الصحافة

التّمسّك بالسّلاح… تمسّك بالاحتلال

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما تزال مشكلة تصالح “الحزب” مع المنطق تراوح مكانها، وذلك منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيّار 2000. لم يستغلّ “الحزب” ومن يقف خلفه فرصة الانسحاب من الجنوب تنفيذاً للقرار 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة في آذار 1978، استغلالاً يصبّ في مصلحة لبنان وأهل الجنوب. تعمّد “الحزب”، ومِن خلفه إيران، الإصرار على التمسّك بالسلاح من أجل إبقاء الجنوب “ساحة” في تصرّف إيران.

اختلق “الحزب” في عام 2000 حججاً مختلفة لتبرير التمسّك بالسلاح. تبيّن بعد ربع قرن على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان أنّ السلاح ليس سوى الطريق الأقصر للوصول إلى الوضع الراهن، أي إلى عودة الاحتلال الإسرائيلي. تحتلّ إسرائيل حاليّاً جزءاً من أرض الجنوب. تلك هي إحدى النتائج العمليّة لحرب “إسناد غزّة” التي اتّخذ “الحزب” قراراً بخوضها، غير مدرك لأبعاد مثل هذه المغامرة.

من يتمسّك بالسلاح إنّما يتمسّك بالاحتلال. يدرك كلّ من يتعاطى بالشأن السياسي من قريب أو بعيد أنّ إسرائيل لن تنسحب من النقاط التي تحتلّها في جنوب لبنان ما دام سلاح “الحزب” موجوداً على الأرض اللبنانية من دون تمييز بين جنوب الليطاني وشماله. ما دام سلاح “الحزب” موجوداً لا إعادة إعمار لقرى في جنوب لبنان أو للضاحية أو لمناطق بقاعية طالها العدوان الإسرائيلي. لا يقتصر الموقف السلبي من لبنان على الولايات المتّحدة ودول الغرب عموماً. أكثر من ذلك، أنّ العرب القادرين ماليّاً على دعم لبنان مصرّون بدورهم على أن يكون البلد “خالياً” من سلاح “الحزب” على حدّ تعبير مسؤول عربي كبير. 

لا فائدة من السّلاح

الخيار في لبنان أكثر من واضح. إنّه بين استمرار الاحتلال وبقاء السلاح. يعود ذلك إلى أنْ لا مجال لإخراج إسرائيل من لبنان بواسطة السلاح الخارج عن الشرعيّة. يستطيع هذا السلاح قتل رفيق الحريري ورفاقه ثمّ اغتيال سمير قصير وآخرين من الشرفاء. لكنّ هذا السلاح لا يستطيع إرغام الدولة العبريّة على الانسحاب من جنوب لبنان.

أثبتت الأحداث أنّ السلاح الذي يمتلكه “الحزب” عالة على لبنان، بمن في ذلك على أبناء الطائفة الشيعيّة. أكّد صديق من بلدة حولا الجنوبيّة أنّه تحقّق من مقتل أو فقدان 100 شابّ من أبناء هذه البلدة مذ بدأت مغامرة “إسناد غزّة”. كذلك، قُتل 104 من شباب عيترون. أين المنطق إذاً، عندما يتحدّث مسؤولون في “الحزب” عن ضرورة التمسّك بالسلاح مؤكّدين أنّ بقاء السلاح مرتبط بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب؟

ثمّة ثلاث نقاط تحتاج إلى التوقّف عندها من أجل إقناع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، لمناسبة زيارة وزير خارجيّتها عبّاس عراقتشي لبيروت، بأنْ لا فائدة من سلاح “الحزب”. تقول النقطة الأولى إنّ كلّ من يدعو “الحزب” إلى الاحتفاظ بسلاحه ويشجّعه على ذلك لا يريد الخير للبنان ولا لأبناء الطائفة الشيعية. من يدعو “الحزب” إلى التمسّك بالسلاح وربط السلاح بالانسحاب الإسرائيلي، فإنّما يدعو لبنان والشيعة فيه إلى الانتحار. فوق ذلك، لا يمكن لإيران الكلام عن دعمها لسيادة لبنان، عبر الوزير عراقتشي وغيره، ودعم ميليشيا مذهبيّة سعت إلى التحكّم بالبلد في الوقت ذاته!

أمّا النقطة  الثانية التي يبدو مفيداً التوقّف عندها، فهي أنّ إسرائيل تغيّرت كليّاً بعد يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. يومذاك شنّت “حماس” هجوم “طوفان الأقصى”. ما بعد الهجوم ليس كما قبله. تخلّت إسرائيل عن كلّ قواعد الاشتباك التي كانت متّفقاً عليها مع “حماس” ومع “الحزب”. مثلما لم تتوقّع “حماس” النتائج المترتّبة على “طوفان الأقصى”، وهي نتائج أدّت عمليّاً إلى إزالة غزّة من الوجود، لا يزال “الحزب” عاجزاً عن فهم خطورة فتح جبهة جنوب لبنان. لا استيعاب لدى “الحزب” لخطورة التمسّك بالسلاح وللتغيير الذي طرأ على السياسة الإسرائيلية، بقي بنيامين نتنياهو في موقع رئيس الحكومة أم لم يبقَ.

سوريا والتّغيير التّاريخيّ

تبقى النقطة الثالثة، وهي نقطة في غاية الأهمّية. بغضّ النظر عن خروج المبعوثة الأميركيّة مورغان أورتاغوس من المشهد اللبناني، لا يستطيع لبنان تجاهل ما يحدث في سوريا من تغييرات كبيرة ذات طابع تاريخي. تعود سوريا إلى لعب دورها في المنطقة من زاوية عربيّة بدل الزاوية الإيرانية في ضوء تخلّصها من النظام العلويّ الذي أقامه حافظ الأسد. يتبيّن يوميّاً مدى الرعاية العربيّة لسوريا، وهي رعاية ذات واجهة سعوديّة. كان أفضل تعبير عن هذه الرعاية الزيارة التي قام بها أخيراً لدمشق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع حزمة مساعدات حملها معه.

من الواضح أنّ سوريا، في عهد أحمد الشرع، تتطلّع إلى علاقات واضحة مع دول العالم، بما في ذلك إسرائيل. لم يتردّد أحمد الشرع في التصريح لإحدى المجلّات اليهودية التي تصدر في نيويورك بأنّ “لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين ويمكن للبلدين لعب دور رئيسي على صعيد الأمن الإقليمي”. يمكن استغراب هذا الكلام ويمكن اعتباره كلاماً جريئاً. لكنّ من المفيد التوقّف عنده في وقت لا يزال لبنان يتلمّس طريقه.

لبنان منشغل بلعبة السلاح التي يريد “الحزب” إغراقه فيها من خلال حملات يشنّها على رئيس الحكومة نوّاف سلام. لا تقدِّم مثل هذه الحملات ولا تؤخِّر، خصوصاً إذا نظرنا إلى الاحتلال الإسرائيلي المتجدّد من الزاوية التي لا مفرّ من النظر إليه عبرها… أي زاوية أنّ السلاح لم يأتِ إلّا بالاحتلال تنفيذاً لأغراض إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

خير الله خير الله -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا