دجاجة "حزب الله" أوّلًا أم بيضة إسرائيل؟
حين قصد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد قصر بعبدا الأسبوع الفائت، لم يكن اللقاء مع الرئيس جوزاف عون مجرّد اختلاف في وجهات النظر، بل "مواجهة" بين الرئيس الذي قال إنّ دجاجة "حزب اللّه" أوّلًا، ورعد الذي اعتبر بيضة إسرائيل قبل دجاجتهم!
بحسب مصادر مطّلعة، أصرّ رعد على مقاربة رباعية، تُقدّم الانسحاب الإسرائيليّ من الجنوب، وإطلاق الأسرى، وإعادة الإعمار، وضبط الحدود الشرقية، كأرضيّة لا بدّ منها قبل أيّ نقاش في مسألة السلاح. أمّا الرئيس عون، فكانت له مقاربة مقلوبة: نبدأ أوّلًا من الدجاجة - سلاح "حزب اللّه" - التي تتيح لإسرائيل مواصلة إنتاج "البيض" في جنوب لبنان، مستفيدة من غياب القرار الواحد.
تقول المصادر إنّ الرئيس عون أرادها جلسة مكاشفة، وقد شرح لرعد أنّه عمل على مدى سبعة أشهر على تطييب جرح "حزب اللّه"، وأنه آن وقت استثمار الوقت في تعافي البلد.
النقاش لم يكن سياسيًا فحسب، بل كان تقنيًا أيضًا، وسرعان ما تحوّل إلى سلسلة أسئلة عسكرية مباشرة، أمطر بها الرئيس عون النائب رعد، دون أن يترك متّسعًا للمناورة: هل لا يزال السلاح عنصر حماية أم بات عبئًا استراتيجيًا؟ هل لا يزال بمقدور "حزب اللّه" أن يخوض حربًا فعّالة؟ هل يتمتّع "حزب اللّه" بشبكة علاقات دولية تُنتج مظلّة سياسية تحميه من الحرب أو العزلة؟
ثمّ مضى عون في طرح الأسئلة المالية الأكثر إحراجًا: هل تستطيع المقاومة أن تستمرّ، بينما الدولة تتآكل من حولها؟ إلى متى يمكن لبيئة "حزب اللّه" أن تصمد بلا إعمار؟ وهل بمقدور لبنان أن يتحمّل كلفة الاستنزاف المالي المستمرّ الناتج عن معادلة الاحتفاظ بالسلاح؟
التقدّم إلى الأمام يمرّ بتسليم السلاح
تقول المصادر إنّ الرئيس عون قدّم لرعد خلاصة واحدة مفادها أنّ التقدّم إلى الأمام يمرّ حصرًا عبر تسليم السلاح للدولة، لا باعتباره استسلامًا، بل انتقالًا من مشروع فئوي، إلى مشروع وطني جامع تحت سقف الدولة.
وضع جوزاف عون "حزب اللّه" أمام Impass، وترك للرئيس نبيه برّي إيجاد مخارج تحت سقف تسليم السلاح، انطلاقًا من كونه "الأخ الأكبر" و "أم الصبي". فهو ليس الأقرب إلى "حزب اللّه" فحسب، بل الأقدر على إحراجه بالحقيقة المجرّدة، أنّ الطائفة الشيعية دفعت ثمن الإسناد الخارجي من رصيدها الداخلي، وأنّ البيئة التي رفعت لواء المقاومة، باتت في موقع الدفاع عن نفسها، لا عن الحدود. وحده برّي من "أهل البيت"، ومن داخل الدار، ويستطيع أن يقول لـ "حزب الله"، ما لا يقوله الرئيس عون أو رئيس الحكومة نوّاف سلام.
برّي يسير على خطّ دقيق
تفيد مصادر مقرّبة من عين التينة، بأنّ رئيس المجلس، منذ دخول جوزاف عون إلى قصر بعبدا، يسير على خطّ دقيق بين مشروعين متباعدين: يضع رجلًا في بور العهد، وأخرى في فلاحة "حزب اللّه". ويحرص بخبرته المجرّبة على ألّا تتقدّم رجله اليمنى على رجله اليسرى ولو بمقدار سنتمتر واحد، خشية أن تميل الكفّة وتسقط اللعبة. وعليه، تتوقّع المصادر أن يواصل بري في جلسة اليوم، لعبة التأييد الحذر، فيؤيّد من حيث الشكل مبدأ حصر السلاح، تحت سقف النقاط المطروحة. فطالما لا جمرك على الكلام، لا مانع من الموافقة على الشعارات. وتحت هذا السقف المطّاط، يجد برّي متّسعًا لحكمته المفضّلة: "روح علّم الحمار... يا بيموت الحمار. يا بيموت الملك. يا بيموت المعلّم". أمّا إذا قرّر مجلس الوزراء، إحالة ملفّ حصر السلاح إلى المجلس الأعلى للدفاع، فذلك، أشبه بمدّ العمر للأطراف الثلاثة: الحمار، والملك، والمعلّم.
الحفاظ على كينونة الدولة
لكنّ دوائر عين التينة نفسها، تؤكّد أنّ العنوان العريض هو تسليم السلاح، ولم يعد موضع نقاش. هذا أمرٌ بحسبها، بات بحكم المسلّم به، والخلاف لم يعد على المبدأ، بل على التوقيت: هل يتمّ عاجلًا، أم يُترك للمستقبل القريب حين تنضج ظروفه؟
تضيف الدوائر: الرئيس نبيه برّي، بصفته "أم الصبي" داخل الطائفة، وبكونه أحد أعمدة الدولة، يحاول الجمع بين المسؤوليّتين عبر عنوان موازٍ رفعه بخطٍ عريض: الحفاظ على كينونة الدولة. ووفق المصادر، لا أحد، بما في ذلك "حزب اللّه"، على استعداد لتخطّي هذا العنوان، أو القفز فوقه، وهذا أساس يمكن البناء عليه.
هل يعني ذلك، أنّ "الحزب" بات مدركًا أنّه أصبح وجهًا لوجه مع مطلب تسليم السلاح؟
تجيب الدوائر، أنّ برّي بوصفه الطرف الشيعي الأكثر تمرّسًا في العمل السياسي، هو من ينسج خيوط المظلّة السياسيّة التي تتيح لهذا التحوّل أن يتمّ بلا انفجار، فيما يبقى "حزب اللّه"، رغم كلّ التصلّب، ضمن مدار المظلّة لا خارجها.
جولة لا خاتمة
ترجّح الدوائر أن تكون جلسة اليوم مجرّد جولة، لا خاتمة المشهد. فالرئيس برّي ينشط على أكثر من محور، وعلى أكثر من خطّ تشاور داخلي وخارجي، ويتبادل مسوّدات وصيغًا مع قصر بعبدا، والسراي الحكومي، وحارة حريك، في محاولة لبلورة مخرج متوازن، يُبقي الجميع تحت سقف الحكومة. وبحسب المصادر، فإنّ الصيغة الختامية المرجوّة، ترتكز على ثابتة لا يُساوم عليها: التأكيد على الانسحاب الإسرائيلي قبل تحديد مهل تسليم السلاح.
لكن، هل يعني ذلك أنّنا عدنا إلى معادلة "الحمار والملك والمعلّم"، حيث الزمن هو المخرج الوحيد؟
تجيب الدوائر عن السؤال بسؤال: "ما معنى تحديد مهلة؟ فحين تُربط قضية كبرى مثل تسليم السلاح بسقف زمني معلن، يبدو الأمر كمن يشدّ مغيطة لا أحد يعرف متى تنفلت، ولا على من ترتدّ".
هندسة تسليم مشرّف
وتضيف أنّ الرئيس برّي يدرك تمامًا، أنّ تسليم السلاح هو العنوان الحتميّ والأوحد، لكنّه يسعى إلى هندسة تسليم مشرّف، قائم على حلّ من شقين: ربط التسليم بالانسحاب الإسرائيلي الكامل، وإبقاء المهلة مفتوحة من دون تحويلها إلى أداة ضغط.
كيف؟
تشرح المصادر أنّ برّي، وبعد سقوط مبادرة الـ 15 يومًا بلا اغتيالات التي أجهضتها إسرائيل، يحاول اليوم الاستعاضة عنها بمبادرة أخرى عبر مسار دبلوماسي بديل. تكشف المصادر أنّ مباحثات يُجريها برّي مع السفارة الأميركية والفرنسيين، تتركّز على صيغة لبنانية جديدة، تواكب موعد تجديد ولاية قوات اليونيفيل ختام الشهر الجاري، وتقوم على منح هذه القوات، ضوءًا أخضر لبنانيًا واضحًا، يتيح لها توسيع هامش حركتها ونطاق عملياتها، من دون الحاجة إلى تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني، لا باعتبارها طرفًا رقابيًا فحسب، بل ضابط إيقاع ميدانيًا، يحلّ محلّ إسرائيل التي تفرض قواعد الاشتباك. وهو طرح، بحسب المصادر، يلقى قبولًا من "حزب اللّه". لذلك، لا يُتوقّع أن يُحسم النقاش في جلسة اليوم، بل يُرجّح أن تُحدّد جلسة جديدة يوم الخميس، ريثما تنضج صيغة نهائية مدوّرة الزوايا، تُطرح للتصويت دون أن تصطدم بمكوّنات حكوميّة لا تكنّ ودًّا عظيمًا لـ "حزب اللّه"، كما لا تحرج "الحزب" إلى حدّ دفعه إلى قلب الطاولة، وترضي الخارج الذي يريد "قطف السلاح" لا قتل الناطور!
نورما أبو زيد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|