لجنة المرأة والطفل تناقش حماية القاصرين من الكحول ونتائج مسح المغذيات الدقيقة
حوارٌ مع "الشـيطان"
يراهن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعه كافة أجنحة اليمين الإسرائيلي، على أنّ وقف إطلاق النار في غزة لن يطول. فوفق النيات الإسرائيلية، هي ليست نهاية الحرب، بل هدنة بين حربين. وأظهر آخر استطلاع، أنّ 62% من الإسرائيليين يعتقدون أنّ وقف إطلاق النار لن يصمد، في مقابل 18% فقط يعتقدون العكس. وهنا يصبح السؤال الأصح: كم من الوقت ستطول هذه الهدنة؟ وهنا تكمن مشكلة نتنياهو الحقيقية. فهو غير قادر على الإنتظار كثيراً، فالإنتخابات على بعد أشهر معدودة، وهو لن يغامر بقطع هذه المسافة الزمنية القصيرة الحافلة بالحملات الإنتخابية وهو مكبل ومحاصر بملفات قضائية وسياسية صعبة، خصوصاً أنّ إدخال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى السجن، جعل عدداً من زعماء العالم يتحسسون رقابهم، ونتنياهو أبرزهم. وهو لذلك حاول التعويض بالتسلل لضمّ الضفة الغربية، ذات البعد التوراتي، لكن الردّ الأميركي كان حاسماً لا بل قاسياً.
صحيحٌ أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يضع كل ثقله لإنجاح خطته في غزة، لكن الأحداث التاريخية علّمتنا أنّ الظروف قابلة للتبدّل وبسرعة، خصوصاً في المسائل المتعلقة بالرقابة الأميركية في المنطقة. وفي المناسبة، فإنّ الرهان الإسرائيلي على انشغال أميركي، يشبه رهان إيران أيضاً، ولو من زاوية مختلفة. المهمّ أنّ ترامب الذي فرض ورقته فرضاً على نتنياهو، وألحق ذلك برقابة جوية صارمة بواسطة المسيّرات، وبتحذيرات حادة ومباشرة طاولت رئيس الحكومة الإسرائيلية، يسعى لتحصين برنامج تطبيق خطته، من خلال إشراك قوى أساسية في المنطقة. لكن تاريخ قوات حفظ السلام في الشرق الأوسط لا يدعو إلى التفاؤل، وهذا ما يعرفه نتنياهو جيداً، لا بل ويراهن عليه. كذلك فإنّ البيت الأبيض بدأ يغرق في أزمات دولية أخرى، ستجعله يبتعد رويداً رويداً عن تركيزه الصارم على الشرق الأوسط. فعدا الأزمات المعروفة، ها هي أزمة أخطر بدأت تطلّ برأسها في فنزويلا. وهو ما دفع البنتاغون إلى نقل أهم حاملة طائرات «جيرالد فورد»، والتي تمتاز بقدرات عسكرية هائلة، من البحر المتوسط إلى قبالة شواطئ فنزويلا، ومعها 8 بوارج حربية. كذلك تمّ نشر القاذفة الإستراتيجية B1، إضافة إلى قوات خاصة للقيام بعمليات جوية سرّية. وتمّ أيضاً توجيه مقاتلات من طراز F 35، إضافة إلى غواصات وسفن حربية وطائرات تجسس ومسيّرات. كما أُعيد فتح قاعدة بحرية في بورتوريكو بعد نحو عقدين من الإغلاق. وتمّ تكليف جهاز الـ CIA بعمليات سرّية داخل فنزويلا بهدف إضعاف النظام القائم. ومن الواضح أنّ الحرب النفسية بدأت، والهدف إسقاط مادورو عبر عمليات محدودة. صحيح أنّ الغزو الشامل إحتمالاته ضعيفة، لكن الأمور يمكن أن تنزلق إلى تصعيد غير محسوب في حال بروز مفاجآت غير سارة.
ولا شك في أنّ نتنياهو يراقب كل ذلك، آملاً بأن يؤدي انشغال ترامب بأوضاع فنزويلا إلى تخفيف تركيزه على المنطقة. لكنه يدرك أنّ هامش الوقت أصبح ضيّقاً أمامه، في وقت فشل في تحقيق الهدف الخفي للحرب، والذي يتمثل بتهجير الفلسطينيين وتكريس يهودية الدولة. أضف إلى ذلك، المؤشرات الداخلية، والتي لا تلعب لمصلحة حملته الإنتخابية، كمثل استمرار الهجرة المعاكسة، وهي نتيجة لتراجع الثقة بنهائية الكيان. وهذا ما يدفعه إلى البحث عن «انتصار» سريع، وقادر في الوقت نفسه على إحداث الوهج المطلوب داخلياً. ومن هنا باشر استدارته الحربية في اتجاه لبنان، وهو العارف بأنّ ترامب الذي طوقه بذراعيه، وكبّل يديه، سيترك له حرّية العمل في لبنان، خصوصاً أنّه يتقاطع معه على هدف ضرب القوة العسكرية لـ«حزب الله» لتكريس خروج التأثير الإيراني من لبنان نهائياً.
وفي مطلع الأسبوع الماضي، أجرى الجيش الإسرائيلي مناورة طابعها هجومي ودفاعي، واستمرت لأيام عدة، عند الحدود مع لبنان. وجاء ذلك في وقت ارتفعت وتيرة الإغتيالات اليومية بواسطة المسيّرات الإسرائيلية، وهو ما ترافق مع غارات عنيفة كانت تنفّذها المقاتلات الحربية، والتي استخدمت في قصفها في بعض الأحيان صواريخ إرتجاجية، كما حصل الأسبوع الماضي في بلدة شمسطار البقاعية، وقبلها في الجنوب. وعلى رغم من ذلك حرص الجيش الإسرائيلي على إصدار بيان يتعلق بالمناورة التي أجراها، وأورد في آخر سطر منه أنّ هذه المناورة محدّدة مسبقاً، ما يعني أنّ لا علاقة لها بالتطورات الحاصلة، وبالتالي هي لا تحمل رسالة محدّدة، ولكنها تأتي ضمن جدول التدريب لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية. وبدت هذه العبارة وكأنّها في سياق التطمين إلى أنّ إسرائيل لا تريد الحرب الآن. لكن وبالعودة إلى الأحداث التي سبقت الحرب التي شنّتها إسرائيل منذ أكثر من عام، يبدو واضحاً أنّ تطمينات مشابهة تمّ توجيهها ولمرّات عدة. لا بل إنّ عمليات القصف التي شنّها يومها سلاح الجو الإسرائيلي كانت تستهدف مواقع هامشية في بعض الأحيان، وكانت إسرائيل تنهي «حفلة التصعيد» بالقول إنّ أهدافها تحققت ولا حاجة إلى مزيد. يومها تمسكت قيادة «حزب الله» بتقييمها القائل بأنّ إسرائيل لا تريد الذهاب إلى الحرب المفتوحة، بل تحقيق ضربات متفرقة. لكن ما حصل لاحقاً أثبت أنّ إسرائيل كانت تخادع، وهي نجحت في ذلك، ما جعلها تكسب في الضربة الخاطفة التي شنتها في بداية الحرب. لذلك هنالك من يخشى اليوم من تكرار الخديعة الإسرائيلية مرّة جديدة، وسط واقع داخلي خانق لنتنياهو، واستعداد أميركي لتعويضه عن «صفعتي» غزة والضفة. وأساساً، لم تخف واشنطن انتقاداتها للبنان حول التأخّر في ملف سلاح «حزب الله». وقبل أسبوعين افتتح الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك مرحلة الرسائل الحازمة، ومن المتوقع أن تستكمل الموفدة مورغان أورتاغوس هذا المسار في زيارتها لبيروت. يكفي أن تكون محطتها اللبنانية جاءت بعد زيارتها لإسرائيل، للإستنتاج مسبقاً بأنهّا ستحمل وجهة النظر الإسرائيلية.
ولا تتردّد أوساط ديبلوماسية معنية، في الحديث عن بعض الجوانب والنقاط التي تثيرها إسرائيل، وتحمّل لبنان مسؤوليتها. فهي تقول في نقاش يشبه إلى حدّ بعيد «حواراً مع الشيطان»، إنه في منطقة جنوب الليطاني تمّ تحقيق خطوات مهمّة لكنها لم تكتمل بعد. وتضيف أنّ «حزب الله» لا يبادر في الإفصاح عن مخازنه ومواقعه، وأنّ هذا يحصل بعد طلب «الميكانيزم» من الجيش اللبناني معاينة بعض المواقع التي يرسل معلوماتها وإحداثياتها الجيش الإسرائيلي. وعندما تسأل هذه الأوساط لماذا لم تستهدف إسرائيل هذه المواقع خلال الحرب، وعلى أي أساس تحدّدها الآن؟ يأتيك الجواب أنّ إسرائيل جدّدت بنك أهدافها خلال الأشهر الماضية ولا تزال عبر طريقتين، الأولى من خلال تحليق المسيّرات المتطورة والتي تحلّق على علو منخفض، لتلاحق حركة عناصر الحزب ومسؤوليه، ما يجعلها تستحصل على معلومات إضافية، والثانية من خلال تحديث شبكة العملاء والوشاة على الأرض. وهو ما يعني أنّ الساحة اللبنانية ما زالت تحت تركيزها الكامل. وتضيف هذه الأوساط المعنية، بأنّه صحيح أنّ «حزب الله» لا يبدي أي معارضة عند دهم الجيش المواقع المطلوبة، إلّا أنّه في الوقت نفسه لا يبادر إلى إطلاع الجيش من تلقاء نفسه عن مستودعاته وأنفاقه العسكرية. ما يعني أنّ قراره الضمني لا يزال مختلفاً. أما بالنسبة لسلاح حركة «حماس» في المخيمات، وتحديداً في مخيمي عين الحلوة والرشيدية، فإنّ قيادة الحركة لا تزال تتملص من التزاماتها التي كانت قد قدّمتها للسفير الفلسطيني وللجيش اللبناني. وتشير هذه الأوساط إلى أنّ الجيش اللبناني استقدم تعزيزات إلى محيط هذين المخيمين، وعمل على سدّ الثغرات المتعددة التي كانت تُستخدم لتهريب السلاح، وأحكم إقفالها في شكل جيد وكامل. وأبلغ الجيش إلى المعنيين، أنّ ملف سلاح المخيمات جنوب الليطاني يجب أن يكون منتهياً قبل نهاية العام الجاري.
أما بالنسبة إلى المنطقة الواقعة شمال الليطاني، فإنّ الأوساط الديبلوماسية المعنية نفسها تتحدث عن عدم وجود حركة جدّية في اتجاه مواقع «حزب الله» ومخازنه، وأنّ الجواب الذي تتلقّاه لدى السؤال عن ذلك، هو أنّ هذه المنطقة تدخل في نطاق المرحلة التالية، والتي ستبدأ مع انتهاء المرحلة الأولى مع نهاية هذه السنة. وتضيف هذه الأوساط، أنّ «الميكانيزم» توقفت عن تلقّي المعلومات من إسرائيل حول مناطق شمال الليطاني، أي الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، بعدما قرّرت إسرائيل القيام بذلك مباشرة، وخلافاً لما كان تم الإتفاق عليه سابقا، وعندما تسأل عن أنّ إسرائيل لم تلتزم بالإتفاق من جانبها، وهي ما زالت تحتل نقاطاً خمس داخل الأراضي اللبنانية إضافة إلى حزام عريض، فإنّ الجواب الذي تتلقّاه، هو أنّه عند مراجعة الإسرائيليين فهم يبرزون معلومات حول إعادة بناء «حزب الله» لقوته العسكرية، ما يجعل تنفيذ الإنسحاب بمثابة الإنتحار. ولذلك تبدو واشنطن مقتنعة بأنّ المدخل الصحيح هو بالبدء أولاً بنزع سلاح «حزب اللهّ»، على الأقل الثقيل منه.
ومع مطلع السنة المقبلة ستبدأ الأمم المتحدة بخفض عديد قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) وفق نسبة مقدّرة بـ25%. وستكون القوة الفرنسية آخر المجموعات المغادرة، كونها تحظى بخصوصية مستقلة في طريقة عملها، وهي المعروفة بنشاطها وحركتها.
ووفق ما تقدّم، يبدو أنّ العواصم الغربية، وخصوصاً واشنطن، متفهمة لا بل داعمة لأي حل عسكري قد يعتمده نتنياهو ضدّ «حزب الله» في لبنان. وهو ما يعني أنّ نتنياهو وفي حال قرّر اللجوء إلى خياره العسكري، فإنّه سيقوم به قبل نهاية السنة. لكنه وفي الوقت نفسه سيبدو محرجاً من التحرك قبل زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا لاوون للبنان. فمواقف البابا كانت شاجبة ومناهضة لما يقوم به نتنياهو في غزة. والفاتيكان أساساً يرفض الحروب وشلالات الدم، فكيف الحال مع السياسة الغاصبة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية. وبالتالي فإنّ رفع مستوى الحماوة قبل الزيارة الخارجية الأولى للبابا ستُعتبر وكأنّها موجهة ضدّه. ونتنياهو الذي يعاني من حصار دولي خانق بسبب حرب غزة، لا بدّ أن يجد حرجاً لا بل خطأ كبيراً بالقيام بمغامرة عسكرية في لبنان قبل وصول رأس الكنيسة الكاثوليكية. وفي الوقت نفسه فهو محكوم بموعد انتخاباته والتي حدّدها في شهر حزيران المقبل. وكذلك هنالك الإنتخابات النيابية اللبنانية في شهر أيار والتي تطرّق إليها توم برّاك في منشوره الطويل على منصة «إكس». وهو ما يعكس أهمية هذا الإستحقاق هذه المّرة في الحسابات الدولية. وهنالك أيضاً بدء خفض عديد قوات «اليونيفيل» مع مطلع السنة الجديدة. ولا شك في أنّ حسابات توقيت أي عمل عسكري، لا بدّ أن تأخذ كل هذه المعطيات في الإعتبار.
لكن وفي انتظار ذلك، فإنّ التصعيد المتدرج سيبقى قائماً، وهو ما شهدناه في الأسابيع الماضية، وهو شريط أحداث مشابه إلى حدّ بعيد للمرحلة التي سبقت حرب العام الماضي، إلّا إذا استجد ما هو في غير الحسبان.
جوني منير - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|