الصحافة

لبنان والسلاح: جمهورية مع وقف التنفيذ!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في ظلّ التغيّرات المتسارعة في المشهد الإقليمي، يبدو لبنان وكأنّه يدور في حلقةٍ مفرغةٍ من الجمود والتآكل الداخلي، فيما محيطه العربي يشهد خطواتٍ متقدمةً نحو التعافي واستعادة الدور، بعد سنوات من الصراع والعقوبات. وبينما تدخل سوريا مسار إعادة الإعمار واستعادة السيادة، يبقى لبنان رازحًا تحت سطوة السلاح غير الشرعي، في معادلةٍ تختزل جوهر المأزق اللبناني: غياب القرار السيادي لمصلحة قوى الأمر الواقع.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يطفو ملف السلاح على سطح النقاش الوطني، لا من باب الترف السياسي، بل كضرورةٍ وجوديةٍ لقيام الدولة اللبنانية. السلاح، سواء ذاك الذي تتحكّم به حركة “حماس” في المخيمات الفلسطينية أو ذاك الذي يحتفظ به “حزب الله”، بات أداةً بيد الخارج، وتحديدًا بيد إيران، التي تستثمر تعدّد الميليشيات ضمن الإقليم كورقة تفاوضٍ مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد جاء تأكيد “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مطالبة طهران بـ”ضماناتٍ” حول رفع العقوبات بعد الاتفاق النووي ليُسلِّط الضوء مجدّدًا على استخدام هذه التنظيمات كأوراق ضغط على طاولة المساومات الدولية.

لكن ما تغيّر في الداخل اللبناني هو تراجع هيبة تلك التنظيمات في الرّأي العام، وفقدانها الكثير من القدرة على ترهيب اللبنانيين أو فرض سرديّتها كخيارٍ وحيد. التصريحات الاستعلائية التي صدرت مؤخّرًا عن مسؤولين في “حزب الله” لم تعد تلقى آذانًا صاغيةً، بل باتت تُقابَل بسخريةٍ أو لامبالاةٍ، في وقتٍ تبدو فيه بيئة الحزب السياسية في حالة إفلاسٍ حقيقيّ، بعدما تسبّبت سياساته في توريط لبنان بحروبٍ وخصوماتٍ خارجيةٍ دفع اللبنانيون ثمنها تهجيرًا وتشريدًا ودمارًا… ودماءً.

وفيما تشهد العواصم العربية الانخراط في مشاريع تنمويةٍ تقارع المستقبل، يستمرّ لبنان في التراجع نحو العزلة، مع ما يشبه الموت السريري للدولة، بسبب انعدام القرار المركزي الصّارم للضرب بيدٍ من حديد، ووضع حدٍّ لوقوف قوى الأمر الواقع، حجر عثرةٍ أمام أي مشروع نهوض، والسعي إلى تقويض أي مبادرة ترمي إلى فرض هيبة الدولة.

الرّهان على التعايش مع السلاح الموازي أثبت فشله منذ 1975 مرورًا بـ 1990 و2005 حتّى اليوم. المُهادنة الطويلة، وتجنّب الصدام، لم تؤدِّ سوى إلى توسيع نفوذ الميليشيات وتعطيل الإصلاحات. وقد بات واضحًاً أنّ كلفة الاستسلام للأمر الواقع أعلى بكثير من كلفة المواجهة المؤسّساتية. إنّ التمسك بتطبيق الدستور أولًا، لا يمكن أن يكون انتقائيًا، والسكوت عن وجود سلاح خارج إطار الشرعية يعني ببساطة التخلّي عن مشروع الدولة.

أمّا محاولة بعض القوى ربط حل السلاح الفلسطيني بالعودة، و”حزب الله” بـ”القدس”، فلا تعدو كونها ذريعةً لتأبيد حالة الشلل والفراغ، وذرّ الرماد في العيون، وتمييع الالتزام بتطبيق القرارات الدولية، وتحديدًا 1559، و1680، و1701. فالدولة لا تقوم على وهم الانتظار أو تسويف القرارات المصيرية. كما أنّ استخدام المخيمات الفلسطينية كأوراق ضغطٍ داخليةٍ أو ساحاتٍ رديفةٍ لصراعات الحزب مع الخارج، يُعدّ انزلاقًا خطيرًا يهدّد استقرار البلاد والسلم الأهلي، ولن يصبّ في مصلحة أي طرف.

في المقابل، يبرز اليوم في المشهد اللبناني رصيد ثقةٍ يتنامى تجاه المؤسسة العسكرية، كرمزٍ نقيضٍ لمرحلة الانهيار، وبوصف القائد الأعلى للقوات المسلّحة، الرئيس العماد جوزاف عون، واجهةً لمشروع الدولة القادرة والعادلة. غير أن الجيش، مهما بلغت جاهزيته، لن يتمكّن من أن يكون الحامل الوحيد لاستعادة الدولة ما لم يُدعَّم بموقفٍ سياسيّ موحّدٍ، يُترجَم عبر إرادةٍ وطنيةٍ لفرض حصرية السلاح، وتحرير القرار اللبناني من الارتهان الإقليمي – الإيراني.

الخيارات أمام “حزب الله” لم تعدْ كثيرةً: فإما الانخراط في مشروع بناء الدولة، بوصفه مكونًا أساسيًا في التركيبة اللبنانية، وإمّا الاستمرار في سياسة المكابرة والمواجهة “الدون كيشوتية”، مع طواحين الهواء، مع ما يعنيه ذلك من مواصلة دفع البلاد إلى المزيد من العزلة والانهيار. فالمعادلة لم تعد تحتمل تأويلًا: إمّا أن يُسلَّم السلاح وتعود الإمرة للدولة، وإمّا أن تبقى هذه الإمرة بيد إيران، بانتظار الضربات المتلاحقة التي تُتقن إسرائيل توجيهها حيث تشاء، وفي التوقيت الذي يناسبها.

إنّ قيام الدولة لا يمكن أن يتحقّق بتكرارٍ قاتلٍ لأخطاء الماضي الأليم. فسيادة الدولة لا تتجزّأ، وخيار العودة إلى منطق الدولة يحتاج إلى شجاعةٍ في اتخاذ القرار، لا إلى المزيد من المواقف الاعلامية والتسويات الهشّة التي أنتجت هذا الخراب المتراكم.

 طوني كرم -”هنا لبنان”

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا