الصحافة

بين ازدواجية المعايير وتكريس الزبائنية: عن اقتحام برّي لصلاحيات الحكومة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في لحظة سياسية حرجة من عمر الوطن، وبينما يَئنّ الشعب اللبناني تحت وطأة الانهيار المالي والانحلال المؤسساتي، تتكرّس ممارسات لم تعد مقبولة أخلاقياً ولا دستورياً، إذ يطل علينا مشهد عبثي يتكرر من دون حياء، يتمثّل في خضوع مؤسسات الدولة، بمكوناتها التنفيذيّة، لنفوذ رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحديداً في ملف التعيينات الإدارية والمالية التي يُفترض أن تكون من صلب صلاحيات الحكومة مجتمعة، لا مجال فيها لهيمنة فرد أو مرجعية سياسية.

في حين يرفع الرئيس بري لواء استقلالية مجلس النواب، رافضاً، عن حق، أي تدخل خارجي في شؤونه التشريعية والتنظيمية، نجده في المقابل لا يتورّع عن اقتحام صلاحيات السلطة التنفيذية، فارضًا أسماء وشروطاً في التعيينات، وكأن المؤسسات الرسمية تحوّلت إلى محميّات حزبيّة لا إلى مراكز خدمة عامة. فهل يُعقل أن يستمر إصراره على إبقاء وسيم منصوري نائبًا لحاكم مصرف لبنان، رغم أن منصوري كان في الموقع ذاته قبل الإنهيار المالي وخلاله، ولم يستطع تجنيب لبنان واللبنانيين تجرّع كأس السطو على الودائع؟ إلا أن الحقيقة يجب أن تُقال في هذا الإطار، وهي أن منصوري تمكّن، بعد تولّيه موقع الحاكم بالإنابة، من وقف تمويل الدولة من أموال المودعين ولو بفلس واحد، وهذا ليس إنجازاً إنما تطبيقاً لمندرجات قانون النقد والتسليف التي لم تُحترم سابقاً.

وما يثير الريبة أن الرئيس بري، بدل أن ينأى بنفسه عن تدخّل يفتقر إلى المشروعية، يواصل فرض شروطه أيضاً في تسمية المدعي العام المالي الجديد خلفًا للقاضي علي إبراهيم، واضعاً معيار "الولاء" فوق الكفاءة والإستقلالية، ضارباً عرض الحائط بمبدأ فصل السلطات الذي يُشكّل حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي.

إن التماهي المُخزي مع هذه التدخلات لا يُفهم إلا على أنه تملّق سياسي ينمّ عن هشاشة في القرار، واستسلام مريب لمنطق الزبائنية، على حساب مشروع الدولة. فأين السيادة المؤسساتية؟ وأين احترام الدستور؟ وأين وعود الإصلاح التي طالما أُطلقت على مسامع اللبنانيين والعالم أجمع؟

كيف يمكن أن نبني دولة تُحترم فيها القوانين وتُصان فيها المؤسسات، إذا كانت التعيينات تتم على قاعدة المحاصصة والولاءات، لا على أساس الكفاءة والنزاهة؟ كيف يُطلب من المواطن أن يُؤمن بالدولة، إذا كانت الأخيرة تُدار بعقلية ما قبل الدولة؟

إن استمرار هذه الذهنية في إدارة الشأن العام لا يُنتج إلا مزيدًا من التفكك، ويزيد من منسوب القرف الشعبي من الطبقة السياسية برمتها. فمن دون احترام متبادل بين السلطات، ومن دون وقف منطق الهيمنة، لا يمكننا التقدّم نحو دولة القانون. المطلوب وقفة ضمير، لا مسايرات. والمطلوب رجال دولة، لا موظفين لدى زعماء الطوائف.

إن لبنان، وقد وصل إلى هذا الدرك من الإنهيار، لم يعد يحتمل هذه الإزدواجية القاتلة في التعاطي مع الشأن العام. فلا يمكن أن يكون مجلس النواب "سيّد نفسه"، والحكومة "أداة طيعة"، ولا يمكن أن نطالب العالم بمساعدتنا بينما نُمعن في تقويض آخر ما تبقّى من مؤسساتنا.

لقد آن الأوان لكسر هذه الحلقة الجُهنمية من التبعيّة السياسيّة، وإرساء قواعد حكم ترتكز على الكفاءة والشفافية والمحاسبة. فإما أن ننهض بدولة، أو نستسلم لدولة الزبائن والمحاسيب والأزلام... والسلام.

مارون مارون -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا