الصحافة

لائحة العقوبات تتقدم: من سيكون الهدف؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بدا واضحاً خلال الأشهر الاخيرة أنّ هناك توجّهاً أميركياً لتوسيع نطاق العقوبات التابعة للولايات المتحدة وتتقاطع المعطيات عند اعتبار لبنان على أعتاب مرحلة جديدة من العقوبات الأميركية. فالمؤشرات الصادرة من واشنطن ومن بعض الدوائر الدبلوماسية في بيروت، تُجمِع على أنّ الإدارة الأميركية تُحضّر لائحة عقوبات موسّعة تطال مؤسسات وشخصيات، بعضها محسوب على الثنائي الشيعي، وبعضها الآخر ينتمي إلى بيئات قريبة منه، في خطوة قد تُحدث مفاجأة كبيرة في الداخل اللبناني نظراً لحجمها واتساع تأثيرها.

لم تعد العقوبات، كما في السابق، مجرّد إجراء رمزي أو ورقة ضغط مالية محدودة، بل تحوّلت تدريجياً إلى أداة سياسية ذات أبعاد استراتيجية. إذ تسعى واشنطن، وفق ما تسرّب من أوساطها، إلى تفعيل العقوبات ميدانياً، بحيث تنتقل من مرحلة تجميد الحسابات ومنع التحويلات إلى مرحلة أكثر تعقيداً تشمل منع عمليات البيع والشراء ونقل الملكية. وبهذا المعنى، فإن الهدف لم يعد فقط عزل شخصيات أو مؤسسات بعينها، بل شلّ قدرتها على تسييل أموالها وتحريك ممتلكاتها، في إطار سياسة الخنق المالي التي تُطبّق بتدرّج وصرامة متزايدين.

ولعلّ التعميم الذي أصدره وزير العدل عادل نصار أخيراً، موجّهاً إلى كتّاب العدل بمنعهم من إجراء أي معاملة قانونية تخصّ شخصيات أو مؤسسات مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية، هو المؤشر الأبرز على بدء مرحلة التنفيذ الداخلي لتلك السياسة. فلبنان، وإن لم يكن طرفاً مباشراً في هذه العقوبات، يجد نفسه اليوم مضطراً إلى التعامل معها كأمر واقع،

من خلال قرارات تنفيذية تترجم الضغوط الأميركية ضمن المنظومة القانونية اللبنانية. ومن هنا، يُمكن القول إنّ الولايات المتحدة نجحت في تحويل أدواتها المالية إلى نفوذ تشريعي وإجرائي داخل المؤسسات اللبنانية نفسها.

المعلومات المتداولة تفيد بأنّ اللائحة المقبلة قد تشمل أسماء من البيئة الشيعية أو المقربين من حزب الله، في مرحلة تسبق الاستحقاق الانتخابي النيابي. ومن الواضح أنّ واشنطن تسعى إلى استخدام الورقة المالية كأداة ضغط سياسية داخلية، هدفها الحدّ من قدرة الحزب وحلفائه على المناورة أو التمويل، وربما التأثير في نتائج الانتخابات المقبلة. هذا الاتجاه ينسجم مع ما أعلنه كبير مسؤولي العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية جون هيرلي، حين أشار إلى أنّ بلاده ترى في لبنان فرصة سانحة لدفع حزب الله نحو التخلي عن سلاحه، عبر تجفيف مصادر التمويل الإيراني التي تشكّل شريان بقائه الأساسي.

وإذا ما نُفّذت هذه العقوبات فعلاً، فإنّها ستُحدث تحوّلاً جذرياً في قواعد اللعبة السياسية. فالإجراءات السابقة التي سمحت بفتح حسابات لنواب حزب الله داخل وزارة المال، بهدف تمكينهم من تسديد رسوم الترشيح أو تمويل حملاتهم الانتخابية، قد تصبح من الماضي. أمّا اليوم، فالاتجاه يبدو نحو منع أي تعامل مالي رسمي معهم، ما يعني عملياً حرمانهم من القدرة على خوض الانتخابات بشروط متكافئة. وهنا تبرز إشكالية خطيرة: فبينما تعتبر واشنطن أنّ هذه الخطوات ضرورية لردع النفوذ الإيراني، يراها خصومها تدخلاً مباشراً في الشأن اللبناني وتلاعباً بالتوازنات الداخلية.

علاوة على ذلك، فإنّ توسيع نطاق العقوبات ليشمل مؤسسات تجارية أو قطاعات إنتاجية، سيحمل تداعيات اقتصادية قاسية، ليس على الجهات المستهدفة فحسب، بل على الاقتصاد اللبناني برمّته. إذ إنّ العديد من هذه المؤسسات متداخلة في البنية الاقتصادية المحلية، وأي تجميد أو حظر

للتعامل معها قد يؤدي إلى شلل جزئي في الدورة الاقتصادية، ويضاعف من معاناة اللبنانيين الذين يعيشون أصلاً تحت وطأة انهيار مالي غير مسبوق.

ورغم المخاطر، تراهن واشنطن على أنّ الضغط المالي قد يكون أكثر فعالية من الضغط العسكري أو الدبلوماسي، خصوصاً في مرحلة تتكثّف فيها الغارات الإسرائيلية على الجنوب، وتتعاظم فيها محاولات طهران لإعادة ترميم نفوذها في لبنان والمنطقة. لذا، يمكن اعتبار هذه العقوبات حلقة جديدة في استراتيجية تطويق النفوذ الإيراني، التي تُدار على مستويات متزامنة: مالية، أمنية، وسياسية.

يبدو أنّ لبنان يدخل مرحلة "العقوبات المُفعّلة"، حيث تتحوّل الضغوط الخارجية إلى أدوات داخلية تمسّ مفاصل الاقتصاد والسياسة في آن واحد. ومع اقتراب الانتخابات النيابية، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة هذه العقوبات على إعادة رسم موازين القوى، ليس فقط داخل مجلس النواب المقبل، بل داخل المعادلة اللبنانية بشكل أساسي.

علاء الخوري -ليبانون فايلز

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا