نتنياهو يغتال السلام بتهجير الفلسطينيين والمنطقة لن تعرف الاستقرار الدائم
إن ما يشهده الواقع الفلسطيني اليوم، من محاولات حثيثة لتهجير سكان غزة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، لا يمكن وصفه إلا بكونه إعلاناً صريحاً لانتهاء مرحلة "السلام" –إن وجدت أصلاً– والدخول في زمن الهيمنة الكاملة، حيث يتم فرض الحقائق على الأرض بالقوة، وتتلاشى المبادئ تحت أقدام الطموحات التوسعية. المخطط الإسرائيلي الحالي، المدعوم بشكل واضح من الإدارة الأميركية، يضرب عرض الحائط كل ما أُعلن سابقاً عن مشاريع الحل السياسي، من اتفاق أوسلو إلى مبادرة السلام العربية. لم تعد هناك لغة مفاوضات أو حل وسطي، بل نهج أحادي يطيح بكامل القضية الفلسطينية من جدول الأعمال الدولي، ليعيد تشكيل المشهد وفق ميزان قوة لا يُبقي للفلسطينيين إلا خيار الصمود أو الفناء.
الأخطر من ذلك هو الغطاء الأميركي لهذا التوجه. فالرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي استند ترشيحه -قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية- على انه "مبعوث الله" للسلام، انقلب على رؤيته واقواله، وأسس لرؤية سياسية زعزعت الاسس حين رأى ان "جنون" رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتياهو يخدم "صفقة القرن" وهو المشروع الذي كان بدأه في ولايته الاولى كغطاء ناعم لتصفية الحقوق الفلسطينية. اللافت أن ترامب نفسه أقر مؤخراً بأن التأييد الشعبي الأميركي لإسرائيل في تراجع وفق الإحصاءات، ما يعني أنّ الإدارة الأميركية لا تُمثل بالضرورة المزاج العام، بل مصالح ضيقة تُدار من خلف الكواليس.
ما يحدث اليوم يتقاطع بوضوح مع "رؤية ترامب للسلام"، لكنها تحوّلت تدريجيًا إلى منصة دعم مطلق لنتنياهو. لم يعد الحديث عن دولتين أو حقوق متبادلة، بل عن دولة واحدة –إسرائيل الكبرى– التي يتم العمل على صياغتها جغرافياً وديموغرافياً، مع ضوء أخضر أميركي لابتلاع ما تبقّى من الأرض. حتى الرمزية في السياسة الأميركية باتت فاضحة، كتحويل اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، بما تحمله الكلمة من نية واضحة لتكريس منطق القوة لا التفاوض. لكن تداعيات هذا المخطط لا تتوقف عند حدود فلسطين. فالمشروع التهجيري يحمل في طياته تهديدًا وجوديًا للبنان وسوريا، عبر خلق اختلالات ديموغرافية ضخمة، سواء من خلال تدفق اللاجئين، أو عبر استغلال ذلك في مشاريع إعادة ترسيم جغرافية المنطقة. هنا تعود إلى السطح فكرة "إسرائيل الكبرى"، التي لم تُلغَ يوماً من الذهنية الصهيونية، بل كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتطفو من جديد.
ولكن ما لم يأخذه "الحاكمون الحاليون" في الاعتبار، هو انه حتى لو تحققت هذه المخططات من الناحية العملية، فإنها لن تصنع سلاماً دائماً. فالقوة لا تطفئ الحقد والكراهية، والمجازر لا تمحو الذاكرة. إن مشاعر الغضب والرفض لدى الفلسطينيين، ولدى شعوب الجوار، لن تنتهي بإزاحتهم عن أرضهم او باحتلال اجزاء منها، بل ستتجذر أكثر، وتتحول إلى طاقات مقاومة تتجاوز الزمان والمكان. وعليه، فإن ظنت إسرائيل أنها تؤسس لأمن دائم عبر التهجير والتوسع، عليها ان تعيد حساباتها لانها فعلياً تغرس بذور عدم الاستقرار لعقود مقبلة.
ما يُبنى على الظلم لا يمكن ان يدوم، وتجارب عقود وقرون من الحروب اثبتت هذا الامر، ناهيك عن ان قطار التغييرات والتبدلات لا يتوقف وان ابطأ، ومن يحظى اليوم بثقل سياسي ودبلوماسي وعسكري، قد يجد نفسه في مرحلة لاحقة، ربما بعد سنوات طويلة، في الجهة المعاكسة، ولن يتمتع بمن يؤمّن له الغطاء الكامل لافعاله، مع الاخذ في الاعتبار اننا بدأنا نشهد خطوة اولى نحو توزان جديد في العالم من خلال القمة التي انعقدت منذ ايام وجمعت رؤساء وزعماء الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فيما الهند قد جنحت نحو هذا المحور باعتراف اميركا نفسها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|