بعد 5 أعوام على الكارثة الحاويات بكامل طاقتها والإيرادات ارتفعت 30 ضعفاً
أطاح انفجار الرابع من آب كل منشآت مرفأ بيروت، ومعها الأهراءات التاريخية، وتضررت الأحواض والسفن التي كانت راسية فيها، وفي لحظات، تحول كل شيء إلى ركام وأكوام حديد وحجارة.
هول الكارثة وحجم الخسائر البشرية والاقتصادية، حوّلا الأحاديث والنقاشات بعدها مباشرة إلى تساؤلات عن مصير المرفأ ومستقبله، وعن الأهداف المضمرة، إن وجدت، لتدميره وإخراجه كليا من وظيفته التاريخية "صلة الشرق بالغرب" التي مارسها باحتراف مدى التاريخ.
بيد أن "طائر الفينيق" اللبناني، لم يألُ جهدا لإعاد إنتاج الحياة والحركة في المرفأ، وتمكن مع بعض المعونة الدولية من استعادة بعض من دور لبيروت، فقدته إثر التفجير، في حركة النقل البحري المتوسطي. وها هو مرفأ بيروت بعد 5 أعوام من الكارثة يستعد بعدما استرجع غالبية قدراته، للتحوّل والانتقال إلى هوية جديدة عصرية، تتماهى مع المعايير الدولية والحداثة.
وفيما تتركز الأعمال اليوم على دراسة مشاريع تطوير المرفأ، ووضع المخطط التوجيهي الجديد قيد التلزيم والتنفيذ، لا تزال الجهود مستمرة في تعزيز خدماته أكثر، وتفعيل عائداته التي تعوّل عليها بقوة المالية العامة، بعدما ارتفعت نحو 30 ضعفا، من 5 ملايين دولار في السنة الأولى للتفجير، إلى 150 مليون دولار عام 2024.
هل استعاد المرفأ كل طاقته التشغيلية؟ يؤكد المدير العام للمرفأ عمر عيتاني لـ"النهار" أنه منذ اللحظة الأولى لم يكن الهدف فقط إزالة الركام، بل كان التحدي الحقيقي استعادة وظيفته بوابة تجارية للبلد وسط أزمة اقتصادية خانقة. اليوم، يمكنني أن أؤكد أن محطة الحاويات تعمل بكامل طاقتها التشغيلية، 100%. وهذا لم يحدث تلقائيا، بل جاء نتيجة عمل متواصل على صيانة المعدات، وإعادة توزيع الموارد البشرية، وتعاون استراتيجي مع شركة CMA‑CGM التي تولت تشغيل المحطة ضمن اتفاقية واضحة المعالم.
ومنذ نحو 3 أعوام، بات المرفأ ينفذ مختلف الخدمات التشغيلية بفاعلية تتجاوز 100%، سواء في قطاع الحاويات (Containers) أو في شحنات البضائع العامة (General Cargo)، حتى في ملف تفريغ الحبوب وتخزينها (Grains Handling and Storage)، ما يعكس مرونة تشغيلية عالية ونموا في قدرة المرفأ على تلبية متطلبات السوقين المحلية والإقليمية".
ماذا عن الترميم؟ حين يطرح هذا السؤال، غالبا ما يكون مشفوعا بفكرة الترميم بوصفه عملا هندسيا لإعادة ما تهدم كما كان. بيد أن عيتاني يؤكد أن العمل لا يندرج تحت هذا العنوان التقليدي، "فنحن لا نعيد بناء مرفأ بالمعنى الضيق، بل نعيد تصوّر وظيفته ومكانته ضمن منظومة اقتصادية بحرية أوسع".
من هنا، لا يتحدث عيتاني عن الترميم، بل عن المخطط التوجيهي الشامل Master plan الذي أطلق بعد دراسة وافية بالشراكة مع خبرات فرنسية، ليكون حجر الأساس لمرفأ عصري يتماهى مع معايير الحوكمة والكفاية والتكامل اللوجيستي. وقد أنجزنا دفاتر الشروط، تمهيدا لإطلاق مناقصات تواكب هذه الرؤية وترسم هوية المرفأ لعقود آتية".
ولا بد من الإشارة إلى أن عائدات المرفأ ارتفعت تدريجا منذ عام 2021، من نحو 5 ملايين دولار إلى 10 ملايين، وصولا إلى أكثر من 150 مليون دولار عام 2024، بما يعكس التقدم البنيوي والإداري في إدارة المرفأ. وقد سجل المرفأ في الشهر السابع من 2025 مستوى قياسيا لم يشهده منذ سنوات، بلغ قرابة 90 ألف حاوية في شهر واحد، وهو رقم غير مسبوق في تاريخه التشغيلي".
بعد 5 أعوام على الانفجار، لا تكفي العبارات لوصف التحول، بل يجب النظر إلى الأداء الفعلي. ووفق الأرقام التي يكشفها عيتاني، سجلت حركة الحاويات عام 2024 مستوى متقدما يقارب ما تحقق في السنة التي سبقتها، مع حفاظ ثابت على وتيرة النمو في الاستيراد المحلي، بما يعكس ثقة السوق بالمرفأ، مرفقا أساسيا للاستيراد والتوزيع.
ولا يخفي أن "أزمة البحر الأحمر في بداية العام أثرت في شكل طفيف على حركة الترانزيت، كما أثرت على معظم المرافئ في المنطقة، لكن مرونة التشغيل لدينا سمحت بامتصاص الصدمة".
المسألة لا تتوقف عند أرقام الحاويات. فما تحقق على مستوى الإدارة، والهيكلة، ونمط الشراكات، يجعل عيتاني يقول بثقة "نعم، المرفأ اليوم في حال أفضل. العائدات تضاعفت خلال ثلاث سنوات، والعلاقات اللوجيستية مع شركات الشحن العالمية تعززت، ومفهوم الشفافية في التعاقد والتشغيل بات ركيزة أساسية".
ويختم بالقول إن "مرفأ بيروت أصبح محط أنظار الدول المجاورة والشركات العالمية، في ظل التنافس القائم بين المرافئ في حوض البحر المتوسط، ولا سيما في إطار توقيع اتفاقيات تعاون مع جهات فاعلة في إدارة الحركة التجارية بين الشرق والغرب. لقد خرج المرفأ من حالة المرفق التقليدي، ليدخل في طور المؤسسة المتكاملة، العاملة على رؤية مستقبلية لا مجرد استمرارية تشغيل".
سلوى بعلبكي - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|