هل ما سمعه برّاك من رئيس الجمهورية قد أثار غضبه؟
قبل أن يصدر بيان عن المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري، فعلى الأرجح أن الدوائر المعنية بالبرتوكول الرئاسي قد عادت إلى التسجيل الصوتي للموفد الأميركي توم برّاك، والذي توجّه فيه إلى الصحافيين المعتمدين لتغطية النشاط الرئاسي ليتأكدوا إذا كان المقصود بكلامه animalistic أو anomalistic مع ما تعنيه كل كلمة بالترجمة الحرفية من معانٍ مختلفة. فترجمة كلمة anomalistic هي فوضى شاذة خارجة عن المألوف والطبيعي، بينما كلمة animalistic تعني "حيوانية". إلاّ أن التسجيل لم يكن واضحًا مما أضطر هؤلاء، وهذا رأي افتراضي، للاستعانة باختصاصيين في تقنيات الفيديو. وربما كان الرأي السائد أن برّاك لم يقصد وصف فوضى الصحافيين بـ "الحيوانية". وهذا ما أضفى على البيان الإعلامي صفة الشمولية، مع أنه شدّد على حرفية الصحافيين ومهنيتهم، وأبدى حرصه على كرامتهم.
وبغض النظر عمّا قصده برّاك في كلامه فإن تعاطيه مع الإعلاميين بهذه الطريقة الفظة، والتي هي أبعد ما تكون عن اللغة الديبلوماسية ،التي يُفترض أن يتحّلى بها أي موفد أو مندوب يمثّل بلاده، التي تربطها بلبنان علاقات ديبلوماسية قائمة على الاحترام المفترض أن يكون متبادلًا، لم تكن مقبولة لا بالشكل ولا بالمضمون.
وبهذه الطريقة الاستعلائية، التي خاطب بها صحافيي القصر الجمهوري، وهم يمثّلون مختلف وسائل الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع، يكون برّاك قد أعطى حجة إضافية للذين يتهمون الحكومة بأنها تتلقى تعليماتها من الخارج، خصوصًا أن كلام الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، وكذلك البيان الصادر عن كتلة "الوفاء للمقاومة"، كان واضحًا لجهة وصف القرار الحكومي بحصر السلاح في يد القوى
اللبنانية الشرعية بانه أميركي – إسرائيلي، حتى أن وزير خارجية إيران عباس عراقجي قال عنه بأنه إسرائيلي مئة في المئة.
لن ندخل في جدلية ما حصل، ولكن يهمنا الإضاءة على ما يمكن أن يحصل مستقبلًا، وبالتالي يجب عدم القاء اللوم على صحافيات وصحافيي القصر الجمهوري لأنهم لم يغادروا القاعة ويتركوا برّاك لوحده. ولو كان جميع الذين يتشدّقون بكلام فيه من الإهانة أكثر مما قاله الزائر الأميركي ويدّعون البطولات الوهمية مكان هؤلاء الإعلاميين لفعلوا الشيء نفسه، وبقوا مسمرّين في أماكنهم تحت وطأة هكذا كلام لم يسمعوا منه إلا القليل. وهذا ما يذكرنا بتصريح أحد السياسيين عندما انفجر غضبًا في المطار ضد الصحافيين، الذين امطروه بوابل من الأسئلة دفعة واحدة. فماذا فعلوا يومذاك، ولماذا لم تقم قيامة الذين رأوا في كلام برّاك مناسبة لفش خلقهم ضد السياسة الأميركية في المنطقة ولبنان بالتحديد.
لا أحد يمكنه أن يدافع عن شخص قلل من شأن جميع الصحافيين وليس من شأن صحافيي القصر الجمهوري فقط. وهذا ما يدفع المراقبين إلى الغوص في أبعد من كلام لم تستسغه الصحافة الأميركية كثيرًا، والتي اعتبرت أن مثل هذا السلوك يتناقض مع أبسط قواعد ما تدعو إليه الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة إلى حرية الصحافيين وتحرص على كرامتهم. وهذا الكلام في نظر "الاعلام الديمقراطي"، ومن بينه كبيرات الصحف الأميركية، يجب ألاّ يمر مرور الكرام وكأن شيئّا لم يحصل.
ما طالبت به نقابة محرري الصحافة اللبنانية هو عين الصواب، وعلى المؤسسات الإعلامية التجاوب مع دعوتها إلى مقاطعة أي نشاط لبرّاك ما لم يصدر عنه أو عن الخارجية الأميركية اعتذار علني واضح وصريح.
وبغض النظر عمّا يمكن أن يكون عليه سلوك الزائر الأميركي أو أي زائر آخر، أيًّا تكن هويته أو جنسيته، وبالتالي ما يجب أن يفعله أي صحافي يتعرّض لأي إهانة من أي كان يعتقد أن الصحافة هي مكسر عصا أو مزراب عين، فإن المتضررين من قرار حصر السلاح هم وحدهم المسرورون مما حصل، لأن هذا التصرّف قد أعطاهم دفعًا إضافيًا للمضي في رفض هذا القرار غير المسبوق. وهذا يقود البعض إلى بعض الاستنتاجات غير المستندة إلى أي معلومات رسمية دقيقة، وهي أن غضب برّاك معطوفًا على كلام كل من السيناتورة جين شاهين والسيناتور ليندز ابراهمز جاء نتيجة ما سمعه الوفد الأميركي من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن الموقف الإسرائيلي، الذي عاد به الموفدان الأميركيان، والذي يمكن اعتباره غير مسهّل للمضي قدمًا في تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|