الصحافة

ما خلفية استحضار قاسم للطائف؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليس بريئًا ادعاء الشيخ نعيم قاسم بأن ما يسمى «المقاومة جزء من دستور الطائف ومنصوص عليها هناك، ولا يمكن لأمر دستوري أن يناقَشَ بالتصويت بل يتطلب توافقًا»، خصوصًا أن موقفه تزامن مع انعقاد الحكومة التي على جدول أعمالها إنهاء السلاح غير الشرعي والمعني الأول به «حزب الله».

فما أراد الشيخ نعيم قوله للحكومة المجتمعة هو التالي: في حال أصررتم على نزع سلاحنا، سنطالب بتعديل الدستور، أي سننقل الأزمة من أزمة سلاح إلى أزمة نظام، ولن نرضى بنزع السلاح من دون مكاسب في النظام. لا يمكن فهم موقف أمين عام «الحزب» إلا على هذا النحو، لأن استحضاره لاتفاق الطائف ليس في محله إطلاقًا، كونه يعلم تمام العلم أن ما يسمى المقاومة كان مطلوبًا تجريدها من سلاحها منذ العام 1991 أسوة بسائر الميليشيات اللبنانية، كما يعلم أن التذاكي في هذا الأمر لا يصحّ ولا يمرّ باعتبار أن النصوص واضحة وضوح الشمس ولا تحتمل التأويل ولا الالتباس وتؤكد حصرية السلاح بيد الدولة التي تبسط شرعيتها على الأراضي اللبنانية كلها بقواها الذاتية حصرًا.

ولا حاجة للتكرار أن الانقلاب على اتفاق الطائف بدأ مع احتفاظ «حزب الله» بسلاحه، وأن مفاعيل هذا الانقلاب انتهت في جلسة الحكومة المنعقدة بتاريخ 5 آب 2025 والتي كلفت الجيش إنهاء السلاح غير الشرعي بحلول نهاية العام الحالي، حيث أن «الحزب» صادر قرار الدولة بقوة الاحتلال الأسدي وتقاسم النفوذ بين الأخير وبين إيران في لبنان.

ويحاول «حزب الله» اليوم أن يستنسخ أسلوب الرئيس نبيه بري المتمسك بحقيبة المالية للشيعة بارتكازه على مناقشات الطائف لا على نصوصه، علمًا أن النقاشات طالت المواضيع كلّها، والمستند أو المرجع هو ما تم إقراره وليس ما تم تناوله، وما أقرّ كان شديد الوضوح بعدم تخصيص أي حقيبة لأي طائفة، وبالتالي ما يريده الرئيس بري هو تمنّ خاص لا علاقة له باتفاق الطائف لا من قريب ولا من بعيد.

فاستحضار الشيخ نعيم لاتفاق الطائف، وما ورد في بيان «حزب الله» بانه سيتعامل مع قرار الحكومة وكأنه غير موجود، واقتباسه فقرة من الطائف محوّرًا مضمونها وجوهرها، وما جاء في وسائل إعلام «الحزب»، كلها تؤكد أن هذا الفريق يريد، على طريقة الرئيس بري، ربط النزاع بين سلاحه واتفاق الطائف، وهذا يعني أن لبنان دخل في مرحلة خلافية جديدة عنوانها تغيير النظام، إذ بعد أن لمس بأن سلاحه انتهى ومشروعه انتهى، وبعد أن فشلت محاولاته منع الحكومة من اتخاذ قرار بسط سيطرتها ضمن جدول زمني واضح، قرّر الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة الحزبية.

كان باستطاعة «حزب الله» أن يعتمد الوضوح السياسي بدلًا من الخبث السياسي بالقول صراحة إنه يريد تعديل الدستور، وإنه ما لم يتم التجاوب مع مطلبه يعلِّق مشاركته في الحكومة والبرلمان، ولكن لماذا لجأ إلى الخبث بالكلام عن أن ما يسمى «المقاومة هي جزء من الطائف»، وذلك على رغم أن القاصي والداني يعرف أن ما يسمى المقاومة لا علاقة لها بالطائف، وشكلت انقلابًا على الطائف، فيما بأي عقل ومنطق يمكن أن يقبل المسيحي والسني والدرزي بمقاومة تشكل جزءًا من مشروع شيعي إيراني، ومعلوم أن العقل السني هو عقل دولتي ولا يقبل بسلاح خارج الدولة، كما أن المسيحي يعتبر السلاح الإيراني خطرًا عليه، وإلخ؟

وقد تكون الخلفية الأساسية خلف الخبث الذي قرّر اعتماده قاسم أن يشتري الوقت بربط النزاع حول سلاحه، فهو لا يريد ان يُعلن انتهاء مشروعه المسلّح التزامًا بقرار الحكومة، وهذا ما دفعه إلى الإعلان بأنه سيتعامل مع قرار جلسة 5 آب الحكومية وكأنه غير موجود، ولا يريد إسقاطه في الشارع على غرار إسقاط قرار جلسة 5 أيار الحكومية في العام 2008، لأن ظروف الأمس تختلف عن ظروف اليوم، وهو عاجز عن استخدام سلاحه، ولا يريد استخدام الأهالي في خطوة من دون أفق، ولا يريد الخروج من الحكومة قبل أن تكون لديه خطة بديلة، ولا يبدو أن هذه الخطة جاهزة على غرار خروجه من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى الشارع ومحاصرة السراي الحكومي وصولًا إلى 7 أيار، وبالتالي طالما يفتقد إلى التوجُّه الذي سيعتمده في المرحلة المقبلة قرّر شراء الوقت عن طريق ربط النزاع باتفاق الطائف، لأن تعليمة بري أيضا تقول إن الكلام على تغيير الدستور يستفز السنة والمملكة العربية السعودية، وتجنبًا لذلك من الأفضل أن يدّعي ولو زورًا وبهتانًا بأن ما يسمى المقاومة هي جزء من الطائف.

ويبقى السؤال: هل استحضار «حزب الله» لاتفاق الطائف هو تعليمة من الرئيس بري؟ وما أفق هذا الاستحضار؟ الأكيد أن «الحزب» يتحضّر للمرحلة الجديدة، ولا يريد أن يتسرّع بقراره، فوجد أن التوجُّه الأنسب لاعتماده يكمن في تجاهل قرار الحكومة إرضاءً بشكل أو بآخر لبيئته بأن مفاعيل ما صدر لن تترجم على أرض الواقع، ويترك لنفسه فسحة من الوقت من أجل التفكير قبل الانتقال إلى الخطة باء، خصوصًا بعد أن حسمت الحكومة قرار حصر السلاح ضمن مهلة زمنية أقصاها آخر العام الحالي ولا رجوع عنها، وهو يدرك أن القرار اتخذ ليطبّق.

شارل جبور - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا