سوريا.. الثّقل السّعوديّ دعم جنبلاط بلجم نتنياهو؟

من المحال التفتيش عن ظروف الصدامات بين “المجموعات المنفلتة” في سوريا وبين المسلّحين الدروز، وبين هؤلاء والقوى الأمنيّة الرسمية، من دون النظر إلى الصورة الأوسع للصراع الإقليمي على بلاد الشام.

بقدر ما أظهرت تلك الصدامات مدى التأزّم العسكري والسياسي والمذهبي الداخلي القابل للاستغلال الخارجي، كشفت عن تأثير الصراع بين مصالح وأهداف إقليمية. إضافةً إلى التدخّل الإسرائيلي بحجّة “حماية الدروز”، هناك عواصم فاعلة تدخّلت لاحتواء الصدامات، أبرزها المملكة العربية السعودية، قطر، تركيا وعواصم وجهات دولية. فالتدخّلات كادت تتسبّب بمواجهة تركيّة إسرائيليّة.

على الرغم من الجهود التي يبذلها حكّام دمشق الجدد لإيجاد صيغة تستوعب مكوّنات المجتمع السوري، ظهرت هشاشة العلاقات بين هذه المكوّنات. برز ذلك في أحداث الساحل مطلع آذار الماضي، ثمّ في الصدامات بين المجموعات المسلّحة الدرزية والسنّية، وبين الأولى والأجهزة التابعة للحكومة الانتقالية.

التّصحّر السّياسيّ ومخلّفات النّظام الأسديّ

ثبت أنّ ما خلّفه حكم آل الأسد من تصحّر سياسي وأحقاد طائفية وعرقية ومناطقية، أثقل على تعافي سوريا. عمّقت الحرب الأهلية على مدى 13 سنة التناقضات الداخلية.

في الصدامات الأخيرة تنبّهت قيادات محلّية سياسية وروحية درزية إلى مخاطر الانزلاق إلى تمادي الصدام الأهليّ وتعاونت مع الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط لهذا الغرض. لاقاها مفتي الجمهورية السوريّة الشيخ أسامة الرفاعي فأعلن أنّ “دماء السوريين محرّمة”.

الدّور السّعوديّ وجنبلاط والرّؤوس الحامية

لكنّ وقائع الجهود لوقف المقتلة التي حصلت تشير إلى أنّ بعض الرؤوس الحامية في الطرفين وقعت في فخّ الصراع الأوسع على سوريا. كان لافتاً أنّ جنبلاط، بموازاة اتّصالاته مع وجهاء الدروز في سوريا والإدارة السورية الجديدة، أعلن إجراء اتّصالات مع تركيا، السعودية، قطر والأردن. قال بيان للحزب الاشتراكي إنّه اتُّفِق بنتيجة هذه الاتّصالات على وقف النار بين المجموعات في الجانبين. وتبيّن أنّ احتواء الوضع المتفجّر يحتاج إلى جهود خارجية تفوق أهمّية أبعادها الجهود التي جرت على الأرض:

علم “أساس” أنّ الرياض لعبت دوراً رئيساً في معالجة الوضع الأمني المتفجّر، وسعت إلى لجمه. وساهمت اتّصالاتها في تسريع ترتيب اجتماع جنبلاط مع الرئيس أحمد الشرع لتنسيق جهود التهدئة، وانتهى لقاؤهما إلى اقتناع الشرع بصيغة مرنة لمطلب السلطة تسليم سلاح المجموعات الدرزية في محافظة السويداء، بحيث يتمّ استيعاب المسلّحين في المحافظة تحت لواء مجلس الدفاع والأمن، في الشرطة وإدارة الأمن العامّ، بالتزامن مع تسلّم أجهزة الأمن السلاح الثقيل. وأعقب الاجتماع انسحاب الجيش من محيط السويداء. وبدأ تطبيق الاتّفاق منذ الأحد في مدينتَي جرمانا والسويداء. فالقيادة السعودية أخذت على نفسها استيعاب التغيير الحاصل في سوريا ورعاية تمتين أقدام التركيبة الجديدة الحاكمة، منعاً لمحاولات إيران تقويضها. ولهذا الغرض نسجت خطوط التنسيق الوثيق مع القيادتين التركية والقطرية لاحتضان التحوّلات لأجل استقرار بلاد الشام، علاوة على جهودها مع الإدارة الأميركية والاتّحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن سوريا، ومن أبرز مظاهر تلك الرعاية إعلانها مع قطر تسديد متأخّرات الدولة السورية لمجموعة البنك الدولي (15 مليون دولار). الهدف تسهيل تعامل الجهات المانحة مع دمشق وحصولها على مخصّصات لدعم القطاعات الملحّة وإعادة بناء المؤسّسات والتنمية.

كانت الرياض أولى الدول التي ندّدت بالقصف الإسرائيلي المكثّف فجر وليل الجمعة الماضي لمواقع سوريّة بعيدة عن ادّعاءات نتنياهو حماية الدروز (محيط حماة وحمص البعيدتان عن منطقة الصدامات…)، فالرياض استشعرت مخاطر إفشال إسرائيل الحلول السياسية للصدامات، التي حذّر منها جنبلاط. وظهر ذلك في حملة القصف الإسرائيلي التي تصاعدت فور انتهاء لقاء جنبلاط مع الرئيس الشرع.

المواجهة بين نتنياهو وإردوغان بالميدان السّوريّ

اتّصالات جنبلاط شملت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان، للمساعدة في لجم اندفاعة بعض المجموعات الإسلامية المتطرّفة في هجماتها على مناطق درزية. وفي اجتماع بين شيخ العقل في لبنان سامي أبي المنى والنوّاب الدروز مع عدد من السفراء العرب والإسلاميين، كان الموقف التركي والسعودي والقطري موحّداً في دعم جهود وقف القتال وفي تأكيد عروبة الدروز كطائفة إسلامية لها تاريخها، وضرورة وضع حدّ لاستثمار إسرائيل للصدامات التي حصلت. بعض الأوساط لم تستبعد حصول اتّصالات مع الولايات المتّحدة لتضغط على إسرائيل كي توقف غاراتها.
نقلت صحيفة “سوزجو” التركية عن مصادر في أنقرة أنّ الطائرات التركيّة حلّقت في الأجواء التي كانت الطائرات الإسرائيلية تنفّذ فيها غاراتها، فأرسلت إشارات تحذير عبر أنظمتها الإلكترونية للطائرات الإسرائيلية، وتمّ التواصل لتجنّب الاشتباك. وعليه لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلي عن سعي بنيامين نتنياهو إلى منافسة تركيا على النفوذ في سوريا. فالأخير يثير هذه المسألة منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي وبدء توسّع الجيش في جنوب سوريا، ويهاجم اتّكاء أنقرة على حلفها مع الرئيس الشرع، والجيش الإسرائيلي أعلن في بيانه عن قصف سوريا أنّه استهدف “مدافع مضادّة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ سطح-جو… للدفاع عن المدنيين الإسرائيليين”، خلافاً لادّعاء نتنياهو “حماية الدروز”.

أسباب إلغاء زيارة أذربيجان…

على الرغم من وساطة واشنطن بين تل أبيب وأنقرة، يخشى نتنياهو إقامة تركيا قواعد عسكرية في سوريا بالاتّفاق مع الشرع، كما سبق لـ”يديعوت أحرونوت” أن أوضحت في آذار الماضي. فهو يريد من واشنطن أن تبقي سوريا ضعيفة، وأن تسمح باستمرار الوجود العسكري الروسي بدلاً من توسّع الوجود التركي. وسبق أن أرسل قبل شهرين مستشاره العسكري المقرّب منه رومان كوفمان إلى موسكو للبحث في وضع سوريا من هذه الزاوية.
أفاد موقع “والا” الإسرائيلي، السبت، أنّ السبب الرئيسي وراء إلغاء زيارة نتنياهو التي كانت مقرّرة اليوم لأذربيجان هو رفض تركيا السماح لطائرته بعبور أجوائها. كان نتنياهو ادّعى أنّ السبب هو التطوّرات في غزّة وسوريا. يعني هذا أنّ الصراع التركي الإسرائيلي يتعدّى سوريا، لكنّ ترجمته تتمّ على أرضها.

وليد شقير -أساس