلسي اللذين يريان في الرئيس التركي عضواً لا يمكن أن يكون عدواً تجوز محاربته، ولا حليفاً يُعتد به بمقدار ما يمكن أن يكون “اخوانياً” يسعى الى أسلمة القارة العجوز بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع ايران والمنظمات الأصولية الاسلامية.
واذا كان فيصل بن فرحان يعرف ماذا تريد بلاده من الشرع، فماذا يريد عراقجي من لبنان وتحديداً من “حزب الله” الذي ينتظر من طهران آخر التعليمات والتوجيهات في ما يتعلق بأمرين: الأول النتائج الايجابية أو السلبية للمفاوضات النووية مع أميركا، والثاني مستقبل سلاح “المقاومة الاسلامية” وموقعها الشعبي قبل عام من الانتخابات النيابية في بيروت؟
ويقول مصدر قريب من الضاحية الجنوبية ان أحداً لا يعرف من يحتاج الى من أكثر، هل هي ايران أم هل هو “حزب الله”؟ اذ ان عراقجي يأتي الى العاصمة اللبنانية وفي جعبته أمران، الأول توظيف ورقة الحزب اما لترهيب من يضيّق عليه في الموضوع النووي، واما لبيعها للأميركيين في مقابل اتفاق نووي يحرر طهران من العقوبات، والثاني توجيه رسائل في غير اتجاه ومنها في اتجاه اسرائيل تقدم اما رأس “حزب الله” ثمناً للاحتفاظ بالمشروع النووي سالماً، واما اقناع حليفه اللبناني بالتمسك بسلاحه وعدم التجاوب مع أي مسعى رسمي لبناني أو أي ضغوط أميركية لتطبيق القرار ١٧٠١ وتحديداً القرار ١٥٥٩ في محاولة لكسب مزيد من الوقت وتحسين الشروط والمواقع.
وليست الغارات الاسرائيلية على مواقع في سوريا بعد غياب لافت، الا اشارة تحذير للوزير السعودي والموفدين الغربيين من أي اتفاق مع الشرع لا يمهد أولاً لتطبيع كامل مع سوريا، ولا يتضمن ثانياً قطع الطريق على تركيا، ولا يتعهد ثالثاً بالقضاء على تنظيم “داعش” و”الاخوان المسلمين”.
وأكثر من ذلك، ليست الغارة الاسرائيلية التي منعت وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وتركيا من دخول رام الله الا تحذيراً من أي محاولة لتسويق اقتراح الدولتين كثمن لطي الملف الفلسطيني المشتعل.
الشرع فهم الرسالة وبعث سريعاً بتطمينات علنية نحو تل أبيب وتوجه الى الكويت سعياً الى مزيد من الانفتاح والتقرب من العرب، مؤكداً يوماً بعد يوم أنه صاحب مشروع سياسي أكثر منه مشروع حربي أو عقائدي مقفل، وأنه أقفل أسوار سوريا تماماً أمام أي محاولة من ايران لاعادة تركيب هلالها الشيعي.
وحده الرئيس جوزاف عون لا يريد أن يصدق أن البناء من دون تنازلات في مكان ومواجهات في مكان آخر لن يكون أمراً ممكناً كرمى لأحد، متجنباً التفاعل مع النصائح الأميركية والعربية على الرغم من الخيبات التي أعقبت زياراته العربية والغربية في تحرك يصفه البعض بأنه “حركة بلا بركة”.
ويختصر مصدر ديبلوماسي عربي هذا المشهد بالقول ان عون يتجاهل الحقيقة التي تقول ان أحمد الشرع سبقه الى العالمية متسلحاً بشعار: أي شيء من أجل بناء سوريا، ويصر على التمسك بالشعار الذي يقول: سأتمسك بأي شيء لا يقود الى تباعد مع الرئيس نبيه بري أو أي صدام مع “حزب الله” الذي أقفل كل أبواب لبنان أمام من يريد فتح ترساناته أو فتح ملفاته لا فرق.
انه قدر لبنان في المنعطفات الفاصلة وقدره مع السائقين الذي يفضلون السقوط في الهاوية بدل القيادة بأقصى سرعة ممكنة.
أنطوني جعجع - لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|