لبنان الكبير في عمر الـ 105 سنوات: التحوّلات تخدم الاستقلال
يدخل لبنان الكبير عامه الـ 105. في عمر البشر، هذا الرقم يعني الشيخوخة المفرطة، أمّا في أعمار الدول فلا يزال مولود الأرز فتيًّا وفي طور التأسيس.
أبصر لبنان الكبير النور في 1 أيلول 1920. ولعبت بكركي والبطريرك الماروني الياس الحويك الدور الأكبر في الوصول إلى هذا الحلم. استفاد البطريرك آنذاك من التناقضات والتبدّلات الدوليّة وأنشأ لبنان الكيان.
كُثر نصحوا بطريرك الموارنة، منهم من دعاه إلى الحفاظ على جبل لبنان التاريخي، أي حدود المتصرفية، وآخرون حذّروه من خطر التنوّع وضمّ مناطق مسلمة واسعة في الشمال والبقاع والجنوب، لكنّ الحويّك كان يُفكّر من منطلق وطنيّ لا طائفيّ، وعمل على حفظ الأقلية الدرزية، ولم يرد للشيعة التشرّد في دول الجوار، فهو كان يبحث عن بلد قابل للحياة ويملك موارد الصمود، ولم يعمل من أجل خلق وطن قوميّ مسيحيّ.
قد يكون التحذير للبطريرك في ذاك الوقت في محلّه، فهو ضمّ مدنًا ومناطق إسلامية لا تريد لبنان الكبير أصلًا وكانت تطمح للانضمام إلى الوحدة العربية. وهذا العطب ظهر بشكل واضح عام 1958 عندما سارت الأغلبية المسلمة خلف الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومنذ عام 1967 عندما شرّعت البلد للفدائيين الفلسطينيين.
حدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ورفع سنّة لبنان شعار "لبنان أولًا"، وسار معهم الدروز، وبقي المكوّن الشيعي يُغرّد وحيدًا وسار مع إيران إلى أن حلّت الكارثة عليه في حرب "الإسناد" الأخيرة ولم يتعلّم ويستخلص العبر حتى الساعة.
لا يمكن إنكار أنّ الأغلبية الساحقة من الدروز والسنّة مع لبنان الكبير حاليًّا. وهذا الأمر يعزّز فكرة الدولة. سقط نظام الرئيس بشار الأسد الذي كان ذا طابع علوي وتشكّل نظام جديد برئاسة أحمد الشرع، وعلى الرغم من الترحيب السنّي بقدوم الشرع، إلّا أنّ أحدًا من الفاعليّات السنيّة سواء الدينية أم النيابية أم الوزارية لم يرفع شعار الانضمام إلى سوريا الجديدة والالتحاق بالمدّ السنّي.
وإذا كانت الأكثرية الساحقة المسيحية والسنيّة والدرزية مع مشروع الكيان اللبناني، يبقى انتظار المكوّن الشيعي للعودة إلى لبنانيّته، ويبدو أنّ منطق اللاعقل هو الذي يتحكّم بالساحة الشيعية حاليًّا، والارتهان لإيران لا يزال في أعلى مستوياته، والأصوات الشيعية التي تنادي بالدولة تُخوّن من بيئتها.
ومن جهة ثانية، تتجمّع معظم العوامل لتصبّ في مصلحة ترسيخ الكيان اللبناني. تصريحات الرئيس الشرع الأخيرة عن العلاقة مع لبنان والتعاون تدلّ على مستوى تعاطٍ جديد، فتاريخيًّا، وخصوصًا أيام نظام "البعث"، كانت لدمشق أطماع في لبنان ويعتبره نظام الأسد المحافظة الـ 15 السورية.
وما زالت مواقف الدول العربية تصبّ في مصلحة لبنان. مصر عبد الناصر، أصبحت مصر التي تهتمّ بمشاكلها ولا توجد لها أطماع داخل لبنان، ودول الخليج تجهد من أجل مساعدة لبنان وفرض الدولة سيادتها.
وتتحرّك أوروبا عبر الفاتيكان وفرنسا لحفظ الكيان اللبناني وحمايته ومنع انهياره، بينما تُمسك الولايات المتحدة الأميركية بالورقة اللبنانية بعدما سلّمتها عام 1990 للرئيس حافظ الأسد، ومن بعدها لم تخض معركة لمنع سقوط بيروت بيد طهران.
لا يمكن بناء سياسة داخلية من دون الأخذ في الاعتبار التبدّلات والسياسة الدولية، فبعد انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتأليف حكومة جديدة برئاسة الرئيس نواف سلام، باتت للبنان سلطة تتعاطى مع الخارج ومتحرّرة للمرّة الأولى من سيطرة إيران، وبالتالي يتجه الوضع اللبناني نحو مزيد من الإيجابيات.
ومهما كانت السياسة الخارجية تخدم القضية اللبنانية، يبقى الأهم ما يقرّره الداخل وما يقوم به. الحكومة اللبنانية اتخذت قرارًا تاريخيًّا بحصر السلاح بيد الشرعية والعبرة تبقى في التنفيذ، في حين يُنتظر من شيعة لبنان العودة إلى مشروع الدولة، لأن الدويلات المدعومة من إيران سقطت في المنطقة ودفع الشيعة الثمن الأكبر لمناصرتهم المشروع الإيراني في لبنان.
ألان سركيس - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|