عربي ودولي

تعليق إخلاءات "السومرية": دمشق تحتوي الغضب دون الهواجس

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

احتوت وزارتا الداخلية والدفاع في سوريا، ومحافظة دمشق، أزمة حي السومرية العشوائي في دمشق، إذ أبلغت السلطات السكان بوقف إجراءات الإخلاء مؤقتاً، والسماح للعائلات بالعودة إلى منازلها. 

ومنذ يوم الجمعة الماضي، شهد حي السومرية، الواقع في الطرف الجنوبي الغربي من مدينة دمشق، حالة من التوتر بعد تداول إنذارات بالإخلاء صادرة عن لجنة الإسكان و"الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية"، تطالب عدداً من العائلات بإخلاء منازلها خلال مهلة لا تتجاوز 72 ساعة، بذريعة أن الأبنية مشيدة على أراضٍ مخالفة وغير مسجلة وفق القانون. 

وانتشرت مشاهد لعائلات تُجبر على الخروج من مساكنها، في ظل غياب أي إعلان رسمي أو شرح لخطط التعويض أو إعادة التوطين. وأثارت الخطوة المفاجئة قلق السكان، ودفعت كثيرين منهم للتعبير عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما رآها آخرون بداية تنفيذ لعملية تنظيم عمراني متأخرة، تطاول أحد أكثر الأحياء العشوائية تعقيدًا في محيط العاصمة.

تجميد مؤقت

وبعد الضجة التي أثارتها قضية الإخلاء، أكدت وزارة الداخلية أنها ليست الجهة التي أصدرت أوامر الإخلاء، ونفت أي مسؤولية مباشرة لها عن الحملة، مشيرة إلى أن ما جرى لم يتم بقرار صادر عنها.

في المقابل، أُبلغ مختار الحي والأهالي بقرار مشترك من وزارتي الداخلية والدفاع ومحافظة دمشق يقضي بوقف إجراءات الإخلاء مؤقتاً، والسماح للعائلات بالعودة إلى منازلها، مع التعهد ببحث الملف العقاري لاحقاً ضمن الأطر القانونية والتنظيمية. 

إشعارات إخلاء ووسم للمنازل

وبحسب روايات من داخل الحي وصور انتشرت في مواقع التواصل، وصلت إنذارات خطية إلى عشرات السكان، تطالبهم بالإخلاء الفوري خلال مهلة 72 ساعة. كما وُضعت علامات على عدد من المنازل، بينها رمز "X" الذي وُضع على منازل قال السكان إنها "عسكرية"، ورمز "O" على منازل "مدنية"، وهو ما أثار الشكوك حول تصنيف المنازل تمهيداً لإجراءات انتقائية في الإخلاء.

كما أغلقت غالبية مداخل الحي، وأبقي على منفذ واحد يعرف باسم "المشروع"، وسط تواجد أمني مشدد، وانتشار مجموعات مسلحة وصفتها مصادر محلية بأنها "تابعة للسلطات المؤقتة"، وشاركت في عمليات الإخلاء.

مشاهد من التشريد والاعتقال

ووثقت مقاطع مصورة حالات خروج سكان من منازلهم، بعضهم افترش الأرصفة والشوارع، في حين أظهرت تسجيلات أخرى مشاهد لاعتقال بعض الأشخاص ممن رفضوا الإخلاء أو اعترضوا على القرار، ليتم الإفراج عنهم لاحقاً. ووفق الشهادات، جرت مصادرة وثائق ملكية وسندات سكنية صادرة عن محافظة دمشق، بدعوى أنها "غير معترف بها" أو "صادرة عن النظام السابق".

ملكية متنازع عليها

وحيّ السومرية ليس كغيره من العشوائيات التي نشأت بفعل النزوح أو التوسع العشوائي، فقد أنشئ في بداية ثمانينيات القرن الماضي على أراضٍ تعود ملكيتها التاريخية لأهالي معضمية الشام، لكن هذه الأراضي جرى الاستيلاء عليها خلال فترة تمدد سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد، الذي نسب الحي إلى اسم ابنه "سومر الأسد"، وبُنيت فيه مساكن لعناصر وضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها.

ومع الزمن، تحوّل الحي إلى منطقة سكنية مكتظة استقبلت أعداداً كبيرة من العائلات، خصوصاً من مناطق الساحل السوري، معظمها من الطائفة العلوية، كانت قد انتقلت إلى دمشق خلال سنوات الصراع أو قبلها، وشكلت ما عرف لاحقاً بـ"الطوق الأمني" حول العاصمة، من أحياء مثل عش الورور والمزة 86 ومساكن الحرس. ومع أن هذه العائلات استقرت منذ عقود، فإنها لم تحصل على سندات ملكية رسمية، بل اعتمدت على ما يعرف محلياً بـ"ملكية ساعة كهرباء أو ماء"، وهي وثائق لا تُمنح بموجبها أي حقوق قانونية في السجل العقاري، مما يجعل هذه المساكن عرضة للإزالة في أي وقت.

قانونياً: الإزالة واردة

ويرى خبراء في التخطيط العمراني والقانون أن الإخلاء من مناطق السكن العشوائي ممكن قانونياً، إذا شُيّدت الأبنية على أراضٍ غير مملوكة قانوناً أو خارج المخطط التنظيمي، وهو ما ينطبق على كثير من مساكن السومرية. لكنهم يشيرون في الوقت نفسه إلى أن الإخلاء، وفق الأصول، يتطلب إجراءات قانونية متدرجة تبدأ بإنذار رسمي، تتبعه خطط واضحة للتعويض أو توفير سكن بديل، خصوصاً إذا كانت عملية الإزالة تطاول تجمعاً سكنياً كبيراً ومستقراً منذ سنوات طويلة.

كما يُفترض أن يندرج أي إجراء من هذا النوع ضمن مشروع واضح لإعادة تنظيم المنطقة أو تطويرها عمرانياً، وهو ما لم تعلن عنه الجهات الرسمية حتى الآن.

مخاوف من الاستبدال السكاني

وفي ظل غياب أي إعلان حكومي أو مشروع تنظيمي واضح، يرى ناشطون أن ما يجري يتجاوز تطبيق قانون التنظيم العمراني، ويرجحون أن يكون الهدف إعادة توزيع ديموغرافي، خصوصاً أن الحي يضم كثافة سكانية محددة الهوية، استُقدمت في فترات سابقة بتسهيلات رسمية، وكانت جزءاً من شبكة الحماية الأمنية للسلطة. 

وأشار بعضهم إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق أوسع لإعادة رسم الخريطة السكانية في العاصمة وضواحيها، على نحو يعيد توازنات ما قبل الحرب، أو يعيد الاعتبار لملكية أراضٍ تعود قانونياً إلى أهالي معضمية الشام. في المقابل، يرى آخرون أن إزالة العشوائيات أصبحت ضرورية، وأن ما يحصل هو تصحيح تأخر لعقود، خصوصاً في ظل حاجة العاصمة إلى مشاريع إسكان وتنظيم حديثة، لا يمكن تنفيذها إلا بإزالة الأبنية المخالفة.

وفيما تبقى عشرات العائلات في مواجهة مصير غامض، يزداد الجدل حول مستقبل حي نشأ خارج القانون، واستقر داخله آلاف السوريين، ليجدوا أنفسهم اليوم أمام قرارات لا يعرفون خلفيتها، ولا يملكون أدوات الاعتراض عليها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا