علاقة تاريخيّة بين السُّنّة والدّروز: هل ينجح جنبلاط بحمايتها؟
خطير جدّاً ما يحدث في سوريا. وتحديداً مع دروزها. الكلّ يتّفق على ذلك. ما يجري خطوة أساسيّة في “المشرق الإسرائيليّ الجديد”، أو “الشرق الأوسط الإسرائيليّ”. الكلام عن انفصال الدروز عن سوريا يتقدّم تباعاً. كثرة الكلام عنه دليل على جدّيّة المشروع. لطالما تصدّرت هذه الأقلّيّة الدينيّة المتغيّرات الجيوسياسيّة في المشرق العربيّ منذ ثلاثة قرون. وغالباً ما دفعت الثمن.
الخطر الأكبر الذي يبرز نتيجة ما يحدث في السويداء وجرمانا وأشرفيّة صحنايا هو الشرخ بين الدروز والسنّة. وهو لا ينحصر في سوريا، إنّما ستكون له تداعيات في لبنان، حيث يظهر عدد كبير من المشايخ الدروز تعاطفاً مع دروز سوريا وإسرائيل، ولا يؤيّدون الخيار السياسيّ لوليد جنبلاط. هذا ما أظهره استفتاء جرى داخل الطائفة قبل أشهر وبقي سرّيّاً بحسب مصادر مطّلعة.
منذ تأسيس لبنان كان الدروز إلى جانب السنّة. رأَسَ الزعيم الدرزي كمال جنبلاط الحركة الوطنيّة. وبعد اغتياله رأسها نجله وليد. دعموا معاً منظّمة التحرير الفلسطينيّة في بيروت. وناضلوا معاً من أجل الإصلاحات الدستوريّة، ولو اختلفوا أحياناً على بعضها أو على أولويّاتها، مثل اعتراض السنّة على اقتراح كمال جنبلاط أن يكون رئيس الوزراء مسلماً من دون تحديد طائفته. هذه المسيرة السياسيّة للدروز والسنّة تبدو اليوم مهدّدة بسبب ما يحصل في سوريا. وهذا ما يعمل على تداركه وليد جنبلاط، إدراكاً منه لخطورة ما يحدث على مستقبل الطائفة، وخطورة مشروع تحالف الأقلّيات الذي رفضه منذ عقود.
بعد اغتيال والده، زار وليد جنبلاط حافظ الأسد واستمرّ معتمراً الكوفيّة الفلسطينيّة، رمز القضيّة الفلسطينيّة التي تشكّل القضيّة الأساس لدى السنّة في لبنان والعالم العربيّ حتّى بعد “خطف” إيران لها. ذهب مرغماً إلى الاتّفاق الثلاثيّ الذي استبعد سنّة لبنان، وأيّد اتّفاق الطائف برعاية دوليّة وعربيّة. بعد نهاية الحرب تعايش مع الوصاية السوريّة، وتحالف مع رفيق الحريري، الزعيم السنّيّ. وكان تحالفه ثابتاً. حتّى في تحالفه مع النظام السوريّ السابق كان صديقه الثابت السنّيّ حكمت الشهابيّ.
جنبلاط الخبير
بعد سقوط نظام الأسد، كان وليد جنبلاط أوّل شخصيّة عربيّة تزور أحمد الشرع في قصر المهاجرين. زاره على رأس وفد درزيّ كبير ضمّ وريثه تيمور. حينها انتقد العديد من اللبنانيين الخطوة. اعتبروها “إعلان ولاء” للسلطة الجديدة في دمشق. اليوم فُهمت أهداف تلك الزيارة. لقد أراد زعيم دروز لبنان استباق الإشكاليّة بين دروز سوريا والسلطة الجديدة في دمشق. فإسرائيل كانت قد أعلنت حمايتها دروز سوريا. والرجل، أي جنبلاط، “سياسيّ عتيق” و”درزيّ عتيق”. يدرك المخطّطات الإسرائيليّة في المنطقة، ويعرف جيّداً رجالات الطائفة في لبنان وسوريا وإسرائيل منذ عقود. فهو قرأ جيّداً مشروع الصهيونيّة، وحفظ تاريخ الطائفة.
يدرك جنبلاط أن لدى بعض دروز سوريا نزعة انفصاليّة تعود إلى عشرينيّات القرن الماضي. حينها كانت فئة منهم مع المشروع التقسيمي الفرنسيّ ومع إقامة دولة درزيّة في الجنوب. لم تؤيّد هذه الفئة الثورة التي قادها سلطان باشا الأطرش ضدّ الفرنسيين. ويدرك اليوم مشكلة عدم وجود قيادات سياسيّة لدى دروز سوريا وانقسام مشيخة العقل بين ثلاثة مشايخ، أحدهم الشيخ حكمت الهجريّ الذي يجنح نحو الانفصال تحت مسمّى الخصوصيّة الدرزيّة. ومطالبته بالأمس بحماية دوليّة لدروز سوريا تؤكّد هذا الجنوح.
في ما يتّصل بإسرائيل، يدرك وليد جنبلاط أنّ دروز الجليل هُم إسرائيليون. نظرتهم لأحداث المنطقة إسرائيليّة. هذا ما تعكسه بشكل واضح تصريحات الشيخ موفّق طريف، شيخ عقل الدروز في إسرائيل. فالدروز هم المكوّن الدينيّ الوحيد غير اليهوديّ المنخرط في حياة دولة إسرائيل سياسياً، بل وعسكريّاً أيضاً. يشكّل الشباب الدروز قوّة أساسيّة في الجيش الإسرائيليّ، والسياسيّ الدرزيّ أيّوب القرا عضو في حزب الليكود الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو، وكان وزيراً ونائباً عن الليكود.
الزّمن الإسرائيليّ
أبعد من خطر المشروع التقسيميّ الذي تقوده إسرائيل بعد مئة عام على سقوط المشروع الفرنسيّ، بدعمها دروز سوريا في الجنوب والأكراد في الشرق، يدرك الزعيم الدرزي اللبنانيّ خطر الشرخ بين الدروز والسُّنّة الذي تعمل عليه إسرائيل، والذي ستكون له تداعياته على العلاقة بين الدروز والسُّنّة في لبنان. هذا ما أكّده التسجيل الصوتيّ المفبرك الذي أشعل “الحريق” في جرمانا ذات الغالبيّة الدرزية الواقعة في محيط العاصمة دمشق، وامتدّ إلى أشرفيّة صحنايا. الجغرافيا لها دلالاتها. واضح أنّ إسرائيل أرادت نقل تحدّيها لنظام الشرع من “الأطراف” (في الجنوب) إلى “المركز” (في العاصمة). هذا ما أكّده استهدافها محيط القصر الجمهوري. للمرّة الأولى يستهدف سلاح الطيران الإسرائيليّ محيط قصر رئاسة عربيّة. اللافت في بيان الجيش الإسرائيليّ قوله إنّ الغارة استهدفت “المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق”، وهو ما يدلّ على أنّ إسرائيل لا تعترف برئاسة الشرع لسوريا ولا تعترف بنظامه.
في الاجتماع في دار الطائفة الذي دعا إليه شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى سفراء الدول العربيّة وسفير تركيا وحضره النوّاب الدروز، أكّد رفض “المخطّطات التي تدفع إلى اعتبار الدروز ديناً مستقلّاً أو قوميّة مستقلّة”. وهو ما كان قد أكّده وليد جنبلاط في أكثر من مناسبة ومقابلة وتصريح. بالتزامن مع هذا الاجتماع زار جنبلاط دمشق والتقى أحمد الشرع لوأد الفتنة الدرزيّة – السنّيّة. ربّما طلب منه الانفتاح أكثر على الطائفة وإشراكها في السلطة للحفاظ على وحدة سوريا المهدّدة في الجنوب والشرق، خاصّة أنّ أحداث جرمانا تزامنت مع انعقاد مؤتمر “وحدة الصفّ والموقف الكرديّ”، وتسريبات عن تأسيس ميليشيا علويّة في الساحل. وهي مؤشّرات إلى إمكان انفجار الوضع في سوريا من جديد، وقد تطال شظاياه دول الجوار، وفي مقدَّمها لبنان. مساعي جنبلاط مهمّة وضروريّة. هذا ما تؤكّده مصادر مطّلعة. ولكنّ السؤال: هل تنجح؟ المهمّة صعبة، ذلك أنّ المنطقة تعيش في الزمن الإسرائيليّ.
فادي الاحمر -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|