الصحافة

وليد جنبلاط… آخر الفرسان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

دائماً يفاجئنا وليد جنبلاط. يذهب بعيداً، يسبق الجميع، يلوّح لنا من مكان بعيد، من حيث لم نفكّر ولم نخطّط ولم نحلم أن نصل إلى ما وصل إليه في المبادرة والتفكير. هو الفارس العربيّ الأصيل كما سمّاه الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، والرجل اللمّاح كما كان يصفه صديقه رفيق الحريري الرئيس الشهيد.

من عادة السياسيين في لبنان أن يسيروا خلف نبض الشارع، وتحديداً شوارعهم. يتحاشون أيّ طرح أو خطاب أو موقف يتعارض مع موقف قواعدهم الشعبية ولسان حالهم يقول: “هذا ما يريده الناس”، أو “من الخطأ أن نغضب الناس”. وحده وليد جنبلاط لا يعير كلّ ذلك اهتماماً، ليس بسبب قلّة احترامه لشارعه وهو الغارق في القلق والخوف على شارعه وناسه، ولا قلّة ثقة بطريقة تفكير هذا الشارع، بقدر ما هو إدراك للّحظة والمخاطر والاستراتيجيات.

يذهب وليد جنبلاط بمواقفه إلى حيث لا يجرؤ الآخرون. صافح حافظ الأسد الذي أصدر قرار اغتيال والده. عضّ على الجرح من أجل “حفظ وحماية الإخوان*” واختار الصبر والصمود.  ثمّ صمد بوجه ابن حافظ  بشّار ورفض التمديد لإميل لحّود. جرؤ على وصف ساكن قصر المهاجرين بالقرد الذي تستعيذ منه القرود. ثمّ عاد إلى دمشق بعد حين، منتصراً، محتفلاً، فيما قاتِل والده بات يقبع في السجن وفي معصمه القيود.

الوداع والعودة

أشعرنا وليد جنبلاط في 16 آذار الأخير أنّه يودّعنا ويقرأ علينا وعلى نجله وصيّته وثوابته. فإذا بالأمس يصير “البيك” شابّاً ويعود مجدّداً إلى ساحات القتال والمواجهة. يقف وسط قاعة “الدار”، دار الموحّدين في بيروت، كما وقف تماماً لحظة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. على المنبر نفسه وفي القاعة عينها وفي المكان ذاته، وهو يدري أنّ مزاج الحاضرين ليس على التيّار نفسه. نظر إلى الوجوه وجهاً وجهاً، وتفحّص الأعين وانعقاد الحواجب، ووضع يده على شاربه، ثمّ وقف مخاطباً الجميع كما هو يريد، مطلقاً مفرداته الخاصّة لما يجب أن يُفعل ويزيد. خرج إلى الإعلام خارج القاعة، وتحدّث كما قال في الداخل شارحاً مفنّداً كيف يكون “حفظ الإخوان”.

من يجرؤ على فعل ذلك غير وليد جنبلاط؟

لطالما كان هذا الرجل يفكّر ويتحرّك ويعمل ويحالف ويخاصم من أجل “حفظ الإخوان”. مخطئ من يظنّ أنّ وليد جنبلاط متغيّر، متحوّل في مواقفه، لا يثبت في مكان. ومن قلّة الدراية ونقص الحنكة والخفّة وصفه بتلك الأوصاف عبر كلّ الأزمان.

الفرق بين وليد جنبلاط وغيره من الساسة وأشباه الزعماء في لبنان أنّه لا يخلط بين الثوابت والمتغيّرات. الثابت الوحيد عنده عروبة الموحّدين وغدهم ومصائرهم، وتحديداً توفير الحماية الدائمة “للإخوان”، فيما باقي الأمور والقضايا أحداث تمرّ مرور الكرام.

 

هاجس وليد جنبلاط

نعم، “حفظ الإخوان” في سوريا والأردن ولبنان هي هاجس وليد جنبلاط الدائم. لأجل ذلك قال عكس السائد عندما كانت الأقلّيات تحتفل وتنتشي على أنقاض سوريا والعراق واليمن، معتبراً أن لا مصلحة للدروز بحلف الأقلّيات. عمقهم في صلب الأمّة الإسلامية من مكّة حيث البيت العتيق وبصمات وحكمة شكيب أرسلان، وصولاً إلى المسجد الأمويّ حيث حكايا عروبة سلطان باشا الأطرش في كلّ زاوية ومكان. لأجل ذلك، كان أوّل الواصلين إلى دمشق لتهنئة الثورة السورية بانتصارها مكرّساً شراكة الموحّدين الدروز في هذا النصر وبناء سوريا الموحّدة الخالية من القهر والذلّ والهوان.

بالأمس وبعد معركة صحنايا وأشرفيتها، ذهب عقلاء الموحّدين في السويداء إلى نشر بيان يؤكّد وحدة سوريا والرغبة بالعيش بأمان تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، وأنّ السلاح والأمن بيد القوّة الشرعية، أي قوّات الأمن العامّ. ذهبوا في السويداء إلى ما قاله وليد جنبلاط منذ ثلاثة أشهر في قصر المهاجرين بحضور الشرع ورفاقه، وحينها انتقده الكثيرون لقصر نظرهم وعجزهم عن التفكير البعيد. ألم نقُل إنّه دائماً يسبقنا ويسبق الجميع إلى أفضل مكان.

بإمكان وليد جنبلاط أن ينام سنة كاملة ثمّ يستيقظ من دون أن يتغيّر عليه شيء، من دون أن يسبقه أحد، فهو الساكن في التاريخ والمتخصّص به، من دون أن تغفل عيناه عن الحاضر وما يحصل فيه، ومن دون أن يهمل الغد وغدرات الزمن التي توجد فيه.

الأمر ليس مستغرباً على وليد جنبلاط الفارس الأخير في جيل الزعماء.

*يمتاز الموحدون الدروز بصفات وخصال وتوجيهات خاصة منها ما هو مشترك مع باقي الأديان ومنها ما يحظى بتشديد مكثّف ومنها ما هو فريد من نوعه ومتّبع فقط في أوساط أهل التوحيد وفي القرى الدرزية في كافة التجمعات المعروفية الموجودة. ومن أهم هذه المزايا فريضة حفظ الإخوان والقصد هنا هو حفظ إخوان الدين أي حماية من يستطيع ذلك للإخوة المؤمنين بالتوحيد وتقديم المساعدة لهم عند الحاجة والذود عنهم ونصرتهم والتخفيف عنهم ومدّهم بالحاجيات التي تنقصهم وتشجيعهم ودفعهم إلى التغلّب على أي مشكلة وتجاوز أي محنة وتحقيق هدف نبيل بنّاء في المجتمع (الشيخ أبو صالح رجا نصر الدين/آذار 2019).

زياد عيتاني - اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا