الصحافة

عيد استعادة الدولة: الجيش ضمانة اللبنانيين "كلن يعني كلن"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

«لا تتردّدوا في بذل الغالي والنّفيس دفاعًا عن الأهل والأرض، لتحفظوا رسالة الشرف والتضحية والوفاء». هكذا اختصر قائد الجيش رودولف هيكل، بكلمته لعناصر الجيش اللبناني، رمزية عيد الجيش هذا العام، الذي يُعوّل عليه بالفعل لا بالبيان الوزاري للحكومة فقط، بتثبيت ثلاثية واحدة، بعد 80 عامًا على تأسيس الجيش اللبناني، وهي «شرف - تضحية - وفاء»، مسقطة حقبة ثلاثية «شعب جيش مقاومة» التي هددت دور الجيش اللبنانيّ. أما رئيس الجمهورية جوزاف عون، فأتت كلمته لتؤكد «للمرة الألف، بأنّ حرصي على حصرية السلاح، نابع من حرصي على الدفاع عن سيادة لبنان وحدوده، وعلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وبناء دولة تتسع لجميع أبنائها»، في إشارة إلى أن لا بناء للدولة إلا بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني وحده، وتأكيد أنّ السلطة السياسية ماضية بالتنفيذ.

80 عامًا من التحديات في عمر الجيش اللبنانيّ. 73 عامًا منها كانت «قصة» وسنوات الانهيار السّبع الأخيرة كانت «قصة أخرى»: الانهيار الاقتصادي، انتفاضة العام 2019، انهيار رواتب عناصر الجيش وميزانيته، وانفلاش دويلة «حزب الله».

يسأل اللبنانيون :»عيد بأية حال عدت يا عيد؟» وتعويلهم ليس أقل من «تجديد»، ينتقل فيه الجيش من تحدي تماسك المؤسسة خلال الانهيار، وهو ما نجحت به بالفعل، إلى مهمة احتكار السلاح على كافة الأراضي اللبنانية، ونزع كل سلاح غير شرعي.

وهي المهمة «الأهم» للجيش منذ عقود، ليس بهدف تطبيق قرارات الشرعية الأممية وفي طليعتها القرار 1701 وحسب، وليس لأن الولايات المتحدة تضغط لتطبيقه، أو لأن إسرائيل تهدد بضربات عسكرية، بل لأن «التوقيت اللبناني» لبناء الدولة وإنقاذ الكيان قد حان.

في السياق، تعلق مصادر الجيش في حديث لـ«نداء الوطن»، بالقول إنّ «خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام هما خارطة طريق الجيش اليوم لاستعادة السيادة ونحن جاهزون لاحتكار السلاح، بانتظار القرار السياسي»، كاشفة أنّ الحملات الأمنية التي تكثفت في الآونة الأخيرة لإيقاف مطلوبين خطرين في مناطق كانت سابقًا «محمية» من «حزب الله» ومعامل كبتاغون وغيرها، تأتي في إطار القرار السياسي باستعادة السيادة.

كيف كانت عقيدة الجيش اللبناني حصنًا منيعًا حماه من الانهيار؟ وماذا تقول مصادر الجيش عن استعداده في عيده الثمانين لاحتكار السلاح؟ وكيف بدأ القرار السياسي بالفعل يؤثر في ضبط كل ما هو غير شرعي في سبيل استعادة سيادة الدولة؟ وماذا تقول أخت شهيد الجيش اللبناني، الرائد محمد فرحات، الذي وقف بوجه الجيش الإسرائيلي جنوبًا بعبارته الشهيرة we are defending our land لشقيقها في عيد الجيش؟

العقيدة أقوى من الانهيار

لعقود مضت، تناسى «حزب الله» وهو يكرّر سردية أن «أميركا لن تقبل بجيش لبناني قوي»، أنّ المنظومة السياسية في لبنان، وضمنها «حزب الله»، هي من كانت تضعف الجيش اللبناني. فليس هناك جيش قوي بلا دولة قوية، ولا دولة قوية، تتعايش تحت سقف واحد مع «دويلة» تنهشها في الصميم: في اقتصاد موازٍ وحدودٍ مستباحة للتهريب وقضاء العدالة فيه ممنوعة من الصرف، وصولًا لترسانة عسكرية تطعن بحق الجيش اللبناني باحتكار السلاح وحق الشعب عبر الدولة اللبنانية وحدها، بقرار السلم والحرب وتقرير المصير. لا بل إنه يوم أثبت الجيش وطنيته في دفاعه عن الخط 29 لترسيم الحدود البحرية، ضمانًا لحصة لبنان بحقل كاريش، كانت السلطة السياسية تخذل الجيش اللبناني.

هذا في مفهوم «الدولة» و»الدويلة». أما الانهيار الذي تسببت به الطبقة السياسية - وضمنها «حزب الله»- والذي جعل راتب العسكري في الجيش لا يتخطى 100 دولار، وهدد مؤسسات الدولة بالانحلال، فلم يكن أقلّ من «حرب» خيضت ضد الجيش اللبناني.

هكذا منعت دويلة «حزب الله»، بسط الجيش اللبناني سيادته مرتين: مرة بإضعاف الدولة، ومرة بتدمير مالية مؤسسة الجيش. فكانت تهدد ليس السيادة اللبنانية وحسب، بل دولة المواطنة، لما يمثله الجيش من رمزية وطنية يلتف حولها الشعب اللبناني.

في مرحلة انهيار عام 2019، ظهر دور قائد الجيش السابق، رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي كان واعيًا لخطورة المرحلة البالغة الحساسية آنذاك. مصادر عسكرية رفيعة، في حديثها لـ «نداء الوطن»، تشيد بسياسة عون التي «ضمنت تماسك المؤسسة وصمود عناصرها، رغم تأثرها الشديد بالانهيار».

«إنسانيًا واضطراريًا»، سمحت المؤسسة لعناصر الجيش بالعمل في وظائف أخرى، بشكل لا يؤثر على مهماتهم العسكرية، مراعاة لظروف عائلاتهم بعدما وصل راتب العسكري إلى 100 - 150 دولارا فقط في أوج الأزمة».

رغم تدني رواتبهم، كان العسكر الفارون من الجيش، هم الأقل نسبة لعدد الجيش (حوالى 75 ألف عسكري) مقارنة بعدد الفارين في أسلاك أخرى، وهو ما ساهم في صمود المؤسسة. وترجع مصادر الجيش ذلك، إلى أن قائد الجيش آنذاك جوزاف عون، حرص على الإبقاء على الطبابة تمامًا كما كانت قبل الأزمة (على عكس أفراد قوى الأمن الداخلي الذين حرموا منها).

أما الدعم الخارجي من الدول «الصديقة والشقيقة»، فساهم بشكل أساسي في صمود الجيش في تلك المرحلة. والدعم الأبرز كان من دولة قطر (مساعدات للعناصر - إضافة على الراتب)، والولايات المتحدة الأميركية (مساعدات لمؤسسة الجيش اللبناني)، كما أن هناك لبنانيين قدّموا مساعدات وهبات ومكّنوا الجيش من الصمود طيلة هذه الفترة.كل المساعدات، العينية، المالية، الطبية والإنسانية، والمعدات اعسكرية، والمشاريع الإنشائية والإنمائية من دول عدة، لم تحوّل وضع الجيش المالي إلى «5 نجوم»، لكن مكنته من إنجاز كافة المهام العسكرية بإمكاناته المتواضعة.

اليوم، تتحسن  نفسية العناصر  تدريجيًا، لكن الجيش يحتاج لدعم كبير إن على مستوى الأفراد (تحسين إضافي في الرواتب)، أو على مستوى المؤسسة: من معدات، إلى عتاد، أسلحة، ذخائر، وعديد. فيما الأمل بالعهد الجديد، ليس لناحية الإصلاحات الداخلية كزيادة رواتب العناصر وحسب، بل باستعادة الثقة الدولية وتلقف فرصة الإنقاذ.

امتحان الثورة: «الجيش ما بيوقف بوجه شعبه»

عام 2019، ضغط الرئيس السابق ميشال عون على الجيش لتطويق الثورة، وهنا كان أداء قائد الجيش مفصليًا، إذ رفض تصادم الجيش مع الشعب، فكان الجيش حاميًا للثورة.
عن «امتحان الثورة»، تعلّق مصادر المؤسسة بالقول «الجيش لا يمكن أن يتصادم مع أهله». وتُذكّر بأكثر المشاهد إنسانية وتأثيرًا، للعسكري مقابل أبيه العسكري المتقاعد، «فالسلطة السياسية وضعتنا في موقف حرج وصعب، ورغم ذلك، نجحنا في الحفاظ على الأمن، ومنع التعدي على الأملاك العامة والخاصة».

وعن سرّ «صمود العناصر» خلال الانهيار والثورة، فيما هم أيضا كانوا يئنون تحت وطأة الأزمة، ترجع المصادر ذلك لـ «عقيدة الجيش التي كانت أقوى من الانهيار». فالجيش مدرسة تبني الانضباط، الذي يأتي بدوره من العقيدة، في حين ترد المصادر «صمود المؤسسة» نفسها، في بلد نخره الفساد، «للمحاسبة، فالملفات في الجيش «ما بتتسكر، وطالما هناك خطأ هناك حساب».

الجيش يُنفّذ قرارات السلطة

نأتي للجزئية الأصعب في عيد الجيش اللبناني الـ 80، ألا وهي المهمة التي لطالما انتظرها اللبنانيون، وهي تسليم سلاح «حزب الله»، الذي ما زال يناور ويكابر، رغم كل الضغوط الدولية وخطر عودة الحرب الإسرائيلية على لبنان، فيما تتجه الحكومة لوضع مدة زمنية لتسليم السلاح بعد أن بدأ الوقت ينفد لاستعادة لبنان الثقة والتقاط فرص الإنقاذ والإعمار.

وفي حين أكد قائد الجيش العماد رودولف هيكل، أن «الجيش يواصل استكمال بسط سلطة الدولة وفرض سيطرتها على جميع أراضيها وفق قرار السلطة السياسية، وتطبيق القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701»، تقول المصادر العسكرية «في الجيش ننفّذ قرارات السلطة السياسية».

وتتابع: «لدينا القدرة على احتكار السلاح، لكن القرار سياسي حصرًا، ونحن نسير خلف الدولة اللبنانية وننفذ قراراتها وفق إيقاعها التدريجي في هذا الملف، وعلى خطاها سائرون، لننفذ كل ما تطلبه في إطار استعادة السيادة على كامل الأراضي اللبنانية».

وبالخطوات العملية، تفصّل المصادر: «لقد بدأنا خطوة خطوة، أولا باستكمال الانتشار جنوبي الليطاني، وتسلم المخيمات التابعة لـ «الجبهة الشعبية»، والجيش اللبناني قادر اليوم على الانتشار على كامل الأراضي اللبنانية، باستثناء النقاط الخمس المحتلة من قبل اسرائيل والتي تفاوض السلطة اللبنانية لانسحاب إسرائيل منها».

وعن الفترة اللازمة لتفكيك ترسانة «حزب الله» بالكامل، تشير المصادر إلى أن «هذا يتوقف على حجمها ومدى تعاون «حزب الله» مع الدولة». أما في موضوع المخيمات، «فالتعويل على حوار الدولة مع الفصائل الفلسطينية بهدف الوصول لاتفاق يحمي الجيش من كلفة باهظة لمواجهة عسكرية، كمواجهة نهر البارد شمالا».

خلف الحملات الأمنية... قرار سياسي!

وإذ تؤكد المصادر بأنّ الجيش اللبنانيّ حاضر وجاهز ليكون السلطة العسكرية الوحيدة، فإنها تلفت إلى أن خطاب قسم رئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة، اللذيّن حصرا حقّ احتكار السلاح بالجيش اللبناني، «أثّرا كثيراً بعملنا اليوم»، فكانا «خارطة الطريق لاستعادة السيادة، ليس في ملف السلاح غير الشرعي وحسب، بل أيضًا في ملفات أخرى تواجه الجيش: كالإرهاب، والعدو الإسرائيلي في الجنوب، ضبط الحدود اللبنانية السورية، تهريب السلاح، تهريب الأشخاص والبضائع والجرائم المنظمة...».

وعن التوقيفات الأخيرة لشبكات مرتبطة بالإرهاب و»داعش»، تطمئن المصادر إلى أن هكذا خلايا «موجودة دائما على شكل ذئاب منفردة وهذا لا يعني بالضرورة بأن هناك نوايا تخريبية ممنهجة واسعة النطاق».

لكن كان لافتًا، أن هذه التوقيفات، ترافقت مع حملات أمنية مكثفة شملت 4 معامل تصنيع كبتاغون وتجار مخدرات كبارًا، ومطلوبين في عمق الضاحية الجنوبية، التي اتخذها «حزب الله» «معقلًا» لدويلته. وبالأرقام تكشف مصادر الجيش عن 25 عملية دهم في الضاحية خلال العام 2024 و21 عملية حتى نهاية تموز الحالي وهو ما تضعه المصادر في خانة «القرار السياسي» في إطار استعادة السيادة.

الجيش هو الضمانة: الهدف موجود... بانتظار الضوء الأخضر

«الجيش ضمانة لكافة اللبنانيين»، بهذه العبارة تطمئن المصادر اللبنانيين كافة، إلى أن الجيش اللبناني ضمانة لهم جميعًا، مشددة على أنّ أهل الجنوب يرحبون اليوم بالجيش وانتشاره ويعبرون عن أريحية كبيرة بذلك، غامزة من قناة معرفتهم بأن الجيش هو ضمانتهم الوحيدة.

47 شهيداً للجيش اللبناني، سقطوا في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، من بينهم، الرائد محمد فرحات، الذي سيحفر عميقًا في ذاكرة اللبنانيين، بقوله في وجه العسكر الإسرائيلي مانعًا إياهم من وضع سياج شائك في أرض لبنانية، «we are defending our land».

عن الزخم الذي جعل شقيقها يصرخ بوجه آلة القتل الإسرائيلية، تقول رنا فرحات «هذا الزخم أتى من مؤسسة الجيش»، أما بشهادته ورفيقيه موسى مهنا ومحمد نزال على أرض الجنوب، خلال الحرب «فكانوا يثبّتون عقيدة الجيش اللبناني التي روت الأرض اللبنانية بدمائها»، هذه العقيدة التي «تعززها حكمة القيادة وعقلانيتها، إنما تجعل عيد الجيش فرحة تصدح في مدارسنا وفخرًا بالبدلة المرقّطة، كيف لا وعناصر الجيش هم أبناؤنا وأشقاؤنا الذين نذروا حياتهم فداء للوطن.

هنا يتجلى دور الجيش الذي يتخطى شرعية سلاحه وتحريره للأرض والدفاع عنها، وهو تكريس الوطنية نفسها في بلد تنهشه الطائفية. في السياق تعلّق فرحات معتبرة الجيش ضمانة ضد كل الانقسامات التي تتبدد مع أول عاصفة، في حين أن الجيش عمره 80 عامًا وسيصير عمره ألفًا، فهو كطائر الفينيق ينهض من الرماد دومًا».

«مشتاقة إلك يا خيي... يا ريتك معنا اليوم». هذه رسالة رنا فرحات، شقيقة الشهيد، الرائد في الجيش محمد فرحات، لأخيها، عبر «نداء الوطن»، بمناسبة عيد الجيش. أما رسالتها للبنانيين، فهي «أثبتوا بسلوكياتكم أنكم مع الجيش، كونوا داعمين له، فهو أهلنا الذين يضحون بحياتهم لأجل الوطن»، ولا تنجرفوا وراء سلوكيات «لا تترجم حقيقة المواطنة مع أفراد الجيش»، مشددة على أنه حان الوقت بأن ندفع نحو تسليح الجيش ليقوم بدوره الحقّ.

فتات عياد - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا