هل تنهار حكومة نواف سلام؟
حتى الساعة، لم يتوصّل الرؤساء الثلاثة إلى صيغة واضحة وموحّدة للردّ على الورقة الأميركية التي حملها المبعوث المؤقّت، توم براك، والتي تنصّ – من بين ما تحمل – على تحديد سقف زمني لنزع سلاح حزب الله. وإن أوحت الأجواء، لا سيما بعد اللقاء الثنائي الذي جمع الرئيسين نبيه بري ونواف سلام بأن الأمور تسير بسلاسة، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا، إذ تعترض طريق “ورقة الرد” عراقيل كثيرة وكبيرة تمنع تشكّل إجماع حولها.
في كلمته الأخيرة خلال إحياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء، تحدّث الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، بلهجة حازمة، مؤكدًا أن الحزب “نفّذ ما عليه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار وبمعرفة الجميع”، معتبرًا أن الحزب “في قلب المعركة”، وبموجبه، لا يجوز “الحديث عن تسليم أو إزالة عوامل القوة بينما الاحتلال لا يزال قائمًا ولم يلتزم بما عليه”. وشدّد قاسم على الصبر، قائلًا إن “الأمور تتغيّر”.
خطاب قاسم يعكس موقف الحزب من التطورات الأخيرة، ويمثّل على الأرجح السقف الذي سيحدّد إطار الردّ المرتقب، والذي وعد الرئيس بري بالحصول عليه من الحزب خلال أيام. ومن هذا المنطلق، لا يُتوقَّع أن يأتي ردّ الحزب خارج إطار السقف الذي حدّده قاسم، بل سيكون أقرب إلى تأكيد أن حزب الله التزم الاتفاق وهو مستمر، فيما الطرف المُعطِّل هو إسرائيل. وبالتالي، ليس الحزب بوارد تقديم أي تنازلات إضافية تتعدّى ما ورد في اتفاق ٢٧/١١. عمليًا، لا مؤشرات توحي بإمكانية التوصّل إلى ردّ موحّد رغم النقاش النشط على خط الرئاسات الثلاث.
وإذا بدا أن التشدّد يأتي من جهة حزب الله، فإن موقف الرئيس نبيه بري لا يقلّ صلابة. فقد كرّر رئيس المجلس مرارًا وتكرارًا، وفي مناسبات عدة، أن الحزب نفّذ ما عليه والتزم بنود الاتفاق.
ويعتبر بري أن ما يجري هو محاولة لحشر ليس حزب الله فقط، بل طائفة بأكملها، ضمن مهَل زمنية لا تتناسب مع الواقع، حيث إن الطرف المعرقل هو إسرائيل، وليس الحزب. بات واضحًا أن الرئيس بري التقط إشارات إسرائيلية - أميركية فهم أنها تسعى إلى تعديل جوهري لاتفاق ٢٧/١١ من شأنها نسف الاتفاق بالكامل، أهمها إدراج مطلب تحديد مهلة لنزع السلاح، وهو أمر لم يرد في ورقة الاتفاق التي وافق عليها لبنان، بحسب ما أكّد سابقًا رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أحد شركاء التفاوض، الذي قال إن الاتفاق محصور بجنوب الليطاني.
لذلك، يُشدّد بري دومًا على وجوب الالتزام الصارم بالاتفاق، ويطلب من الحزب التقيّد بكل بند فيه دون أي تعديل. بناءً عليه، لا يبدو أن هناك مناخًا داخليًا مهيّأً للتوافق على رؤية موحّدة للردّ على الورقة الأميركية. فرئاسة الجمهورية تميل إلى تحديد موقف رسمي موحَّد.
أما رئاسة الحكومة، فتطالب بمقاربة واضحة تتضمّن إجابات صريحة تُعرَض على مجلس الوزراء، على أن يتولى الأخير إصدار قرار يلتزم بمهلة زمنية لتسليم السلاح. في المقابل، ترى رئاسة مجلس النواب أن اتخاذ قرار من هذا النوع دون موافقة الجهة المعنية، أي حزب الله، قد يُفهَم على أنه دعوة إلى “نزع السلاح” بالقوة، ما قد يُفرغ أي قرار من مضمونه ويدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة.
لذلك، يفضّل بري احتواء ما يجري عبر إيجاد آلية تفاهم مع الحزب. في البعد السياسي، ثمّة فريق خصم للحزب يطرح نظرية تدعو إلى عدم انتظار أي ردّ من الحزب، بل الذهاب مباشرة، ولو بشكل أحادي، إلى مجلس الوزراء لاتخاذ قرار. غير أن هذا الخيار محفوف بتعقيدات ليست أقل من تلك المرتبطة بإعداد الرد.
وإذا ما قرّرت بعض القوى السير في هذا الاتجاه، فإن من المرجّح أن يؤدي ذلك إلى انتقال الاشتباك إلى داخل الحكومة، وربما تعطيلها، بل وحتى تفجيرها، ما يزيد من احتمالات انسحاب مكوّن سياسي أساسي منها، في حال صدر قرار من دون توافق.
تفيد معلومات بأن زيارة توم براك المرتقبة والمتوقّعة في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، المخصّصة لسماع الرد اللبناني، غير محسومة حتى الآن، وقد يتم تأجيلها ما لم يصدر عن الحكومة موقف واضح بشأن السلاح، وسيكون لأي قرار مماثل نتائج. ومن الآن وحتى ذلك الحين، قد تحدث تطورات كثيرة. يقول سفير غربي إن “إسرائيل تتحضّر لجولة عسكرية جديدة ضد لبنان، قد تشمل اجتياحًا يترافق مع قصف واسع النطاق”.
من الواضح أن حزب الله، الذي يرفض تقديم سلاحه ويحتاج إلى تطمينات وضمانات لا تبدأ بوقف الاغتيالات ولا تنتهي عند تحرير الأسرى والإفراج عن قرار إعادة الإعمار، يتعامل مع هذه المعطيات على أنها واقعية.
وتؤكّد المعلومات المتوافرة لديه أن نوايا إسرائيلية بهذا الاتجاه قائمة، ما يفسّر تشدّده الحالي وتأكيداته المستمرة حول جهوزيته. لا تُستبعَد فرضية أن تكون جولات القصف الأخيرة في الجنوب بمثابة تمهيد. إلا أن المؤشر الأهم يبقى في كيفية تعاطي الولايات المتحدة وإسرائيل – ومن بعدهما الحزب – مع غياب الردّ أو مع ردّ لا يلبي أهدافهم.
هذا يعني أن جولة جديدة من التصعيد قد تكون حتمية. وغالبًا، فإن الطرفين قد يجدان ألا مفرّ منها، وسيحاولان من خلالها تعزيز أوراقهما. تقول بعض الأوساط إن واشنطن تميل إلى الحفاظ على دور الحزب السياسي فقط، لكن من دون سلاح! إذا صحّ ذلك، فإن الغاية من أي جولة قادمة هدفها دفع الحزب أكثر صوب العمل السياسي. أما حزب الله، فينظر إلى أي مواجهة محتملة على أنها مصيرية، وبوصفها فرصة لتثبيت معادلة السلاح بوصفها جزءًا من منظومة حماية لبنان
عبد الله قمح - ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|