الصحافة

بين واشنطن ودمشق… أين بيروت؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع معظم العقوبات الاقتصادية عن سوريا في 30 حزيران 2025 أعاد خلط الأوراق في الشرق الأوسط، فاتحًا الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل الاقتصادي والسياسي في المنطقة. ومع تخفيف القيود الأوروبية بالتوازي، برز لبنان كأحد أكثر الدول المعنية بهذا التحول، نظراً لموقعه الجغرافي، وارتباطه العضوي بالحرب السورية وما رافقها من أزمات. لبنان الذي لا يزال غارقًا في أزماته المالية والمؤسساتية، أمام فرصة نادرة للخروج من الانكماش الاقتصادي عبر إعادة تفعيل العلاقات التجارية والممرات البرية مع سوريا، لكنه أيضًا أمام اختبار سيادي دقيق: كيف يمكن الإفادة من هذا الانفتاح دون الوقوع في فخ الاصطفاف أو فقدان التوازن الخارجي؟

إعادة فتح الحدود البرية مع سوريا تعني للبنان أكثر من مجرد عبور شاحنات. فبحسب أرقام غرفة التجارة، يشكل الترانزيت عبر سوريا أكثر من 70% من صادرات لبنان الزراعية إلى الخليج. وكان إغلاق المعابر قد تسبب بارتفاع كلفة التصدير بنحو 35%، ما أضعف تنافسية المنتجات اللبنانية. اليوم، ومع رفع القيود، تتجه الأنظار إلى معبري المصنع والعريضة، حيث يُتوقع أن تستعيد حركة الشحن مستواها السابق تدريجيًا، مما ينعكس إيجابًا على المزارعين والصناعيين ويُخفف من كلفة الاستيراد أيضًا.

في هذا السياق، أصدر الأمن العام اللبناني بيانًا مهمًا في 1 تموز 2025، أعلن فيه فتح باب التسوية لمغادرة السوريين، في خطوة تُعد إشارة أولى من الدولة اللبنانية باتجاه تنظيم هذا الملف الشائك. فقد تقرّر إعفاء الرعايا السوريين والفلسطينيين اللاجئين في سوريا من الرسوم والغرامات مهما كانت مدّة المخالفة، شرط مغادرتهم لبنان عبر الحدود البرية بين 1 تموز و30 أيلول 2025، دون منعهم لاحقًا من العودة بصورة شرعية. وبعد هذه المهلة، سيتم التشدد بتطبيق القوانين على جميع المخالفين المقيمين في لبنان بشكل غير شرعي. وتُعدّ هذه الخطوة محاولة لإدارة واقع ديمغرافي ضاغط، وتهيئة أرضية قانونية لمرحلة ما بعد التسويات الإقليمية.

فتح الأفق أمام مشروع خط الغاز العربي واستيراد النفط العراقي عبر سوريا يعيد لبنان إلى قلب خريطة الطاقة الإقليمية. فقد تعطلت هذه المشاريع بفعل العقوبات، لكنها اليوم قابلة للتنفيذ بشروط جديدة. وزير الطاقة اللبناني تحدث مؤخرًا عن “نافذة جدية لإعادة تشغيل مصفاة طرابلس”، ما قد يخفض كلفة المحروقات ويزيد ساعات التغذية الكهربائية. دراسة للبنك الدولي (2024) أشارت إلى أن تفعيل هذه المشاريع يمكن أن يوفّر على لبنان أكثر من 200 مليون دولار سنويًا من فاتورة الطاقة.

لطالما استخدمت السوق اللبنانية كمنفذ غير رسمي لشراء الدولار من قبل شبكات داخل سوريا. ومع تحسّن الأوضاع الاقتصادية، يُتوقع أن يتراجع هذا الطلب، ما قد يُخفف الضغط على الليرة في السوق السوداء. لكن هذا الأثر، وإن كان مرحّبًا به، يبقى موضعيًا ومؤقتًا ما لم يُستكمل بإصلاحات نقدية ومصرفية جذرية، وبإعادة هيكلة القطاع المصرفي ضمن خطة إنقاذ وطنية واضحة.

رغم الحديث الرسمي عن إمكانات لعودة تدريجية للنازحين السوريين في ضوء تحسن الأوضاع داخل سوريا، يبقى هذا الملف شائكًا ومعقّدًا. فلبنان يؤوي أكثر من 1.5 مليون نازح، وعودة قسم منهم تتطلب ضمانات أمنية ومعيشية، إضافة إلى تنسيق دولي–سوري–لبناني. الرئيس جوزاف عون اعتبر أن “القرار السياسي وحده لا يكفي، المطلوب توفير ظروف العودة الكريمة والآمنة”، داعيًا إلى مقاربة بعيدة عن التوظيف السياسي أو الضغط على المجتمع الدولي.

فيما عبّر حزب الله عن ترحيبه برفع العقوبات، امتنع عن إعلان دور مباشر في ترتيبات إعادة الإعمار أو الترانزيت. وتقول مصادر مطّلعة إنّ الحزب يفضّل أن يمرّ التعاون الاقتصادي عبر قنوات رسمية أو عبر القطاع الخاص، لتجنّب مواجهة مع الأطراف الخليجية والدولية، ولا سيما في ظل استمرار العقوبات على جهات سورية حليفة له.

يمتلك القطاع الخاص اللبناني خبرات كبيرة في مجالات المقاولات والخدمات اللوجستية والمعدات الطبية. وتُبدي شركات عدة استعدادًا للدخول في مشاريع إعادة الإعمار السورية، خصوصًا في المناطق الأقرب إلى الحدود. لكن الانخراط في هذا الملف يتطلب خطة حكومية واضحة، وهيئة تنسيقية مشتركة تضمن الشفافية وتُجنّب لبنان أي تداخل مع الجهات الخاضعة للعقوبات.

ورغم الفرص المتاحة، تبرز عقبات حقيقية تهدد بعرقلة أي استفادة جدّية: غياب خطة اقتصادية وطنية للتعاطي مع سوريا، استمرار الانقسام السياسي حول العلاقة الرسمية مع دمشق، ضعف البنية التحتية الحدودية والمرافئ، انعدام الثقة الدولية بقدرة الدولة اللبنانية على ضبط المعابر والتمويل، وبقاء بعض الكيانات السورية تحت العقوبات، ما يعقّد أي تعاون مالي مباشر.

إنّ رفع العقوبات عن سوريا لحظة مفصلية في تاريخ التفاعل اللبناني–السوري. إنها فرصة نادرة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني عبر التبادل، الترانزيت، والطاقة. لكنها أيضاً امتحان لسيادة القرار اللبناني: هل تملك الدولة خطة شاملة؟ هل يشارك القطاع الخاص بفعالية؟ هل تُفصل المصلحة الاقتصادية عن الصراع السياسي؟ الفرصة قائمة، لكن الزمن محدود. إما أن يتحرك لبنان كمبادِر ذكي ضمن مساحة إقليمية متغيّرة، أو يبقى رهينة الجمود والانقسام… ويفقد دوره مرة أخرى.

جو أندره رحال -”هنا لبنان”

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا