الصدي يعرض بالأرقام لواقع المياه والإجراءات المتخذة والخطوات المستقبلية
الورقة الأميركية: من خطوة حكومية إلى فضيحة سياسية
لم يكن المشهد اللبناني بحاجة إلى مزيد من التعقيد بعد التطورات التي حصلت في الأيام الأخيرة والتي فتحت الباب على مرحلة سياسية وأمنية جديدة. فمع توقيع الحكومة اللبنانية على الورقة الأميركية وإصدارها قراراً بتحديد مهلة زمنية، مكلِّفةً الجيش وضع خطة لحصر سلاح "حزب الله"، انكشفت التوازنات الداخلية والخارجية دفعة واحدة، الى أن جاءت تصريحات مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لتفجّر الوضع أكثر، إذ سارع الى استثمار الخطوة مبادراً بالثناء على الدولة اللبنانية «بقيادة الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام»، مؤكداً أنّ إسرائيل «تقدّر هذه الخطوة الهامة» وأنها «جاهزة لدعم لبنان في جهود نزع سلاح حزب الله». لكنّ ما بدا ظاهرياً إشادة، تحوّل عملياً إلى فضيحة سياسية، لأنّه قدّم الحكومة أمام الداخل كسلطة تنفّذ ما يريده العدو، وأسقط في الوقت نفسه مهمة المبعوث الأميركي توم برّاك قبل اجتماعه بالرؤساء الثلاثة حين حسم أنّ الأولوية المطلقة هي نزع السلاح، وكل ما عدا ذلك يأتي لاحقاً.
هذا الموقف وضع لبنان الرسمي في موقع شديد الحساسية، فالسلطة التي أرادت أن تُظهر نفسها كطرف مسؤول أمام المجتمع الدولي، وجدت نفسها محاصَرة في الداخل بعدما تحوّلت ورقتها إلى موضع ثناء علني من نتنياهو. وإذا كانت الحكومة لا تزال تملك غطاءً داخلياً من قوى وازنة وكتل سياسية، اضافة الى الغطاء الخارجي، فإنّ الإحراج الذي سبّبه الموقف الإسرائيلي قلّص قدرتها على تقديم قرارها كخيار سيادي. وما زاد من هشاشة موقعها أنّ نتنياهو ربط أي خطوة لبنانية مستقبلية بمقياس واحد: نزع السلاح أولًا، ثم النظر لاحقاً في تقليص وجود اسرائيل العسكري.
في المقابل، جاء موقف الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، ليقلب الطاولة. فبلهجة واضحة قال إنّ «السلاح هو روحنا وكرامتنا ولن نساوم عليه»، رافضاً منطق «خطوة بخطوة» الذي حاولت
واشنطن تسويقه. وبدلًا من ذلك، ثبّت سلّماً معكوساً للأولويات يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي وانسحاب الاحتلال من النقاط المحتلة، مروراً بإطلاق الأسرى واعادة الإعمار، وصولاً إلى نقاش وطني حول الاستراتيجية الدفاعية. وبهذا الرد، رسم "الحزب" خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، وأعاد التأكيد أنّ أيّ مقاربة تتجاهل هذه الشروط ستفشل قبل أن تبدأ.
أمّا داخلياً، فإنّ التناقض بين الموقفين فتح الباب أمام تصعيد سياسي واضح. فالحكومة من جهة تحاول أن تثبت للخارج أنّها بدأت بتنفيذ التزاماتها، بينما "الحزب" يرفض من جهة أخرى أصل الفكرة ويعتبرها مسّاً بالسيادة. أمّا الجيش، المكلف إعداد الخطة، فيجد نفسه عالقاً بين ضغط دولي يطالبه بالإنجاز وبين واقع داخلي لا يسمح له بالتحرك ضدّ بيئة واسعة ومتماسكة. وفي ظل هذا المأزق، يصبح أي احتكاك ميداني، ولو محدود، مرشّحاً للتصعيد السريع، سواء عبر مداهمة أو ضبط سلاح أو تشديد على الحدود.
وبحسب مصادر سياسية مطّلعة فإنّ هذه التفاعلات ترسم مشهداً داخلياً مفتوحاً على احتمالات عدّة، أقلّها تصعيد سياسي محتدم، وأكثرها خطورة انزلاق نحو اهتزاز أمني. ورغم أنّ احتمال مواجهة شاملة بين الجيش والمقاومة يبقى ضعيفاً، وفق المصادر، نظراً لكلفته الباهظة ورفضه الشعبي من قبل بيئة المقاومة من مختلف الطوائف، فإنّ مجرّد دخول إسرائيل على خط "الإشادة" بالحكومة منح "حزب الله" ذريعة إضافية لتشديد موقفه، وأعطى خصومه مادة للهجوم السياسي والإعلامي، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد استقطاباً حاداً قد يصعب احتواؤه.
في المحصلة، يتجاوز الخطر حدود ورقة من هنا أو مهمة مبعوث من هناك، ليكشف أنّ لبنان بات عالقاً بين ضغط خارجي يفرض إيقاعه وشروطه، وواقع داخلي يرفض التنازل عن معادلاته. وهنا تكمن الخطورة؛ فالمعادلة لم تعد تترك مساحة للمناورة، بل تدفع البلاد إلى حافة خيارات صعبة، حيث أي انزلاق قد يتحوّل إلى شرارة تُدخل لبنان في مرحلة أشدّ قسوة من كل ما سبق.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|