الصحافة

وليد جنبلاط ولبنان الكبير

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يخطئ من يتصرف على أساس أن ما يجري في سوريا هو شأن سوري داخلي فقط، أو مسألة تخصّ مذهباً أو طائفة أو مكوناً واحداً فقط. كل دول الجوار معنية، وكل العرب والمسلمين معنيون. الفتن المذهبية نار إن اشتعلت لا تقف عند حد معين بل تلتهم كل شيئ.

فعندما نرى إسرائيل تستبيح وتدمر كل شيئ، وتتدخل في كل شيئ، لتمنع قيام الدولة وعمرها لا يتجاوز الأشهر، تريد إسقاط كل العناصر الضرورية لانطلاقة جدية بعد عقود من الظلم والقهر والاستبداد مع بداية حكم البعث ثم حكم الأسدين وما خلّّفه ذلك، وعندما نرى دولاً تضع دفتر شروط للإدارة الجديدة يتوافق مع مصالحها، وفي طليعتها بقاء إسرائيل الدولة المتفوقة في المنطقة، وعندما نلمس أن اللعبة تتجه نحو خلق الفتن المذهبية والطائفية في سوريا، في سياق خطة تنفيذ مشروع التفتيت والتقسيم، وتحويل دول المنطقة إلى دويلات ومحميات طائفية تتلاعب إسرائيل بأمنها واستقرارها، فتجذب إليها هذا الفريق أو ذاك تحت ذريعة حماية أو تأمين مقومات صموده أو استمرار حكمه، مع تقدّمها العسكري والتكنولوجي، وتمدّدها في كل المنطقة بعد تصفية القضية الفلسطينية، ومع الدعم الأميركي اللامحدود الذي تتلقاه.. فأبسط الأمور أن يفكر العاقل فينا أن هذا المشروع لن يقف عند حدود معينة. ومن الوهم الاعتقاد ان اتفاقات بـ"المفرّق" مع إسرائيل وشروطها، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات، يمكن أن يحمي أحداً.

إسرائيل لا تحترم اتفاقات والتزامات وأخلاقيات. العلاقة معها قائمة على: هي الدولة المقرّرة. السيدة. القوية. القادرة على كل شيئ. وشروطها هي النافذة. الغرب أبدى ارتياحه لنظرية التغيير في سوريا، ولكنه لم يقدّم شيئاً للإدارة الجديدة سوى دفاتر الشروط التي يجب أن تلتزم بها. بدأت بالالتزام بعدة بنود ولم تقدّم لها شيئاً. والكل يتفرج على استباحات إسرائيل اليومية ومحاولاتها تدمير مقومات الدولة والتحريض المذهبي والطائفي. تتحدث عن الإرهاب وهي دولة الاغتصاب والإرهاب. تتحدث عن الحريات وهي دولة العنصرية والكراهية. تتحدث عن الأقليات وهي دولة التمييز داخل الكيان حتى على عدد من اليهود، وعدد آخر منهم في الداخل والخارج وخصوصاً في الولايات المتحدة من يتهمها بذلك.

نحن في لبنان معنيون بما يجري. تداعيات المشاكل والمواجهات في سوريا تعنينا مباشرة بعد سنوات من سوء إدارة العلاقات اللبنانية السورية والهيمنة السورية على كل شيئ، والخصوصيات المذهبية والطائفية والذهاب في مراحل معينة إلى الحديث عن أحلاف أقليات، ثم في مراحل أخرى إلى البحث عن حماية مكوّن في السلطة على حساب أبناء البلد، ولو بإرسال تطمينات وتعهدات والتزامات إلى إسرائيل. ولذلك، أي فوضى أو صراع ذي بعد مذهبي أو طائفي في سوريا ينعكس حكماً على لبنان. فكيف بعد احتقان كبير في الداخل اللبناني لأسباب كثيرة، منها تدخل طرف لبناني إلى جانب النظام السوري وبانسجام تام مع مصالح إيران في وجه غالبية السوريين، ومن بينهم المكوّن الذي قاد عملية التغيير ويشعر بالانتصار اليوم؟

محق الرئيس الشرع عندما يقول: "الفوضى في سوريا تلحق الضرر بالعالم أجمع وليس فقط بدول الجوار". التغيير كان كثيرون ينتظرونه، والتركيبة الجديدة معنية بتنفيذ ما قاله رئيسها: لا مكان لتصفية الحساب. معنية بجمع المكونات السورية، لاسيما وأننا لم نسمع كلمة في سوريا خارج إطار التمسك بالدولة الواحدة شعباً ومؤسسات، وبالحرص على التنوّع، والإجماع الأكبر هو على رفض الاستباحة الاسرائيلية وعدم الاستقواء بالخارج، وإن كان ثمة قلة قليلة من الناس بالقياس مع عدد سكان سوريا تعبّر عن قلقها مما جرى في الساحل وفي السويداء وجرمانا، لتهرب إلى "الحماية" الإسرائيلية المزعومة، فتتورّط وتورّّط معها أهلها وبلدها.
التركيبة الجديدة في سوريا معنية مباشرة بتطمين الجميع وبوضع حد للتفلّت. نعرف أنها بحاجة إلى وقت، لكن الإسرائيلي يكاد يسبق الوقت، والعربي غير مؤثر فعلياً حتى الآن، ونظرته للأمور قصيرة. الدولة في لبنان معنية وقد بدأت بخطوات ولو متواضعة ولكنها ضرورية ويجب أن تتطور. واللبنانيون كل اللبنانيين معنيون بذلك أيضاً، صوناً لأمن واستقرار بلدهم. أما الذي تكون الكراهية دليله، والعنصرية سبيله، والتفتيت مقصده، والحقد مرشده، وروح الشماتة والانتقام عنوانه، والعبثية بيانه، وعقل الكهوف محركه، فهو يورّط بيئته وأهل بلده بمواقفه.

مرة جديدة أقول: نحن بحاجة إلى العقل الجماعي اللبناني لإنقاذ البلد. في هذا السياق تأتي حركة الزعيم الوطني وليد جنبلاط، لحماية سوريا ووحدتها وكل مكوناتها وليس فقط أبناء بني معروف الكرام، وليحمي لبنان وأمنه واستقراره، ويجنّبه تداعيات ما يجري في سوريا إن استمر. كفى البلد نزاعات وأحقاداً وكراهية وعنفاً وخراباً ودماراً، وتكاد إسرائيل لا تترك فيه شيئاً وتتحدث علناً عن مشاريع تفكيكه. الشجاعة هي في الإقدام في هذا الاتجاه، وتجاوز كل المشاعر والعواطف، والعمل بالتواصل والحوار المباشر إلى معالجة آثار ما جرى ومنع تكراره. هذا تحد كبير. التهوّر أمر خطير لكن الإقدام عليه سهل ويلّم "شعبياً" و"شعبوياً". أما الإحجام عنه والإقدام على التعقّل والتعاون والتفاعل مع الجميع أمر يستحق المعاناة. مرة جديدة وليد جنبلاط يعرف متى يُقدم ومتى يُحجم. عن ماذا يُحجم وعلى ماذا يُقدم، وهو بذلك يحفظ إرثاً وطنياً عربياً كبيراً رغم كل التهديدات والمخاطر، فهل يلاقيه الآخرون لحماية لبنان الكبير؟

غازي العريضي - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا