مظلّتا دمشق السعوديّة والأميركيّة... أين تتقاطعان وأين تفترقان؟
أدّت الرياض دور «العراب» في التقارب السوري - الأميركي الحاصل، منذ نجاح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في جمع الرئيسين السوري والأميركي في الرياض يوم 14 أيار الفائت. وقد كان واضحا أن الرياض عازمة على الرمي بثقلها كله، بغرض «تسويق» حكومة الشرع دوليا، وأميركيا على وجه التحديد، انطلاقا من يقينها القائل إن الاستقرار السوري، يمثل نقطة ارتكاز كبرى لاستقرار الخليج العربي برمته، ناهيك بأن الساحة السورية كثيرا ما أدّت دورا «مفتاحيا» في مجمل التحولات، التي شهدتها المنطقة على امتداد القرن الماضي، لاعتبارات عديدة لها علاقة بعوامل الجغرافيا والتاريخ.
لكن اللافت، أن المجريات التي سارت عليها زيارة الرئيس الشرع الأخيرة للرياض، كانت تشير إلى بعض «الفتور»، بدءا من اللقاء «الهامشي» الذي جمع بين الشرع وبين ولي العهد السعودي، ثم وصولا إلى البيان الصادر في أعقاب تلك الزيارة، والذي غاب عنه الحديث عن «الوعود الأقتصادية» التي كثر الحديث عنها قبيل تلك الزيارة. ولعل تلك المجريات كانت أشبه برسالة واضحة، من الصعب على دمشق أن تخطىء قراءتها، ومفادها أن استمرار الدعم السعودي يظل رهينا برزمة من المطالب، التي تنظر إليها الرياض على انها لازمة لاستقرار الوضع السوري. فما هي تلك «المطالب»؟ أين تتلاقى أو تتضارب مع نظيرتها الأميركية؟
واشنطن من دون شك، يسود فيها منطق وحيد يختصره سؤال يقول: «ما الجدوى الإستراتيجية من الانفتاح على السلطات السورية الجديدة»؟ وما هي الأثمان التي يجب على سوريا دفعها، مقابل استمرار الدعم دون انقطاع؟
يمكن من خلال البيانات والتصريحات الصادرة عن الرياض، بالتزامن مع المنعطفات الحاصلة في المسار السوري القائم منذ سقوط نظام بشار الأسد، القول إن االسعودية ترى أن هناك رزمة من «الهواجس» ، تشكل مصدر قلق بالنسبة إليها حيال الوضع السوري ومآلاته:
- الأول له علاقة بارتكازية السلطة التي تقوم الآن بدرجة وازنة على الاستثمار في «العصبية العشائرية»، كذراع من السهل الاستناد إليها انطلاقا من تماسكها، لكن الرياض ترى أن ذلك الاستناد سوف يهدد نموذج «الدولة المركزية» ،انطلاقا من أنه سيدفع حتما نحو خلق ولاءات مزدوجة، سيكون لها بالغ الأثر في «نخر» ذلك النموذج بمرور الوقت.
- الثاني : العلاقة «النامية» من جديد مع موسكو، التي ترى الرياض أنها لن تؤدي في النهاية، إلى عودة الدوران السوري في فلك المحور الروسي - التركي من جهة، ومن جهة أخرى ستؤدي إلى تثقيل الدور التركي ، الساعي إلى هندسة معادلات الأمن السوري، على نحو يحقق لأنقرة نفوذا مستداما وطويل الأمد.
وهذا، كما تراه الرياض، سيؤدي إلى خلق حالة شبيهة لتلك الحاصلة في شمال العراق منذ ربيع العام 2003، والتي كرست نفوذا تركيا أخلّ بالتوازنات الإقليمية القائمة قبل هذا التاريخ الأخير، وإذا قدّر للمحاولة التركية الراهنة في سوريا، والرامية إلى استنساخ تجربة الشمال العراقي في نظيره السوري، فإن تلك التوازنات ستكون على موعد أكيد بحدوث اختلالات، ستكون أشد تأثيرا من سابقتها.
- الثالث : يتمثل في «الاندفاعة» السورية حيال «التطبيع» مع «تل أبيب»، وإذا كانت الرياض ترى أن فتح قنوات التواصل ما بين دمشق وبين السعودية أمر لا مناص منه، في إطار المساعي السورية لتحقيق الاستقرار الداخلي، فإن الرياض تنظر إلى وجوب أن يكون الفعل في سياق معطيين اثنين: أولاهما ألا يكون «التطبيع» من دون ثمن، وثانيهما أن يأتي في سياق إسنادي للمسار الفلسطيني، الذي سترسم «حلوله» خرائط التوازنات الإقليمية، الراسمة بدورها لعوامل الاستقرار أو نقيضتها.
وأخيرا ترى الرياض أن» اقتصاد الكبتاغون»، الذي كان السمة الأبرز للاقتصاد السوري زمن النظام السابق، والذي لم يتلاش تماما بعد سقوطه، لا يزال يمثل تهديدا داخليا وإقليميا على حد سواء، وإن معالجاته الجارية، التي تقوم على إنه «ملف حدودي» فحسب، لن تكون كفيلة بتقديم النتائج المرجوة منها.
بالمقابل، ترى واشنطن التي تعالى مديحها للسلطات السورية مؤخرا، حتى وصل ذروته قبيل وصول الرئيس السوري إليها يوم أمس الأحد، أن أولوياتها تنحصر في ثلاث:
- أولها توقيع اتفاق أمني سوري - «اسرائيلي»، يضمن «لتل أبيب» ضبط الحدود وسلامة أمنها، ويكون في الوقت ذاته كفيلا بمنع عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا، على أن تكون واشنطن كفيلة ذلك الاتفاق، عبر المشاركة في نشر قواتها على امتداد خط التماس الذي سيجري الاتفاق عليه، وصولا إلى إنشاء قواعد لها ستكون متعددة المهام، التي من بينها مراقبة تنفيذ ذلك الاتفاق.
- ثانيها: انضمام دمشق إلى«التحالف الدولي» لمحاربة « تنظيم الدولة»، وهذا يعني ضمنا تفكيكا ملموسا لـ«هيئة تحرير الشام»، حيث يشكل هذا الأمر تحديا كبيرا للسلطات السورية الراهنة، الذي قد يهدد توازنات الشمال السوري، التي لا تزال تمثل نقطة ارتكاز كبرى لتلك السلطات.
- ثالثها : يتمثل في اندماج «قوات سوريا الديموقراطية - قسد» داخل مؤسسات الدولة، وتلك إشكالية ذات بعدين: أحدهما داخلي له علاقة بتركيبة السلطة وطغيان «نزعة» العشائر على العديد من مفاصلها، والثاني خارجي ذو علاقة بعوامل «الإثارة» التركية التي تبدي تخوفا حيال هذا الملف، بدرجة تكاد تكون غير مفهومة أحيانا.
كنتيجة، تتقاطع المظلتان السعودية والأميركية، اللتان تظللان السلطة السورية راهنا في العديد من شروطهما، لاستمرار قيامهما بتلك المهمة، لكنهما تتضاربان في بعض منها، وهذا من شأنه أن يضع تلك السلطة أمام مفترق طرق لن تنفع فيه أساليب «المزاوجة»، أو محاولة التوفيق بين المتناقضات. والمؤكد أن الخروج من مأزق بهذا العيار، أمر يتطلب الكثير من الشفافية، فما من أحد في «السوق» يعطي مجانا، أما مشكلة «الدفع» والقدرة عليه، فمن المؤكد أن حلها يقف عند ممارسة الحدود القصوى من هذه الأخيرة.
عبد المنعم علي عيسى-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|