عربي ودولي

سيرسم معادلات جديدة.. كنز صيني يهدد التفوق العسكري الأميركي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تُحكم الصين قبضتها على خيوط سباق السيطرة على المستقبل الصناعي والعسكري للعالم، عبر ترسانة غير تقليدية: المعادن الأرضية النادرة. ومن بين هذه العناصر الاستراتيجية، يبرز الساماريوم كسلاح جيوسياسي صامت تُشهِره بكين في وجه الغرب، ليس فقط عبر السيطرة على الإنتاج، بل من خلال احتكار تقنيات المعالجة والتكرير على نطاق تجاري واسع.

فالساماريوم، المعدن الغامض الذي يحتمل حرارة كفيلة بإذابة الرصاص دون أن يفقد خصائصه المغناطيسية، أصبح عنصراً لا غنى عنه في تصنيع مغناطيسات دقيقة تُستخدم في محركات الصواريخ والطائرات المقاتلة والقنابل الذكية. وبدونه، تبدو قدرات الولايات المتحدة وحلفائها على إعادة ملء مخزونهم من المعدات العسكرية مهددة، خاصة بعد النزيف المتسارع للأسلحة في ظل النزاعات الحالية.

وبحسب تقارير أميركية وأوروبية، فإن الصين تُنتج فعلياً كامل إمدادات العالم من الساماريوم، وتفرض قيوداً صارمة على تصديره، في وقت فشلت فيه واشنطن طوال أكثر من عقد في تطوير بديل موثوق لمصادر بكين.

ويكشف ذلك عن هشاشة غير مسبوقة في سلاسل الإمداد الدفاعية الغربية، ويمنح الصين ورقة تفاوض قوية في المحادثات التجارية الجارية، خصوصاً في ظل ربط بكين تصدير هذه العناصر النادرة بمفاهيم الأمن القومي والسيادة الصناعية.

وفيما يتواصل التنافس الحاد على التفوق التكنولوجي والعسكري، يتضح أن معادن مثل الساماريوم قد تلعب دوراً حاسماً في رسم خريطة موازين القوى في العقود المقبلة — من أعماق المناجم... إلى قمة القرار الجيوسياسي.

في 4 نيسان، أوقفت الصين تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات المصنوعة منها، في خطوة قالت إنها تهدف إلى حماية الأمن القومي ومنع الانتشار. وتسيطر بكين على معظم الإمدادات العالمية من هذه المواد، الضرورية للاستخدامات المدنية والعسكرية.


الصادرات باتت مشروطة بتراخيص خاصة، وقد منحت وزارة التجارة الصينية بعض التراخيص لشركات سيارات في أوروبا وأميركا لمغناطيسات تحتوي على الديسبروسيوم والتيربيوم. لكن الصين لم تُبدِ أي نية للسماح بتصدير الساماريوم، العنصر الحيوي للتطبيقات العسكرية، ما يهدد الهدنة التجارية مع واشنطن.

تفوق صيني

استاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" من القاهرة، أنّه لا شك أن القفز على الحقائق لن يفيد الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، في ظل واقع بات واضحاً، لجهة كون الصين هي الملكة المتوجة على عرش المعادن النادرة.

أضافت:" لقد أصبح جلياً أن أغلب المفاوضات الدولية تدور حول هذا المحور، المتعلق بالمعادن النادرة. في هذا السياق، فرضت الصين قيوداً صارمة على تصدير معدن الساماريوم، الذي يُستخدم في صناعة مغناطيسيات مقاومة للحرارة، مما يشكل أزمة خطيرة تهدد الصناعات الدفاعية والقدرات العسكرية لكل من الولايات المتحدة والدول الغربية.

تابعت: لقد باتت قضية الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين تتركّز بشكل كبير على المعادن النادرة، وعلى رأسها هذا المعدن الاستراتيجي الذي يشكّل حجر الزاوية في محاولة تعويض أوروبا لمخزونها العسكري من الطائرات والصواريخ التي فقدتها نتيجة دعمها لأوكرانيا في حربها مع روسيا. ومهما ضخت دول الناتو من استثمارات في تطوير الوسائل الدفاعية، تبقى حاجتها إلى المعادن النادرة الصينية أعلى بكثير، ما يعكس الهيمنة الصينية على سلاسل إمداد هذه المعادن.

وتشير إلى أن الصين تنتج تقريباً كامل الإمدادات العالمية من معدن الساماريوم، وتنفرد بعمليات معالجته التي تُجرى في ظروف بالغة السرية، ليُستخدم في مختلف التطبيقات الدفاعية والعسكرية المتقدمة، موضحة في السياق نفسه أن هذا المعدن يتميّز بخصائص مغناطيسية قوية وثابتة حتى في درجات حرارة تكفي لإذابة الرصاص، ما يجعله مثالياً لصناعة مقدمة الصواريخ. وتحتاج كل مقاتلة من طراز F-35 إلى نحو 50 رطلاً من هذا المعدن النفيس.

وانطلاقاً من هذه الأهمية العسكرية والمدنية، تدرك الصين تماماً خطورة هذا المورد، لذا لا تسمح بتصديره إلا عبر تصاريح خاصة، تحت مظلة حماية الأمن القومي ومنع الانتشار. ومن هنا، تواجه الولايات المتحدة ودول الغرب معضلة حقيقية في الحصول على هذا المعدن الحيوي.

وتوضح أنه في محاولة لمواجهة هذا التحدي، كانت الولايات المتحدة قد رصدت في وقت سابق مليار دولار لإعادة تشغيل وتوسيع منجم قديم في كاليفورنيا، وهو المنجم الوحيد المتاح لديها لهذه المعادن، والذي توقف عن العمل منذ عام 1998 بسبب تسرب غازي. ومع ذلك، فإن قوة الصين لا تكمُن فقط في وفرة الموارد، بل أيضاً في احتكارها لعمليات المعالجة المركزية للمعادن النادرة، وهي عمليات لا تُقدّر بثمن، وتضع الصناعات الدفاعية الغربية في قلب العاصفة.

في السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى تحذيرات مسؤولين أميركيين في وقت سابق   من أن هذه الهيمنة الصينية على المعادن النادرة "تشكل تحديا استراتيجيا في ظل التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة".

ويشير تقرير الشبكة إلى أن العناصر الأرضية النادرة تلعب دوراً لا يتجزأ في تقنيات الدفاع الحديثة، وفقاً لشركة الاستشارات SFA-Oxford ، بما في ذلك أنظمة الرادار والسونار المتقدمة، وتقنيات التوجيه بالليزر والدفع في بيئات القتال.

ونقل التقرير عن مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، جريسلين باسكاران، قولها إن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تدق صناعة الدفاع ناقوس الخطر بشأن نقص المعادن النادرة، مشيرة إلى أن العديد منها فعلت ذلك بالفعل خلف الأبواب المغلقة.

من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة  لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تحتكر الصين حاليًا تقريبًا كامل الإمدادات العالمية من معدن السماريوم، وهو عنصر نادر من عناصر الأرض النادرة، يُستخدم في تصنيع مغناطيس السماريوم-كوبالت، الذي يتميز بمقاومته العالية للحرارة والتآكل".
هذا النوع من المغناطيس يُعد من المكونات الأساسية في الطائرات المقاتلة الأميركية، مثل طائرة F-35، كما يدخل في أنظمة التوجيه الدقيقة للصواريخ، وفي المحركات الكهروميكانيكية المستخدمة في الأسلحة. لذلك، فإن تأمين هذه الإمدادات لا يُعد مسألة تتعلق بسلاسل التوريد فقط، بل هو جزء من الأمن القومي للدول الغربية".
ويضيف: ما نراه اليوم هو أن أي تهديد لإمدادات المعادن الأرضية النادرة، وخاصة السماريوم، يشكل تهديدًا مباشرًا للقدرات الدفاعية الغربية والأميركية؛ فالصين تسيطر على النسبة الأكبر  من إنتاج هذه المعادن، وعلى 90 بالمئة من قدرات تكريرها. وأي قرار سياسي أو رد فعل صيني في إطار نزاع تجاري أو جيوسياسي يمكن أن يؤدي إلى شلل فعلي في الصناعات الدفاعية الغربية".

وينوه بأن الولايات المتحدة تعتمد على الصين بنسبة كبيرة في وارداتها من هذه العناصر. وتقرير صادر عن البنتاغون يشير إلى أن انقطاع إمدادات السماريوم يمكن أن يوقف إنتاج مكونات رئيسية في أنظمة الدفاع الجوي والبحري لمدة قد تصل إلى 12 شهرًا، خاصة في ظل غياب البدائل وسرعة الاستجابة.

وينوه بأنه "ليس الاستخدام عسكريًا فقط، فالسماريوم يدخل أيضًا في صناعات مدنية متقدمة، منها المحركات الكهربائية عالية الأداء، ومحركات الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، والمركبات الكهربائية، وأنظمة التصوير بالرنين المغناطيسي، ومكبرات الصوت الاحترافية، وأنظمة التوربينات الهوائية.. كما تكمن أهميته في قدرته على العمل تحت درجات حرارة تتجاوز 300 درجة مئوية دون أن يفقد خصائصه المغناطيسية".

ووفق الشوبكي، فإن الاعتماد شبه الكامل على الصين لتوفير السماريوم وباقي المعادن الأرضية النادرة يمثل نقطة ضعف استراتيجية في البنية الصناعية الغربية، لافتاً إلى أن بناء سلاسل توريد بديلة، كما تعمل عليه مجموعة السبع والولايات المتحدة، يتطلب من 7 إلى 10 سنوات (بخلاف التكلفة الباهظة).

كما يؤكد أن استمرار الهيمنة الصينية في هذا المجال قد يضع مستقبل التحول الطاقي والدفاعي في الغرب على المحك، ويطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الصناعي والتكنولوجي الأميركي والغربي في مواجهة الأزمات العالمية."

ويشير تقرير لبلومبيرغ، إلى أنه بعد أن اتفقت الولايات المتحدة والصين في جنيف على خفض الرسوم الجمركية بشكل كبير، تصاعدت التوترات بشأن الوصول إلى الرقائق والمعادن النادرة. ويبدو أن بكين تتمتّع بميزة متزايدة.

يبدو أن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في المعادن الأساسية، إذ يشكو المسؤولون الأميركيون من أن بكين لم تُسرّع وتيرة الصادرات اللازمة للإلكترونيات المتطورة. وقد صرّحت إدارة ترامب بأن قرار خفض الرسوم الجمركية متوقف على اتفاق صيني لرفع القيود عن بعض المعادن النادرة.

صرحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، في بيان لها بأن الولايات المتحدة "تتحرك بقوة نحو سلاسل التوريد المحلية الحيوية، بما في ذلك إنتاج المغناطيس". وأضافت: "تراقب الإدارة بنشاط التزام الصين باتفاقية جنيف التجارية، وسيتحدث الرئيس ترامب مباشرةً مع الرئيس شي قريبًا جدًا".

مع استمرار الصين في فرض قيود على المعادن الحيوية للأمن القومي الأميركي، تُكثّف واشنطن القيود التكنولوجية. في الأسابيع الأخيرة، منعت الولايات المتحدة شحن أجزاء محركات الطائرات النفاثة الأساسية إلى الصين، وقيّدت وصول بكين إلى برامج تصميم الرقائق، وفرضت قيودًا جديدة على رقائق شركة هواوي.

أثار ذلك غضب ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتعهد المسؤولون الصينيون بالرد، واتهموا الولايات المتحدة بتقويض توافق جنيف. 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا