خامنئي لبري: أنت اليوم مؤتمن على الطائفة الشيعية في لبنان
الوضع في المنطقة مختلف تمامًا عن السنوات الماضية، أو عمّا تلى الحروب التي شهدها الشرق الأوسط سابقًا. لبنان، تحديدًا، يعيش حالة من التوتر المستمر، مرتبطة في شكل أساسي بالعدوان الإسرائيلي، والاغتيالات، والخروقات اليومية، بالإضافة إلى الضغط الأميركي، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا. وليس سراً أن لإيران دورًا محوريًا في لبنان، وعلاقة قوية مع ركنين أساسيين هما حركة أمل وحزب الله، إلا أن طبيعة العلاقة تختلف مع هذا التنظيم وذاك لأسباب عدة.
وبناءً على ذلك، ليس من المنطقي أن تكون زيارة المعاون السياسي للرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل، لطهران زيارة عادية لمجرد المشاركة في مؤتمر بعنوان: "القانون الدولي تحت الهجوم: العدوان والدفاع". وليس من المنطقي أيضًا أن تكون لقاءاته مع قادة الصف الأول في الجمهورية الإسلامية مجرد تبادل تحايا أو مسائل بروتوكولية، خصوصًا في ظل الالتهاب الكبير للوضع في المنطقة، وتحديدًا في لبنان.
فماذا تحمل خلفيات هذه الزيارة و"المشاركة" في المؤتمر؟ وما هي الرسائل التي أراد الرئيس نبيه بري إيصالها إلى طهران؟
رسالة إلى بري
قبيل نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان في تشرين الأول من العام 2024، زار أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي لاريجاني بيروت، والتقى حينها بالرئيس نبيه بري. كان الكلام المتردد آنذاك يشير إلى وجود خلاف حاد بين الأخير وطهران. لكن بري خرج ممسكًا بيد لاريجاني. لا يفعل الرئيس بري شيئًا من باب الصدفة. فإذا أراد إرسال رسالة لا يحتاج إلى الكلام، فقد تكون إشارة، حركة جسدية، أو غير ذلك.
وخلال تلك الزيارة المهمة، التي جاءت في أوج ما يعانيه اللبنانيون من آلة القتل الإسرائيلية، وحسب ما علمت "المدن" وتكتبه للمرة الأولى، أوصل لاريجاني رسالة من المرشد الأعلى الإيراني السيد علي الخامنئي إلى الرئيس نبيه بري، عقب استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وأحداث الحرب، قال فيها بما معناه:
"أنت اليوم مؤتمن على الطائفة الشيعية في لبنان، على دمائها وقرارها ووجودها."
في ذلك كانت إشارة واضحة إلى محورية الدور الذي يلعبه الرئيس بري في المفاوضات والمقاومة، وفي العلاقة الراسخة مع حزب الله.
أذكر ذلك الآن تحديدًا للتأكيد، استناداً إلى ما قالته مصادر حركية لـ"المدن"، أن “علاقة الحركة بإيران علاقة راسخة وتاريخية، وليست مجرد علاقة مع حليف للحزب، بل هي علاقة مستقلة، عنوانها إدراك إيران لأهمية الحركة ودورها ولموقع رئيسها على المستوى الإقليمي والمرتبط بالقضية الفلسطينية.”
خلفيات الزيارة
وفي ما يخص الزيارة، علمت "المدن" أن النقاشات دخلت في صلب الواقع اللبناني والأوضاع المستجدة، بما يتعلق بالمفاوضات مع العدو، والحالة الخاصة للبنان اليوم، وضرورة تأمين عودة آمنة لأبناء القرى الحدودية من دون تقديم أي تنازلات لإسرائيل.
وعلمت "المدن" أيضًا أن النائب حسن خليل قدّم وجهة نظر الحركة والرئيس بري حول الوضع الحالي في لبنان والمنطقة، وضرورة تقديم المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى، وأن الجانب الإيراني متفهم ويدرك يقظة الرئيس بري، ودوره المقاوم، وعلاقاته بالأطراف اللبنانية.
إلا أنّ الحركة تعتبر المرحلة الراهنة مرحلة متغيرات كبيرة، المهم فيها الحفاظ على الوطن، وخصوصًا الجنوب، والإعمار هدف أساسي. صحيح أن علاقة الحركة بطهران راسخة وتاريخية ومنفصلة عن كونها حليفًا للحزب، إلا أنّها مختلفة عن تلك التي تجمع الجمهورية الإسلامية بحزب الله.
الأمن والانتخابات.. محور الزيارة
المحوران الأساسيان في هذه الزيارة كانا الوضع الأمني في لبنان المتعلق بإسرائيل واعتداءاتها، والانتخابات النيابية المقبلة. حركة أمل قدّمت وجهة نظرها، ولا خلاف مع حزب الله، ولم تنقل أيّ شكوى إلى القيادة الإيرانية، لأنّها أصلًا لا تتعامل بهذه الطريقة. ولكن وجود بعض التباينات محتمل، خصوصًا مع التغيرات الكبيرة في المنطقة، لكن الثوابت الأساسية لن تتغير.
وتؤكد المصادر: "لا خلاف مع الحزب أبدًا، ولا رسائل في هذا الصدد لإيران، بل كان هناك استعراض للحالة العامة خلال اللقاءات مع لاريجاني، ووزير الخارجية عباس عراقتشي، ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف. وقد دارت النقاشات حول الأمور الداخلية على ضوء العدوان الإسرائيلي على لبنان واستمرار الخروقات، إضافة إلى الحالة الإقليمية ككل".
وتسأل المصادر: "لو فعلًا هناك خلاف، والحركة أرادت إيصال رسالة، هل سيكون ذلك علنًا؟ الحركة لا تتعاطى بهذه الطريقة. وإيصال الرسائل لا يحتاج إلى إرسال موفد إلى طهران. فحركة أمل ممثَّلة هناك، وفي لبنان يوجد سفير يمثل إيران". وتؤكد المصادر أن العلاقات مميزة، قائمة على الاحترام والتفهم والثقة المتبادلة.
وحسبما علمت "المدن"، فلا مانع من إيضاح رؤية الحركة للمرحلة الراهنة. وهي، وإن اختلفت ببعض المواقف مع إيران، تريد أن يرى الجميع حقيقة الوضع اليوم: لن يقدّم لبنان أي تنازل لإسرائيل، لكن الحركة لا تريد عودة الحرب مجددًا، وترى في خطوة الحزب تجاه المملكة العربية السعودية تقدّمًا كبيرًا.
كما أشار خليل، وفقًا لمعلوماتنا، إلى أن الشغل الشاغل للرئيس بري اليوم هو تأمين عودة أبناء الجنوب، وإعمار القرى الحدودية. وفي سبيل ذلك يجب على لبنان بكل قواه تقييم الوضع الراهن، والسير بالمصلحة اللبنانية أولًا. فالرئيس بري لا يؤيد العودة إلى الحرب، لأن ضررها كبير، ولذا كرر دائمًا عبارة "لا حرب".
نقاشات في العمق
وعليه، فإن زيارة علي حسن خليل لإيران، وإن أتت بناءً على دعوة إلى المشاركة في مؤتمر، إلا أنّها حملت في طياتها نقاشات معمّقة، لأن إيران تدرك جيدًا فاعلية دور الحركة ورئيسها محليًا وإقليميًا، ولأن المرحلة تستدعي هذا البحث. "والتوافق ليس دائمًا بنسبة 100%، فالتباينات واردة، والأمور في غاية التعقيد."
وليس أمرًا عاديًا أن يكون المعاون السياسي للرئيس نبيه بري في طهران، ولا يتطرق إلى المحاور الأساسية في الشأن اللبناني، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات النيابية والإشكال الحاصل حول قانون الانتخابات. هذه الأمور مرجعها الرئيس نبيه بري، ولا يحتاج لنصائح فيها. لكن إيران اليوم تدرك جيدًا أن لبنان لن يلعب دوراً في الصراع في المنطقة، ولا يريد لهذا الصراع أن يعود، بل يبحث في كل الأرجاء عن إعادة الجنوب إلى ما كان عليه. لذا، فإن على إيران أن ترتّب أوراقها في المنطقة وفق هذا المنطق، ولربما كان هذا الطرح الأساس في الزيارة.
المدن - حسن فقيه
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|