من يبخ السُمّ؟
أكان يحسبها أم لا، زرع رئيس الجمهورية جوزاف عون "لغماً" بين القوى التي تدعي تأييده، فتمارس التأييد العلني وتضمر عكسه، حين تحدّث عن "بخّاخي السموم" من اللبنانيين. سرعان ما بدأ المقصودين يتقاذفون الاتهامات فيما بينهم وصولاً إلى دخول بعضهم معارك كان مسرحها العالم الإفتراضي، بما سهّل على الرئيس تشخيص من كانوا يخفون مواقفهم خلف الأقنعة.
زوّار القصر، قاتلوه!
ليس جديداً على الرئيس معرفته بأن أشخاصاً دأبوا على "بخّ السم" عليه خلال زياراتهم الولايات المتحدة (أو غيرها) أو خلال اجتماعاتهم مع مسؤولين أميركيين (أو سواهم) في بيروت. الكثير من التقارير، سواء ما نقله الأصدقاء أو غيرهم، كانت تصل إلى قصر بعبدا، وبعضها تضمّن إشارات واضحة حول "جلسات نميمة" استهدفت الرئيس ومسؤولين سياسيين آخرين. أما ما أوصل عون حد الإنفجار، فكان مدى تأثير تلك البلاغات عليه وعلى صورة عهده وديمومته.
المفارقة أن بعض الشخصيات التي تُتهم اليوم بالمشاركة في هذا المسار، كانت تُعدّ من الزوار الدائمين للقصر الجمهوري، وبعضهم دأب على كيل المديح للرئيس إلى حد أن أطلق على نفسه "الأب الروحي" لإنتخاب جوزاف عون!
وليس سراً أنه، وبعد تسرّب كلام الرئيس في الخطوط السياسية، سارع بعض هؤلاء إلى إرسال توضيحات ينفون فيها أي علاقة لهم بالاتهامات، فيما فضّل آخرون الصمت، وكان صمتهم أبلغ من أي نفي.
مساهمة في تركيب ملفات عقوبات
لا يمكن استبعاد أدور بعض المجموعات والجمعيات غير الحكومية التي تطلق على نفسها صفة "التغييرية"، إضافة إلى رجال أعمال لبنانيين نقلوا أعمالهم منذ سنوات إلى الولايات المتحدة، في التورط في عمليات الوشاية بحق الرئيس أمام مسؤولين أميركيين. بل إن قسماً من الكلام الذي جرى سوقه ضد الرئيس، وكذلك ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري، استُخدم لاحقاً من قبل مسؤولين أميركيين في تركيب ملفات أو مشاريع عقوبات مبنية على تفاصيل داخلية دقيقة، لا لأنهم ينصتون بعناية إلى اللبنانيين، بل لأنهم يحتاجون دائماً إلى ذرائع وأدلة لشن حملات ضغط على المسؤولين اللبنانيين.
تدقيق بهويات "البخّاخين"
على الرغم أن التدقيق في كلام الرئيس والجهات التي قصدها لا يزال قائماً، أطلق البعض عمليات إستكشاف داخلية لمعرفة هويات هؤلاء الأشخاص، ومدى ضلوعهم في نحر الرئاسة على قوس العهد، وإلى أي مدى ذهب هؤلاء في حرتقتهم على رئيس الجمهورية.
ومن خلال التدقيق والتقاطع في المعطيات والمعلومات، يتبين أن جزءاً كبيراً من الكلام السلبي الذي صدرَ ويصدر بحق الرئيس، يُقال عادة داخل مجالس في بيروت، وعلى هامش لقاءات اجتماعية يشارك فيها مسؤولون أميركيون بحضور لبنانيين.
أحدث هذه المواقف التي شكلت عامل قلق بالنسبة للرئيس، ما أدلى به وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي زار بيروت مؤخراً حين إستبقاه النائب فؤاد مخزومي على العشاء في حضور حشد كبير من الشخصيات.
ويتردد أن حفل العشاء المذكور الذي إستثنيَ منه أحد أعضاء الوفد وهو نائب مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب، سيباستيان غوركا المسمى من جانب ترمب شخصياً، والذي وصف الرئيس عون بعد لقائه به بـ"الزعيم المسيحي للدولة اللبنانية"، حمل مواقف كبيرة طالت عون شخصياً، وربما حرّكت لديه نزعة فضخ هؤلاء على الملء. ولم يكن إستثناء غوركا منه إلا لكونه "مدح عون" في أسلوب وصف بأنه خارج عن أدبيات الوفد الأميركي الذي أتى لهز العصا وليس كيل المديح!
على أي حال، يقال أن الوفد سمع كلاماً وإعتراضات بالجملة على الأداء السياسي في لبنان، وجرى تسجيل تلك الملاحظات في محاضر الوفد، ليُبنى عليها لاحقاً في تقارير رفعت إلى الإدارة الأميركية.
رودولف هيكل يتعرّض لـ"لسعة"
على المنوال نفسه، تعرّض قائد الجيش رودولف هيكل لما تعرّض له رئيس الجمهورية من وشايات وضغوط. لكن وطأتها كانت أشد وأقسى. فقد أُلغيت اللقاءات التي كانت مقررة له على هامش زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة والتي خضعت للكثير من التحضير من جانب اليرزة، ما اضطره إلى إلغاء الزيارة بالكامل.
ما تعرّض له هيكل من قرارات تعسفية أميركية جاءت بتوقيت مقصود لإحراجه، وسبق أن عانى منها الرئيس عون بشكل مخفف أثناء زيارته إلى نيويورك خلال شهر أيلول الماضي، حيث لم يتمكن يومها من حجز أي لقاء مع مسؤول في الإدارة الأميركية، واستُبعد عن فعاليات عدة على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. لكن لم يكن أحد يتوقع أن تُعامل واشنطن قائد الجيش بهذا القدر من التعالي.
ويُسجَّل أن تدخل المسؤولين الأميركيين في تفاصيل قيادة الجيش ليس جديداً، وأن اجتماعات هيكل مع المسؤولين الأميركيين، ولا سيما مع مورغان أورتاغوس، لم تكن مريحة، بل شابها قدر من الإملاءات التي رفضها هيكل. كما أن أداء الجيش جنوب الليطاني، المنسجم مع القرارات السياسية ومع تجنب الصدام مع حزب الله وبيئته، يحرج الولايات المتحدة التي تزعم أنها تدعم الجيش بهدف نزع سلاح الحزب.
إعادة تكوين قيادة الجيش؟
تشير بعض التقارير الأميركية إلى أن العماد هيكل يتصرّف مع الجيش من خارج ما كرّسته نتائج الحرب، و"يميل كثيراً إلى مراعاة حزب الله"، مع إضافات ذات طابع شخصي تستهدفه التقليل من شأنه أمام المؤسسات الأميركية. وليس مستبعداً أن تكون الضغوط الأميركية على قائد الجيش جزءاً من محاولة تطويعه وإعادة فرض متطلبات واشنطن، وأيضاً تندرج في نفس خانة الضغوطات التي تمارس على رئيس الجمهورية، على إعتبار أنه ما تولى تسمية هيكل لقيادة الجيش!
أما الأخطر، فهو احتمال أن تكون الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة مفادها بأن الحل مع المؤسسة العسكرية بات مستبعداً، وأن إعادة إنتاج دورها يتطلب تغييراً حقيقياً فيها، ومن غير المستبعد لديهم أن يشمل أي تغيير رأس هرم القيادة، علماً أن مبعث هذا الكلام دوائر أميركية، وهو ليس بكلام جديد أو مستحدث، إنما شكل مناخاً خلال السنوات الماضية، بوصف الجيش خاضعاً للتأثير السياسي، ولا بد من إجراء "نفضة داخله" تعيد ترميمه بحيث يُنزع منه أي ثقل مؤثر للتيارات السياسية، بما يجعله الآن أكثر انسجاماً مع متطلبات "حصر السلاح"، بصرف النظر عن مخاطر أي خطوة غير محسوبة.
عبدالله قمح-ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|