أسئلة برسم مجلس الوزراء
ليس تفصيلًا ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة. هل كان يمكن لنا مجرّد أن نأمل بعقد جلسة كهذه قبل عام مثلًا؟ لا قبل عام، ولا طبعًا قبل عقد، بالحقيقة. ومع الأخذ بالاعتبار كلّ الظروف الدوليّة والحرب التي أفضت إلى هنا، يبقى أنّ قوى لبنانيّة محليّة ضغطت للوصول إلى خطّة الجيش القاضية بنزع سلاح الميليشيا الشيعيّة، وهذا يحسب لها. ما سمعه اللبنانيّون عن تكليف الجيش تقديم تقارير دوريّة للحكومة حول مسألة سحب السلاح جيّد، وكذلك الأخبار المتواترة عن مراحل لسحب السلاح تبدأ من الجنوب، وتنتقل إلى مناطق أخرى. ثمّ جاء خبر دهم الجيش مخيّمًا عسكريًا بالشويفات لميليشيا القومي، وهي واحدة من الأدوات التي يستخدمها المتطرّفون الشيعة منذ سنوات، وقبلهم نظام الأسد، لترويع اللبنانيّين، ليزيد الفرحة. من ينكر أنّ كلّ ما سبق خطوات على الطريق الصحيح يكابر.
ومع ذلك، يثير أداء مجلس الوزراء وبيانه أسئلة بديهيّة هذه بعضها: هل صحيح ما يتواتر عن أنّ مهلة نزع السلاح في الجنوب ثلاثة أشهر، وأن لا مهلة محدّدة لباقي المناطق؟ السؤال هنا مزدوج: لماذا يتطلّب الأمر ثلاثة أشهر بعد كلّ ما جرى لتنظيف الجنوب من سلاح المتطرّفين؟ والأهمّ، ربّما: إلى متى تعيش المناطق الأخرى تحت حكم السلاح؟ بالحقيقة، يمكن اختصار هذه الأسئلة بواحد: ألا يفترض أنّ مهلة نزع سلاح المتطرّفين هي آخر العام الحالي؟
استطرادًا: ماذا يحصل لو تحرّك الجيش لنزع السلاح، فقاومه المتطرّفون؟ السؤال مشروع لأنّهم مفطورون على كراهية الدولة، ولأنّهم يعلمون أنّ ترسانتهم طريقهم لتحقيق ما يحرّكهم منذ لحظتهم الأولى، عنيت الهيمنة على البلاد، وكسر المكوّنات الأخرى، وصولًا لتيئيسها، وقضم مناطقها، ثمّ تهجيرها، أي بكلمات قليلة، تعميم ما حلّ بالوجود المسيحي في ساحل بعبدا، الذي صار اليوم المعقل الشيعي المعروف بالضاحية الجنوبيّة، على أوسع رقعة ممكنة بلبنان. صحيح أنّ القضم يمكنه أن يستمرّ ولو غاب السلاح، ولكنّ السلاح يسهّل ركيزتيه النفسيّة (الشيعة ينتقلون بكلّ ثقة الى مناطق الآخرين ويقيمون فيها، والعكس غير صحيح)، والاقتصاديّة (ريع الكبتاغون، واقتصاد الكاش، والتهريب، المحمي بالسلاح، يتمّ تصريفه بالتوسّع العقاري على حساب الآخرين).
استطرادًا أيضا: لماذا تهرّب وزير الإعلام من الإشارة إلى مهلة زمنيّة محدّدة لسحب السلاح؟ وما صحّة الأخبار أنّ وزراء القوّات اللبنانيّة تحفّظوا على ما جرى في مجلس الوزراء بسبب غياب هذه المهلة؟ وماذا يعني أنّ مجلس الوزراء "رحّب" بخطّة الجيش، بدل أن يتبنّاها ويطلب تنفيذها فورًا؟ وما صحّة ما تواتر قبل الجلسة عن أنّ قيادة الجيش طلبت مهلة 15 شهرًا لسحب السلاح؟ هل المعلومة صحيحة؟ هل سحبت من التداول؟ لا أعلم، بالحقيقة، ولكنّني أعلم بالمقابل هذا: لو صحّ الخبر أنّ قيادة الجيش تعطي نفسها 15 شهرًا لسحب السلاح، فذلك يعني أنّها لا تنوي سحبه.
للإنصاف، مواقف رئيس الحكومة نوّاف سلام واضحة، ومطمئنة. مواقف القوّات والكتائب في هذه المسألة أيضًا. ولكنّ القلق يبقى لأنّنا غير معتادين أن تتصرّف الدولة كدولة. الحكم المركزي في لبنان أنتج سلطة وقّعت على اتّفاقيّة القاهرة، وألغت اتّفاقيّة 17 أيّار، وأعطت بيانات حكوماتها في ما مضى شرعيّة "المقاومة" لزمرة أصوليّة مسلّحة هي أخطر ما أنتج المشرق منذ عقود، علمًا أنّه أنتج أيضًا داعش والنصرة. ليس في سجلّ الحكم المركزي اللبناني ما يثير الطمأنينة لجهة القدرة على الحسم ساعة الحاجة له. لهذا، القلق مشروع حتّى نرى على الأرض ترجمة فعليّة لقرار نزع السلاح. مداهمة مخيّم القومي ينبغي أن تتعمّم على محرّكيه.
ثمّ إنّ نبيه برّي يبدو مرتاحًا. هذا بالضرورة سيّئ. ووليد جنبلاط تأفّف من كثرة الكلام في البلد عن السلاح. ربّما الأفضل أن يتمحور النقاش حاليًّا حول الفوائد الصحيّة للمتّي، والشروط البنيويّة الضروريّة لبناء الاشتراكيّة العلميّة.
هشام بو ناصيف - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|