تحرّك أميركي-سعودي ضاغط على لبنان: خيار الدولة أو العزلة
تعيش الساحة اللبنانية حالة من الترقب الحذر قبيل اجتماع مجلس الوزراء المقرر يوم غد الثلثاء، في لحظة مفصلية قد تحدد مصير البلاد. يتصاعد الاهتمام العربي والدولي، وسط أجواء مشحونة بالتوتر، في ظل استمرار الانهيار السياسي والاقتصادي الذي يهدد بانفجار شامل. ويراهن اللبنانيون على مخرجات هذا الاجتماع الحاسم، الذي يُتوقع أن يتضمن تحديد مهلة زمنية واضحة لنزع سلاح جميع الميليشيات، في وقت يعمّق تصعيد "حزب الله" تعقيدات المشهد ويهدد الاستقرار الداخلي.
في هذا السياق، تقود الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية جهودًا دبلوماسية وأمنية مكثفة، تعكس حالة استنفار غير مسبوقة، ورغبة جدّية في احتواء الأزمة المتفاقمة. ومع استمرار عجز الطبقة السياسية اللبنانية عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، تأتي الرسائل الدولية حازمة وواضحة: لا دعم من دون إصلاحات جذرية، ولا مكان بعد اليوم للمماطلة أو التسويف، مع تأكيد قاطع على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
وقد كشفت مصادر دبلوماسية أميركية رفيعة لـ"نداء الوطن" أن الولايات المتحدة وجهت رسائل واضحة إلى الدولة اللبنانية، مفادها بأن زمن التلكؤ قد انتهى، وأن واشنطن تراقب عن كثب جلسة مجلس الوزراء المرتقبة، والتي من المنتظر أن تبحث في تحديد مهلة زمنية لنزع سلاح جميع الميليشيات غير الشرعية، انطلاقًا من اعتبار الجيش اللبناني الجهة الشرعية الوحيدة المخوّلة بحمل السلاح.
رسائل حاسمة: لا للتسويف أو الالتفاف
وأفادت المصادر الدبلوماسية نفسها بأن الموفد الأميركي إلى لبنان توم براك، أجرى اتصالًا بنظيره السعودي الأمير يزيد بن فرحان، عقب زيارته الأخيرة لبيروت، مؤكدة وجود توافق كامل بين واشنطن والرياض حول مقاربة مشتركة للأزمة اللبنانية.
كما نوّهت المصادر الأميركية بكلمة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، في العيد الثمانين للجيش، ووصفتها بأنها تعبّر عن التزام واضح بثوابت الدولة. وشددت على أن تنفيذ المطالب الدولية لم يعد موضع نقاش، وفي طليعتها حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء جميع أشكال التسلح غير الشرعي، إضافة إلى ضرورة الانطلاق الجدي بالإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي طال انتظارها.
إشراف سعودي مباشر على المسار الأمني
على الصعيد الأمني، شهدت الرياض اجتماعًا أمنيًا رفيع المستوى بين لبنان وسوريا، برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وبمشاركة الأمير يزيد بن فرحان، وحضور مدير المخابرات اللبنانية العميد طوني قهوجي ونظيره السوري حسين السلامة.
تناول الاجتماع ملفات أمنية بالغة الحساسية، أبرزها ملف الحدود والتوترات في محافظة السويداء السورية، وسبل الحدّ من تداعياتها المحتملة على الداخل اللبناني. وقد تقرر استمرار التنسيق الأمني اللبناني – السوري تحت إشراف سعودي مباشر، في مؤشر واضح إلى ازدياد اهتمام المملكة بمنع تسرب الفوضى والتهريب عبر الحدود بين البلدين.
وبحسب مصادر لبنانية مطّلعة، يعكس هذا الانخراط السعودي حرصًا على عدم ترك الساحة اللبنانية رهينة للفراغ أو التجاذبات الإقليمية. فالمملكة، التي تعتبر استقرار لبنان جزءًا لا يتجزأ من استقرار المنطقة، تبدو عازمة على أداء دور متقدم، لا يقتصر على الضغط السياسي، بل يشمل مبادرات أمنية مباشرة تهدف إلى ضبط المشهد ومنع انفلاته .
ويُقرأ هذا التحول في مقاربة الرياض للملف اللبناني على أنه خروج من سياسة "الانتظار والمراقبة" نحو استراتيجية أكثر فاعلية وحضورًا، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى تنامي نشاط خلايا متطرفة عند الحدود اللبنانية–السورية، واستغلالها للتوترات الأمنية المستجدة سواء على جانبي الحدود أو داخل الأراضي اللبنانية.
قلق خليجي من الانفلات وخيارات تصعيدية
تزامن هذا التحرك الحاسم مع تسريبات دبلوماسية كشفت أن دول مجلس التعاون الخليجي تتابع التطورات في لبنان عن كثب، وتدرس إجراءات مشددة تستهدف تجفيف مصادر التمويل التي يعتمد عليها حزب الله. وتشمل هذه الإجراءات فرض رقابة صارمة على التحويلات المالية إلى لبنان.
وتأتي هذه التحركات في سياق خطوات مماثلة لقرار وزارة الخارجية الكويتية بفرض عقوبات على "جمعية القرض الحسن"، انسجامًا مع المطالب الدولية الرامية إلى تقييد قدرة الحزب على التحرك والتأثير .
السلطة اللبنانية أمام قرار مصيري تحت ضغط دولي
في الوقت الراهن، يقف لبنان أمام منعطف حاسم. فالرسائل التي حملها الحراك الأميركي – السعودي الأخير لا تقتصر على كونها تذكيرًا، بل تشكّل تحذيرًا نهائيًا.
المجتمع الدولي اختار تصعيد الضغط، ولم يعد بالإمكان القبول بأي تسويات غامضة على حساب سيادة الدولة. الرسالة كانت قاطعة: لا دعم من دون التزام واضح وصريح بمشروع الدولة. وفي ظل هذا الواقع، تجد السلطة اللبنانية نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الامتثال، أو مواجهة عزلة دولية وعربية متزايدة.
يبدو أن لحظة الحسم قد اقتربت. فمع تصاعد الرسائل والتحذيرات العربية والدولية، لم يعد بمقدور الطبقة السياسية التذرّع بالظروف أو الاحتماء خلف شعارات جوفاء. إما انخراط جدي في مشروع الدولة والعودة إلى منطق المؤسسات، أو مواجهة عزلة خانقة وغير مسبوقة.
ومع تسارع الأحداث، قد لا يُمنح لبنان فرصة إضافية لتدارك الانهيار ، ما لم يبادر سريعًا إلى إنقاذ نفسه قبل فوات الأوان.
طارق ابو زينب- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|