الصحافة

ورقة برّاك وسلاح "حزب الله": لا تُجرِّبوا المجرَّب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قبل "اتفاق الطائف" كان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يصرّ دائمًا على أن يكون انسحاب جيش النظام السوري من لبنان قبل الإصلاحات السياسية والدستورية، بينما كان ذلك النظام يطالب بالإصلاحات من دون ذكر الانسحابات. اليوم تتكرّر المعادلة: هل يسلّم "حزب الله" سلاحه قبل الانسحاب الإسرائيلي أم بعده؟ كما كان النظام السوري يرفض الانسحاب فإن "الحزب" اليوم يرفض تسليم السلاح حتى لو انسحبت إسرائيل. التجارب السابقة تشهد على هذا الأمر وعلى رغم ذلك يبدو أن هناك من يريد أن يُجرِّب المُجرَّب.

كيف يتعامل لبنان مع البنود التي نصّت عليها ورقة السفير الأميركي في تركيا، المكلّف ملفي لبنان وسوريا توم برّاك، اللبناني الأصل وغير البعيد عن المسألة اللبنانية والملم بقضايا الشرق الأوسط؟

بين سلاح "الحزب" والإصلاحات الاقتصادية والسياسية وقيام الدولة، ارتباط وثيق لا يمكن الخروج منه. لا يكفي أن يعلن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في خطاب القسم قرار حصرية السلاح بيد الدولة. ولا يكفي أن تكرّر الحكومة في بيانها الوزاري هذه اللازمة حتى تعود الدولة.

هذا الموقف-القرار لا يحتاج إلى التكرار بل إلى آلية تنفيذية لوضعه موضع التطبيق. وهو لا يحتاج بالتالي إلى طلب أميركي من هذا النوع، وإلى تهديد غير فعّال لا يمكن ترجمته على الأرض. لا يمكن الربط بين السلاح والإصلاح حتى تأتي المساعدات. ولا يمكن التخويف بأن سوريا، برئاسة أحمد الشرع، قد تتجّه بسرعة نحو التطبيع مع إسرائيل لتتدفق عليها المساعدات والمشاريع. ولا يكفي التهديد بأن ترامب، الرئيس الأميركي، يمكن أن يغضب. كل هذه التهديدات لا تنفع مع "حزب الله" وهو قد خبرها وجرّبها كلّها.

القرار قبل لجنة الصياغة

لا يمكن أن تتشكّل لجنة لصياغة الردّ على ورقة برّاك من ممثّلين عن رؤساء الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء لتدوير الزوايا والهروب من الأجوبة واللعب على الكلام والتسويف. ولا يمكن أن تكون هذه اللجنة شكلية فقط، ولا يمكن قبول أن تتصرّف السلطة الجديدة في لبنان كما كانت تتصرّف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أو حكومة الرئيس حسّان دياب... بغياب رئيس الجمهورية. الرئيس ميقاتي يتواصل مع الرئيس نبيه برّي. الرئيس برّي يتواصل مع "حزب الله". يأتي الرد من "الحزب". ينقله برّي. يتبنّاه ميقاتي مع الحكومة.

اليوم هناك رئيس للجمهورية هو جوزاف عون وضعت عليه آمال اللبنانيين للخروج من الأزمة التي أدخلهم فيها "حزب الله" والرئيس السابق ميشال عون. وهذه الآمال لم تُبنَ على وهم، بل على مسار سلكه الرئيس الجديد منذ تولّى قيادة الجيش مرورًا بثورة 17 تشرين وانفجار المرفأ و"حرب الإسناد" ومعارك "أولي البأس". وهي بُنِيَت أيضًا على حكومة اعتُبِر رئيسها نوّاف سلام من رحم ثورة التغيير وروّاد بناء الدولة ومكافحة الفساد والمحسوبيات. لذلك لا يمكن أن تتكرّر التجربة نفسها في المسار نفسه. لا يمكن انتظار رد "حزب الله" على ورقة برّاك لكي تتبنّاه اللجنة الثلاثية، ثم تتبنّاه الحكومة، وتسلّمه إلى برّاك عندما يعود بعد أيام.

دولة قوية وحزب ضعيف؟

ما يريده "حزب الله" معروف ومعلن ومكشوف. هو لا يريد أصلًا أن تكون هناك دولة. وجود الدولة القوية التي يجب أن يمثّلها عون وحكومة نوّاف سلام يتناقض مع وجود "حزب الله" كما هو. "الحزب" كما كانت استراتيجيته، وكما تستمرّ، يريد أن يحكم الحكم والحكومة ومجلس النواب والقضاء والأمن حتى يبقى ويستمرّ، طالما أنّه لا يستطيع تغيير النظام. يريد رئيساً للجمهورية هو يعينه، ويمنع وصول أي رئيس لا يخضع له. هذا ما فعله منذ انتخاب الرئيس إميل لحود عام 1998، وعندما فرض مع النظام السوري التمديد له عام 2004، على رغم صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي الذي نصّ على نزع سلاحه وانتخاب رئيس جديد. وهذا ما فعله عندما اغتال الرئيس رفيق الحريري وقيادات من 14 آذار، وعندما عطّل انتخاب رئيس جديد على رغم امتلاك 14 آذار للأكثرية النيابية. وهكذا نفذ غزوة 7 أيار 2008 لقطع الأعناق والأيادي التي قال إنّها تمتدّ على سلاحه. وهذا ما فعله مع الرئيس ميشال سليمان عندما أعلن سقوط معادلته الخشبية "جيش وشعب ومقاومة".

وهذا ما كرّره عندما تمسّك بترشيح العماد ميشال عون على قاعدة عون أو لا أحد. وهذا ما فعله بعد انتهاء ولاية عون الأول عندما تمسّك بترشيح سليمان فرنجية وفرض الفراغ في قصر بعبدا، قبل أن يضطر مهزومًا بعد الحرب مع إسرائيل، إلى القبول بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا وتسمية القاضي نوّاف سلام رئيسًا للحكومة، ويقبل بتشكيلها من دون ثلث معطّل يمتلكه ومن دون ثلثين يمون عليهما لكي يتحكّم بقرارات الحكومة، لا بتعطيل جلساتها فقط.

ماذا ستفعل أميركا إذا رفض "الحزب"؟

لكل هذه الأسباب لا يجوز أن ينتظر الحكم والحكومة قرار "الحزب". لا معنى لأي سلطة لا تملك القدرة على اتخاذ القرار وتتخلّى عن سيادتها إلى أي طرف في الداخل أو في الخارج. إمّا تكون الحكومة سيادية وإمّا لا تكون. مسألة حصرية السلاح لا يمكن أن تنتظر طلبًا يأتي من واشنطن، أو موافقة تأتي من "حزب الله".

ماذا ستفعل أميركا إذا رفض "الحزب" تسليم السلاح؟ وهو رافض ولا يخفي رفضه. تجربة 1982- 1984 تشهد على مدى "الحزم" الأميركي. فهل يمكن أن يكون الحديث اليوم عن غضب ترامب مختلفًا؟ وكيف يمكن أن تردّ واشنطن؟ هل الحديث عن التهديد باستئناف الحرب من إسرائيل في الجنوب، ومن سوريا في البقاع، لمحاصرة "حزب الله" ونزع سلاحه وصواريخه، حديث جدّي؟ أم تهويل كلامي لا يمكن تطبيقه على الأرض؟ وهل مثل هذا التهديد يردع "الحزب" ويجعله يخضع لقرار حصرية السلاح وبالتالي التخلّي عن سلاحه؟

التجارب السابقة مع "الحزب" تقول العكس. عندما لم يكن مع "الحزب" صواريخ ومسيّرات اعتمد على عمليات التفجير الانتحارية وخطف الطائرات والأجانب. وعندما تهدّد من داخل الطائفة الشيعية لم يتوانَ عن خوض حرب "يا قاتل يا مقتول"، مع "حركة أمل".

انقضّ عليها عسكريًا بعدما انقضّ عليها تنظيميًا. وعندما تمّ حلّ جميع الميليشيات بعد الطائف احتفظ بسلاحه وتحوّل إلى دولة تسيطر على الدولة الرسمية. وعندما تهدّد نيابيًا وشعبيًا بعد العام 2004 نفّذ الانقلاب واغتال الرئيس رفيق الحريري وغزا بيروت والجبل.

صواريخ ومسيّرات كانت للبيع

بعد حرب تموز 2006 احتفظ "الحزب" بسلاحه على رغم صدور القرار 1701 الذي ينصّ على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. استفاد من وقف النار ومن عدم تنفيذ القرار، وراكم ترسانة من الأسلحة والصواريخ مطوِّرًا التصنيع المحلي وحاصلًا على الدعم الإيراني، حتى صار أمينه العام السيد حسن نصرالله يتباهى بهذه الصناعة العسكرية ويعرض منتجاته للتصدير والبيع.

اليوم يريد "الحزب" أن يكررّ التجربة. وافق على اتفاق وقف النار خوفًا من القضاء عليه كلّيًا. ومن مصلحته عدم انسحاب إسرائيل حتى يكون عنده حجّة ظاهرة لعدم التخلّي عن سلاحه. وفي الواقع، حتى لو انسحبت إسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلها، وحتى لو تركت مزارع شبعا، فإنّ "الحزب" لا يمكن أن يتخلّى عن سلاحه. إنّه ينتظر الوقت الكافي ليعيد تنظيم نفسه ويستعيد قدراته العسكرية قبل أن تستعيد الدولة حضورها وسيادتها. إنّه سباق بين أن تكون الدولة دولة، أو أن تظلّ تنتظر ما سيقوله لها "الحزب" حتى تفعله. لذلك المطلوب من الحكم والحكومة قرار بالخروج من الخوف من "الحزب" وقلب المعادلة، والرد على الخوف بالتخويف. لا يمكن الهروب إلى الأبد من الصدام مع "الحزب".

نجم الهاشم - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا