محليات

من يخلف سعد الحريري؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تشهد الساحة السنيّة في لبنان منذ أشهر حراكًا متسارعًا يُشبه إلى حدّ بعيد معركة انتخابية مبكرة، حيث تسعى شخصيات سياسية من الصف الأول إلى إعادة التموضع مستفيدة من الفراغ الذي خلّفه غياب المرجعية الموحدة بعد انكفاء تيار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري. وفيما يحاول كل طرف أن يقدّم نفسه كخيار وازن قادر على تمثيل الطائفة، يبقى العامل الخارجي، وتحديدًا الموقف السعودي، هو الفيصل في تحديد الوجهة النهائية.

في هذا المشهد، يحرص رئيس الحكومة والقاضي والدبلوماسي نواف سلام، الذي شغل سابقًا منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة، على تعزيز حضوره السياسي والاجتماعي. فقد سجّل مؤخرًا مشاركته الأولى في جلسة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، في خطوة مقصودة تهدف إلى تكريس شرعية دينية واجتماعية تعزز موقعه الحالي وتفتح أمامه آفاق المستقبل. سلام يسعى بوضوح إلى الجمع بين شرعية داخلية ودعم خارجي، مستفيدًا من صورته كوجه أكاديمي ودبلوماسي إصلاحي.

أما الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، فيواصل نهج البراغماتية الذي عُرف به. فهو يتفادى المواجهة المباشرة مع حزب الله ومحور الممانعة، من دون أن ينخرط كليًا معهم، مفضّلًا الحفاظ على خطاب متوازن يسمح له بالتموضع في أي تسوية مقبلة. ويدرك ميقاتي أنّ قوته تكمن في كونه رجل توازنات لا رجل مواجهات، فيسعى لاستثمار هذه الصورة داخليًا وخارجيًا للبقاء لاعبًا ضروريًا على الطاولة.

الرئيس السابق تمام سلام يبدو في المقابل وكأنه ينسحب تدريجيًا من الواجهة، ليفسح المجال أمام نجله صائب سلام كي يطلّ على المشهد من بوابة العاصمة بيروت. وبهذا يحاول آل سلام إعادة إحياء دورهم التاريخي في السياسة السنيّة، عبر تحضير الجيل الجديد وتحويل الإرث العائلي إلى رأس مال سياسي جديد.

في موازاة ذلك، يسعى الرئيس السابق فؤاد السنيورة، المعروف بخطه السيادي منذ حكومة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى العودة من باب الاعتدال والسيادة معًا. خبرته السياسية تمنحه حيثية لا يمكن إنكارها، لكنه يواجه صعوبة في استقطاب جمهور واسع في ظل تبدّل المزاج الشعبي داخل الطائفة.

النائب فيصل كرامي، ابن الرئيس الراحل عمر كرامي وابن شقيق رئيس الوزراء الشهيد رشيد كرامي، يحاول بدوره الابتعاد تدريجيًا عن محور الممانعة بعدما أدرك أنّ التصاقه الطويل به لم يعد يخدم طموحه. لكنه يواجه تحديات إضافية تتمثل في خلافاته مع حزب القوات اللبنانية والإرث الثقيل المتعلق باغتيال عمه، الذي لا يزال حاضرًا في الذاكرة السياسية اللبنانية. وبالرغم من محاولاته تبني خطاب أكثر استقلالية، تبقى قيوده التاريخية والسياسية عائقًا أمام اختراقه الفعلي.

النائب حسن مراد، ابن النائب والوزير عبد الرحيم مراد، المعروف تاريخيًا بتأييده للمقاومة بمختلف أشكالها، يحرص اليوم على اعتماد خطاب معتدل يوازن بين الثوابت الوطنية والانفتاح السياسي. فهو يتمسّك باتفاق الطائف كأساس للحياة الدستورية، ويسعى إلى ترسيخ العمل المؤسساتي من خلال بناء وتطوير مؤسسات تربوية واجتماعية وخدماتية في مختلف المناطق اللبنانية. تحركاته النشطة على الأرض تمنحه حضورًا وازنًا في لبنان عمومًا، وخصوصًا في البقاع حيث يرتكز إلى قاعدة شعبية متينة.

أما النائب فؤاد مخزومي، فيتميّز عن غيره بوضوح خطابه. فهو يطرح موقفًا سياديًا صريحًا يضعه في مواجهة مباشرة مع حزب الله، محاولًا التمايز عبر صلابة موقفه ودعمه المالي والإعلامي الذي يمنحه حضورًا كخيار بديل في الساحة السنيّة.

وفي موازاة هذه الأسماء، يبرز اسم بهاء الحريري الذي يسعى إلى إعادة إحياء مشروع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فالمشروع الذي طبع مرحلة أساسية من تاريخ لبنان لا يزال حاضرًا في وجدان شريحة واسعة من اللبنانيين. غير أنّ محاولات بهاء السابقة لم تنجح بالقدر الكافي بسبب غياب التنظيم وضعف الحضور الشعبي. واليوم يُطرح السؤال، هل يتمكن هذه المرة من تقديم تجربة مختلفة تُكتب لها فرص النجاح، أم أنّها ستبقى محاولة جديدة تُضاف إلى سجل المحاولات غير المكتملة؟

في المحصلة، إنّ التزاحم على الساحة السنيّة يعكس رغبة الجميع في أن يكون “صاحب القرار والمرجعية”. غير أنّ الجميع، مهما تعددت مقارباتهم، يبقون في حالة انتظار لإشارة من الرياض، إذ تبقى المملكة العربية السعودية الممر الإلزامي لأي زعامة سنيّة وازنة في لبنان. وعليه، فإن كل هذه التحركات، رغم أهميتها، تبقى في إطار رسم الأدوار والتموضع، ريثما تحدد المملكة من سيكون الزعيم الفعلي للطائفة السنيّة في المرحلة المقبلة.

ليبانون ديبايت - محمد المدني

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا