"العدل الدولية" تنتصر للإمارات ضدّ "تضليل" الجيش السوداني
في مشهد يؤكد رسوخ ديبلوماسية دولة الإمارات العربية المتحدة ومصداقية خطابها السلمي تجاه السودان، أسدلت محكمة العدل الدولية الستار على الدعوى التي تقدم بها الجيش السوداني ضد الدولة الخليجية، وقضت برفضها لعدم الاختصاص، منهية بذلك محاولة تشويه دور أبوظبي في الأزمة السودانية.
رفض أممي لادعاءات الخرطوم
القرار الذي صدر عن أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، مثّل صفعة قاسية لحكومة الجيش السوداني، إذ قضت المحكمة بشكل قاطع بأنها غير مخولة بالنظر في الادعاءات التي ساقتها الخرطوم بشأن "انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية". وجاء الحكم بعد أسابيع قليلة من تقرير نهائي أصدره مجلس الأمن الدولي، دحض هو الآخر ادعاءات الجيش بحق الإمارات، مؤكداً أن أبوظبي ليست طرفاً في النزاع ولا تدعم أي فصيل مسلح، مشيراً إلى دورها في جهود الحلّ الديبلوماسي.
وخلال جلسات المحكمة التي بدأت في 10 نيسان/أبريل، أظهرت الإمارات ثقة عالية في موقفها القانوني والإنساني، إذ أكدت ممثلتها ريم كتيت، نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، أن الدعوى السودانية تفتقر لأي أساس قانوني أو واقعي. وأشارت إلى أن الإمارات لم تشارك في الحرب، ولم تدعم أي طرف، بل تسعى منذ اندلاع النزاع إلى الدفع نحو حل سلمي شامل ومستدام.
وفي تعليق خاص لـ"النهار"، يقول الدكتور عبدالخالق عبدالله، الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية الإماراتي، إن "الإمارات لم تكن ملزمة بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية، لكنها فعلت ذلك بكل أريحية انطلاقاً من ثقتها بأنها على حق. كانت واثقة كل الثقة بأنها تمثل الحق، ولا تخشى من الدفاع عن موقفها أمام أي محفل دولي"، مؤكداً أن الإمارات كانت على يقين بأن الدعوى المرفوعة ضدها "ضعيفة وهشة ولا تجد صدى قانونياً أو سياسياً"، وهو ما أثبته قرار المحكمة التي صوّت 14 قاضياً من أصل 15 لصالح أبوظبي.
ويضيف: "هذا القرار أدخل الفرحة على قلوب مليون إماراتي، ومعهم ملايين من محبي الإمارات، الذين شعروا اليوم بالراحة والسعادة بعد صدور هذا الحكم"، مشيراً إلى أن القرار "يمثل رسالة واضحة إلى الجيش السوداني وإلى الطرف الآخر في النزاع (قوات الدعم السريع)، بأن الوقت قد حان لإنهاء هذا الصراع المسلح الذي أضر بـ26 مليون سوداني، وتسبب في مجاعة يعاني منها أكثر من 20 مليوناً، نتيجة نزاع عبثي ذهب ضحيته الآلاف".
وسبق للإمارات أن وصفت الدعوى بأنها محاولة لصرف الانتباه عن مسؤوليات الجيش السوداني في الحرب، ووسيلة للتشويش الإعلامي بدل الانخراط في معالجة جذور الصراع، وهو ما أكده أيضاً تقرير مجلس الأمن الأخير، الذي اعتبر أن الاتهامات الموجهة لأبوظبي تحمل طابعاً سياسياً لا يستند إلى دليل. وفي هذا السياق، يلفت عبدالله إلى أن الجيش السوداني هو من "أطلق الرصاصة الأولى، ويصر على الحسم العسكري ويرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات"، مؤكداً أنه رفض كافة الوساطات الإقليمية من أفريقيا، والعربية من السعودية ومصر والإمارات، وحتى الوساطة التركية الأخيرة، وهو ما أدى إلى "حالة من الاستياء الإقليمي تجاه موقفه".
وكانت أجهزة الأمن الإماراتية قد أعلنت في 20 نيسان الماضي إحباط محاولة لتمرير كمية كبيرة من العتاد العسكري إلى الجيش السوداني بطريقة غير مشروعة. وأعلنت النيابة العامة في الإمارات عن ضبط شحنة تضم نحو خمسة ملايين قطعة ذخيرة من نوع "جيرانوف"، كانت مخبأة داخل طائرة خاصة هبطت في أحد مطارات الدولة للتزود بالوقود، مدعية أنها تحمل أدوات طبية. وكشفت التحقيقات تورط خلية تضم مسؤولين سابقين في جهاز المخابرات السوداني، بينهم صلاح قوش، بالإضافة إلى ضباط حاليين في الجيش، بمحاولة تمرير الصفقة باستخدام وثائق مزورة وطرق تحويل مالية غير قانونية.
رسالة إماراتية مزدوجة: قانون وإنسانية
الضربة القضائية التي تلقتها الخرطوم لم تكن منعزلة عن السياق، بل جاءت امتداداً لضغوط أممية ودولية متصاعدة تضع قادة الجيش السوداني وتنظيماتهم الحليفة أمام مسؤوليتهم عن تفاقم المأساة الإنسانية في البلاد. فالحرب الدائرة منذ نيسان 2023 خلفت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة، إذ يواجه ملايين السودانيين في مناطق واسعة في جنوب وغرب البلاد مجاعة معلنة أو وشيكة.
في المقابل، لم تكتفِ الإمارات بالرد القانوني على الادعاءات، بل كثّفت من دعمها الإنساني والديبلوماسي، سواء عبر جهودها في فتح الممرات الإنسانية، أو من خلال دعوتها الدائمة لوقف إطلاق النار والانتقال إلى عملية سياسية تقودها حكومة مدنية مستقلة عن هيمنة الجيش، فعملت جنباً إلى جنب مع الشركاء الدوليين لإيصال المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين، في موقف يتمايز عن الخطاب التصعيدي الذي تتبناه قيادات عسكرية في السودان.
ويؤكد عبدالله أن الإمارات لن تدير ظهرها للسودان وشعبه، خصوصاً على مستوى الدعم الإنساني، موضحاً أن "الإمارات كانت وما زالت الدولة الأكثر إرسالاً للمساعدات الإغاثية خلال العامين الماضيين، بل وخلال العقد الأخير، وكانت من أكثر الدول سعياً للتوفيق بين المكونين العسكري والمدني في السودان". ويشير إلى أن أبوظبي كانت شريكاً محورياً في دعم الانتقال السياسي خلال مرحلة ما بعد عمر البشير، موضحاً أنه "حتى اللحظة الأخيرة، كانت الإمارات معنية بشكل مباشر بانتقال السودان من حكم البشير العسكري إلى الحكم المدني، وقد نجحت جزئياً في ذلك، إذ تولى عبد الله حمدوك رئاسة الحكومة بدعم إماراتي كبير".
رسائل الإمارات، المتكررة والثابتة، تؤكد أن لا حل عسكرياً للأزمة، وأن الوقت قد حان لوضع حد للحرب العبثية التي تدمّر السودان أرضاً وشعباً. ويشدد عبدالله على أن "الإمارات ستبقى حاضرة إنسانياً، وستواصل حضورها السياسي مع الأشقاء العرب والأفارقة لإنهاء هذا النزاع"، لكنه يحذر من أن "الجيش السوداني سيزداد صلابة، وأن هذا النزاع سيستمر حتى إشعار آخر"، داعياً إلى مضاعفة الجهود لإقناعه بأن الحسم العسكري لن يكون سبيلاً للنصر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|