الصحافة

جولة وزارة الخزانة: "أسلحة" ماليّة أميركيّة لم تُستخدم بعد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

باشر وفد وزارة الخزانة الأميركيّة جولته في بيروت، ليستهلّ لقاءاته بزيارة إلى قصر بعبدا، يليها اجتماعات ذات طابع تقني مع المسؤولين في مصرف لبنان ووزارة الماليّة. كبير مسؤولي العقوبات في الوزارة، الذي تقدّم الوفد، استبق الاجتماعات بتصريحات ذات دلالات لا يمكن التقليل من شأنها، حول استمرار التحويلات من إيران إلى حزب الله بعد انتهاء الحرب الأخيرة، في تلميح واضح إلى قصور إجراءات لبنان على مستوى الامتثال للعقوبات الأميركيّة. وقبل أيّامٍ قليلة من الزيارة، جاءت العقوبات الأميركيّة الجديدة لتعيد التركيز على الدور الذي يلعبه بعض رجال الأعمال وشبكات شركات الصيرفة، في إطار شبكات تمويل الحزب التي تلاحقها واشنطن. 

في أيدي الوفد الأميركي أسلحة ماليّة لم يتم استخدامها بعد. والتضييق على لبنان، لفرض الشروط التي تسعى إليها واشنطن، قد لا يتم على قاعدة "أبيض أو أسود"، بمعنى تخيير البلاد ما بين العزلة الماليّة التامّة أو استمرار الوضع القائم. بل ستكون واشنطن قادرة على التدرّج في استخدام وسائل الضغط المختلفة، وعبر أدوات ماليّة ونقديّة متنوّعة، من دون "قطع شعرة معاوية" دفعة واحدة. بهذا الشكل، وتمامًا كحال الضربات الأمنيّة اليوميّة التي يتعرّض لها لبنان، والتي لم تصل إلى مرحلة الحرب الشاملة، يمكن استخدام الأسلحة الماليّة بالطريقة نفسها لتوجيه الضربات المحدودة، التي تضغط على البلاد من دون أن تحاصرها اقتصاديًا بشكلٍ كامل.

العلاقة مع المصارف المراسلة

من المعلوم أن المصارف اللبنانيّة أصبحت عاجزة، منذ أواخر العام 2019، عن تقديم الغالبيّة الساحقة من الخدمات المصرفيّة البديهيّة، مثل الإقراض أو استقبال الودائع الطويلة الأجل، إلا ضمن حدود ضيّقة جداً. غير أنّ القطاع المالي اللبناني، ما زال مرتبطاً بالنظام المالي العالمي، عبر حسابات المصارف اللبنانيّة لدى المصارف الأميركيّة المُراسلة. هذه الحسابات، تُشكّل اليوم الرئة التي يتنفّس من خلالها الاقتصاد المحلّي، إذ يمرّ عبرها كل تحويل وارد أو صادر بالدولار الأميركي، بما فيها تلك التي تُستخدم لشحن الدولارات النقديّة إلى لبنان. والمصرف المركزي نفسه، يعتمد على المصارف المراسلة لإنجاز هذا النوع من العمليّات.

خلال سنوات الأزمة، تقلّص عدد حسابات المصارف اللبنانيّة لدى المصارف المراسلة، لأسباب عديدة من بينها: حذر المصارف الأميركيّة من التعامل مع اقتصاد عالي المخاطر مثل لبنان، وارتفاع رسوم هذه الحسابات بسبب ارتفاع مخاطرها، والملاحقات القضائيّة التي بيّنت حجم العمليّات غير المشروعة التي تورّط بها النظام المصرفي اللبناني. ولهذا السبب، لم يعد لدى الكثير من المصارف التجاريّة اللبنانيّة حسابات خاصّة بها لدى المصارف الأميركيّة المُراسلة، وباتت تستعين بخدمات مصارف لبنانيّة أخرى تمتلك هذا النوع من الحسابات، لإجراء التحويلات الصادرة والواردة.

ومع ذلك، ضاق الخناق لكن لم تنقطع قنوات العلاقة الماليّة بين لبنان والخارج، وظلّت هناك مصارف لبنانيّة قادرة على الاحتفاظ بعلاقة مباشرة مع المصارف الأميركيّة. إلا أنّ اللبنانيين شهدوا بعض عوارض التضييق الذي جرى، عبر ارتفاع رسوم التحويلات وزيادة التعقيدات البيروقراطيّة المحيطة بها. وعند إدراج على اللائحة الرماديّة لمجموعة العمل المالي، زاد الخناق أكثر فأكثر.

العديد من المصادر المصرفيّة تشير بشكلٍ متكرّر إلى أنّ قرار الإبقاء على علاقة لبنان بالنظام المالي العالمي "المدولر" هو قرار سياسي بالدرجة الأولى. وبالمثل، يمكن القول أنّ الإدارة الأميركيّة تملك مفاتيح فرض المزيد من الضغط على النظام المالي اللبناني، من خلال زيادة التعقيدات المحيطة بعلاقته بالمصارف الأميركيّة المُراسلة، من دون أن تصل الأمور إلى حد قطع هذه العلاقة بالكامل. 

يُعتبر العراق من الأمثلة الواضحة التي تشير إلى هذا النوع من الضغوط. فالعراق يمتلك احتياطات ضخمة بالعملة الصعبة، بما يلامس مستوى المئة مليار دولار أميركي. لكنّ القيود التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركي على حركة الدولار، من العراق وإليه، فرضت تقنين استعمال هذه الاحتياطات، للحد من تهريب العملة الخضراء إلى إيران. وهذا تحديداً ما يشكّل أحد أسباب تفاوت أسعار الصرف ما بين النظام المالي الشرعي والسوق الموازية، كما يمثّل أحد الإشكاليّات النقديّة التي يحاول العراق التعامل معها منذ سنوات. 

الاحتياطات وبرنامج صندوق النقد

بحلول بداية الشهر الحالي، بات لدى مصرف لبنان ما يقارب الـ 11.87 مليار دولار أميركي من الاحتياطات التي يرتبط أغلبها بودائع لدى المصارف الأميركيّة المراسلة أو توظيفات في أسواق المال الأميركيّة. وهذه الاحتياطات، التي تخضع لنفوذ واشنطن حالياً، تمثّل المصدر الأساسي الذي يستخدمه المصرف المركزي لتمويل سحوبات العملاء لدى المصارف اللبنانيّة، كما يمثّل مصدر السيولة الأساسي لضمان ما تبقى من ودائع في القطاع المصرفي اللبناني. ومن المهم التذكير بأنّ المصرف المركزي، خلال ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، كان قد حذّر من تداعيات الضغوط التي تتعرّض لها علاقته بالمصارف المراسلة الأميركيّة.

ومن أدوات التأثير التي تملكها واشنطن حالياً، في الموضوع المالي، الحصّة التي تملكها داخل صندوق النقد الدولي، والتي تجعلها صاحبة أكبر وزن في التصويت على القرارات هناك. وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك حصّة تتجاوز المطلوب لفرض "الفيتو" على أي قرار مهم، ما يضمن لها أنّ برامج القروض والمساعدات لن تتعارض مع مصالحها السياسيّة.

في الوقت الراهن، تتسم مفاوضات لبنان مع بعثة الصندوق بطابع تقني، إذ تحتاج السلطات اللبنانيّة إلى إنجاز عدد من الإصلاحات التشريعيّة والتنفيذيّة والمصرفيّة قبل الوصول إلى مرحلة الاتفاق على مستوى الموظفين. ولكن بعد إعداد مشروع الاتفاق النهائي مع الصندوق، ستمتلك واشنطن دوراً حاسماً في تسهيل أو تعقيد المُصادقة على هذه الاتفاق، داخل المجلس التنفيذي للصندوق. وهذا ما يُضاف إلى جميع الأدوات الماليّة التي تملكها الإدارة الأميركيّة، للضغط على لبنان.    

علي نور الدين - المدن
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا