مؤتمر في الجامعة الأميركية غدا عن "استعادة الثقة المالية بلبنان"
ما الذي سيكتشفه ترامب في السّعوديّة؟
سيصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أسبوع إلى السعودية. سيجد أنّ البلد قد تغيّر وتطوّر على نحو فارق عمّا كان عليه إبّان الزيارة السابقة في ولايته الأولى. يختار، كما وعد، السعودية وجهة أولى له خارج البلاد منذ بدء ولايته الحالية. هو بلد يحبّ مناخاته السياسية وينسج مع ملكه، وخصوصاً مع وليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، علاقات شخصيّة خاصّة وحميمة. والمفارقة أنّ بوناً شاسعاً يفصل بين الطابع العدواني الذي أطلّ به الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على المملكة في بداية عهده، والطابع الودود الذي لم يخفِه ترامب في العلاقة معها، حتّى عندما غادر البيت الأبيض وغاب عنه 4 سنوات.
تعافت منطقة الخليج قبل سنوات من انتكاسة علاقاتها الداخلية البينيّة. عاد مجلس التعاون الخليجي إلى تآلفه من خلال مقاربة عملت عليها الرياض بدأب، وهندَسَ نهاياتها وليّ عهد المملكة الأمير محمّد في قمّة “العلا” الشهيرة في كانون الأوّل عام 2021. بدا أنّ المنطقة تحتاج إلى مناعة، وأنّ رؤية الرياض للعالم تحتاج أوّلاً إلى لحمة البيت الكبير في الخليج. وفيما سيتأمّل ترامب في السعودية الأعمدة البارزة لما تطوّر في سياسات السعودية الداخلية والإقليمية والدولية، لا شكّ أنّه سيجد لها تكاملاً في زياراته بعد ذلك لقطر والإمارات.
يقِرّ مصدر سعودي مراقب أنّ الرياض كانت تقليديّاً ترتاح للإدارات الجمهوريّة، فيما تخفّ “الكيمياء” مع الإدارات الديمقراطية. غير أنّ ذلك، وفق رأيه، لا يقوم على افتراء. ومن دون سرد تفصيليّ للائحة المواقف، يكفي تأمّل سلوك باراك أوباما مع دول الخليج وتعامله المتعجّل بسطحيّة مع منطقة لطالما ارتبطت بعلاقات تاريخية واستراتيجيّة مع الولايات المتّحدة وشاركتها محناً ومآزق، ويكفي تذكّر وعد بايدن الهستيري بجعل المملكة بلداً “منبوذاً”. ولئن أحسنت الرياض التعامل مع التحدّي “البايدنيّ” وفتحت له أبواب الرياض، فذلك أنّها دولة تجيد صون مصالحها كما تجيدها أيضاً في التعامل مع جمهوريّ صديق كدونالد ترامب.
طموحات تتجاوز القدرة الأميركيّة
يستحسن ترامب إبرام الصفقات مع السعودية ليحمل إنجازاً يتباهى به لدى الرأي العامّ في بلاده. مُنيَ الرجل بانتكاسة في شعبيّته في نهاية المئة يوم الأولى من عهده، بسبب قرارات وإجراءات وسياسات ما يزال يعتبر أنّ أوجاعها متوقّعة ويمكن تجاوزها. في السعودية سيجد مدداً محسوباً سيسوّقه نصراً استثنائيّاً. لكنّ من يعرف السعودية يدرك أنّ الرياض لن تمنح ترامب، كما أيّ رئيس أميركي آخر، إلّا ما يتواءم مع خطط المملكة ومصالحها. يروي بدقّة دبلوماسيّو الصفقات القادمون من واشنطن قصصاً عن دفتر شروط سعوديّ متطلّب للمعايير مدقّق في موازين الخسائر والأرباح في أيّ صفقة تدرس الرياض إبرامها. يقول محدّثي السعودي إنّ ترامب بات يقرّ بأنّ طموحات السعودية أكبر من قدرة الولايات المتّحدة على ملاقاتها، وهي المقيّدة بحسابات الكونغرس ولوبيات “بزنس” أخرى.
في غياب دونالد ترامب عن البيت الأبيض قالت السعودية “لا” لمحاولة واشنطن التحكّم بسوق النفط داخل منظّمة “أوبك بلاس”. لم يكن ذلك موجّهاً ضدّ الإدارة الديمقراطية على الرغم من وجود كثير من مسوّغات التبرّم والنكد السياسي. فعلت ذلك فقط دفاعاً عن مصالحها ومصالح شركائها داخل الحلف النفطيّ الشهير الذي تتبوّأ روسيا موقعاً أساسياً داخله. وسيكتشف ترامب أنّ مبدأ الدفاع عن آليّات سوق النفط لن يتغيّر إذا ما تغيّر ساكن البيت الأبيض، حتّى لو أنّ إعادة ترامب إنعاش صناعة النفط الأحفوريّ في بلاده قد تحرّك شيئاً من التنافس بين البلدين داخل السوق النفطي الكبير.
اختلفت الرياض وحلفاؤها مع واشنطن في شأن الحرب في أوكرانيا. قادت الرياض دبلوماسية عربية حياديّة شبه شاملة لم تعادِ روسيا، على الرغم من إجماع المنطقة على تعزيز علاقتها مع أوكرانيا. رفضت السعودية مجاراة خطاب الولايات المتّحدة وروايتها للحرب في أوكرانيا ورفضت كما دول كثيرة في العالم الانضمام إلى أنظمة عقوبات ضدّ موسكو. كان واضحاً أنّ ترامب يعرف ذلك كما أدركه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى درجة أنّ الزعيمين لم يجدا إلّا المملكة مكاناً صحيحاً لعقد مفاوضات بلدَيهما، ولعقد المفاوضات الرديفة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. أمرٌ رحّب به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً. يقول مصدر شبه رسمي في الرياض: “مفارقة أن تناكف الرياض واشنطن في شأن تلك الحرب، ثمّ لا تختار واشنطن إلّا الرياض لمحاولة إنهائها”.
سيزور ترامب السعودية في عزّ أزمة المفاوضات الأميركية الإيرانية. كان راقب باهتمام قبل أسابيع زيارة قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لطهران. كان ذلك بعد جلسة المفاوضات الأولى في مسقط وقبل التالية في روما. بدا في زيارة أرفع مستوى للدولة السعودية بعد الملك ووليّ عهده رسالة مباشرة إلى الحليف الأميركي والصديق ترامب بالذات، مفادها أنّ الرياض لا تجاري خطاب الحرب الأميركي ضدّ إيران في عهده، كما لم تجارِه قبل ذلك ضدّ أوكرانيا في عهد بايدن. في الزيارة ما يكشف أنّ أبجديّات المملكة تغيّرت منذ أن خاضت مغامرة الحوار مع إيران في بغداد، التي انتهت إلى إبرام اتّفاق بين البلدين في آذار 2023 برعاية الصين، خصم الإدارات في واشنطن والهاجس الأوّل لترامب. يقول المصدر السعودي: “صحيح أنّ في بعض خطاب ترامب نحو إيران ما يَعِدُ بسلم ووفاق، غير أنّ توقيت الرياض في المنطقة ليس رهن عقارب ساعة البيت الأبيض ومزاج مصالح واشنطن المتذبذبة”.
لا سلام بدون فلسطين
يقود الملك، بإشراف مباشر ودقيق لوليّ العهد، رؤية اقتصادية سياسية تضع الشرق الأوسط برمّته في حساباتها. سيسمع من “أهل الرياض” ما سمعه أركان الإدارة السابقة، بمن فيهم بايدن شخصياً، حين حلّ ضيفاً على المدينة في تمّوز 2022، متبرّئاً من إثم “النبذ”، متوسّلاً فتح صفحة جديدة. كادت المملكة تنال ما تريد من اتّفاقات دفاعية وأمنيّة وحتّى “نوويّة”، ثمّ قيل إنّها أوقفت التفاوض ولم تعد تتحرّى معاهدة استراتيجيّة كبرى مع واشنطن بسبب حسابات سعوديّة. لم تتغيّر هذه الحسابات. تملك السعودية علاقات واسعة مع العالم، لا سيما شرقاً، وخصوصاً مع روسيا والصين. تقوم تلك العلاقات على قواعد راسخة لا على نكايات عرضيّة. ستوقّع الرياض على اتّفاقات مع واشنطن لا تقيّد حرّية خياراتها، فقد غادرت إلى غير رجعة زمن الخنادق والاصطفافات، ليس فقط لأنّها تغيّرت بل أيضاً لأنّ العالم برمّته قد تغيّر.
قبل وصوله إلى المملكة، تقصّد ترامب إعلان أنّ السعودية ستبرم قريباً اتّفاقات تطبيع مع إسرائيل. بدا أنّه ممعن في الوعد بالإنجازات، كتلك التي استبسطها لإنهاء حربَي غزّة وأوكرانيا، أو كالتي استبشر بها خيراً من فرض الرسوم الجمركية على الكوكب. للرجل أن يَعِدَ، وهو يجيد تلك الصنعة، لكنّه لن يكون أبداً متفاجئاً من موقف سيسمعه من جديد: “لا تطبيع بدون قيام دولة فلسطينية”. سيستنتج أنّ أمر هذا الشرط لم يتغيّر حتّى لو تغيّرت أمور وأحوال كثيرة في السعودية. والأرجح أنّه سيسمع من الرياض ثمّ من عواصم أخرى أنّ العبث الإسرائيلي في المنطقة يجب أن يتوقّف، وأنّ مفتاح ذلك في واشنطن ويملك ترامب نفسه شيفرته، فهو سبيله الوحيد لينعم يوماً بنوبل وجوائزه.
محمد قواص -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|